إن المواجهات المستمرة بين فرنسا وإيطاليا زادت من تعقيد الموقف من الهجرة ، حيث أن هذا الانقسام يؤثر على العلاقات داخل أوروبا وكذلك على سياسات القارة بشأن القضايا العالمية ، والخلاف الأخير بين فرنسا وإيطاليا ما هو إلا أحدث مظهر من مظاهر الانقسام المتزايد في أوروبا مع صعود السياسة الشعوبية.
وقد نشرت صحيفة ” دا أراب ويكلي – The Arab Weekly ” اليوم 27 يناير أن الخلاف الفرنسي-الإيطالي سيزيد الفجوة الأوروبية العميقة ، فأحدهما مدعوم من قبل الأحزاب المناهضة للهجرة والمناهضة للاتحاد الأوروبي ، مثل عصبة اليمين المتطرف في إيطاليا وحركة النجوم الخمس، والأخر يعبر عن السياسات الأكثر تقليدية ومؤسسية ، ومؤيدة للاتحاد الأوروبي و للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، الذي أصبح الآن هدف غضب الشعوبيين الإيطاليين.
وقد خلّف هذا الخلاف الطريق أمام حرب فرنسية إسبانية لم يسبق لها مثيل من الكلمات التي تعمل على التشكيك في سياسات أوروبا في المنطقة المغاربية وأفريقيا، كما أنه يثير الشكوك حول التزام إيطاليا وفرنسا بإيجاد حل لحالة عدم الاستقرار والفوضى التي تعم ليبيا منذ نهاية الحملة العسكرية التي قادها حلف الناتو في عام 2011.
وبهذا الصدد اتهم وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني فرنسا بعدم “الاهتمام باستقرار الوضع في ليبيا” وحسب رأيه ربما لأنها تمتلك مصالح نفطية تعارض مصالح إيطاليا”.
وقد تكون المخاطر بالنسبة لكل من ( شركتي ENI الإيطالية و توتال الفرنسية ) في موارد الطاقة في ليبيا ضخمة ، لكن الشركتين لا تفعلان الكثير من أجل مصداقية جهود السلام الدولية مع استمرار النزاعات ، وهذا يؤكد بأن الأدوار الفرنسية والإيطالية مدفوعة فقط بدوافع تجارية بحثة.
وتضيف الصحيفة :
إن الاتهامات من كبار المسؤولين الإيطاليين لا يمكن إلا أن تعطي المصداقية لأكثر النظريات سخرية وهى ” المؤامرة ” ، كما أن الخلاف الفرنسي-الإيطالي لا يمكن أن يؤثر سلبًا على معاملة أوروبا لمشكلة أخرى وهى مشكلة الهجرة.
فمنذ يونيو 2018 أغلقت روما الموانئ أمام سفن إنقاذ المهاجرين وقال سالفيني: “لا يوجد لدى فرنسا سبب للانزعاج لأنها دفعت عشرات الآلاف من المهاجرين (على الحدود الفرنسية) ، وتخلى عنهم هناك وكأنهم وحوش”.
ومنذ بداية العام ، غرق أكثر من 200 مهاجر أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط. وقالت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة :
“إن ما لا يقل عن 4216 مهاجر وصلوا إلى أوروبا في أول 16 يومًا من العام ، مقارنة بـ 2،365 خلال نفس الفترة من عام 2018”
ولعدم وجود ميناء مرحب وآمن في إيطاليا ، يتم إرسال العديد من المهاجرين الذين تم إنقاذهم إلى ليبيا على الرغم من ظروف الاحتجاز غير الكافية هناك. وقد انتقدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “السياسة الأوروبية حول عمليات الإنقاذ البحرية”.
وقد لاحظ المتحدث باسم المفوضية “شارلي ياكسلي ” أن “الإنقاذ في البحر أصبح رهينة من قبل السياسة ، وأن هناك حاجة ماسة إلى القيادة الحاسمة التي تدخل في قيم أساسية للإنسانية والتعاطف” حيث تجد المنظمات الغير الحكومية الخاصة أنه من المستحيل على نحو متزايد تقديم يد العون للمهاجرين الذين ينجرفون في البحر.
فبدلاً من إثارة جدل حول الجذور العميقة لمشكلة الهجرة وطريقة معالجتها بفعالية ، فإن الخلاف الفرنسي الإيطالي لا يؤدي إلا تعقيد الأمور.
وقد قال وزير التنمية الاقتصادية الإيطالي لويجي دي مايو :
“إذا غادر الناس اليوم ، فذلك لأن الدول الأوروبية وفرنسا قبل كل شيء لم تتوقف قط عن استعمار عشرات الدول الأفريقية ، وينبغي على الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على فرنسا وجميع الدول التى مثلها والتى تغرق إفريقيا وتجعل هؤلاء الناس يغادرون لأن الأفارقة يجب أن يكونوا في أفريقيا وليس في قاع البحر المتوسط”
وأضافت الصحيفة :
“أن هذا التوتر لن يساعد في معالجة قضية الهجرة ، ولن يساعد في حل الصراعات العالقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، كالصراع في ليبيا أو في مساعدة المنطقة في معالجة صعوباتها الاجتماعية والاقتصادية المزمنة “