| مقالات اقتصادية
المسلاتي يكتب لصدى مقالاً بعنوان “المصارف وعلاقتها بالمتعاملين معها،” الحلقة الثانية”
كتب رجب المسلاتي لصحيفة صدى الاقتصادية مقالاً بعنوان “المصارف وعلاقتها بالمتعاملين معها، الحلقة الثانية”
لست على دراية كافية بالقانون بما يمكنني من تأييد هذا الرأي أو ذاك ولكن يهمني أن ألفت الانتباه إلى العواقب والتبعات التي يمكن أن يتعرض لها المقترض، والذي توصف علاقته بالمصرف بأنها علاقة مدين بدائن، إذا ما تخلف عن سداد بكل أو بجزء مما أقترضه في الموعد أو المواعيد المتفق عليها مقارنة بالعواقب والتبعات التي يمكن أن يتعرض لها المصرف، سوى اعتبرناه مديناً أو مودعاً لديه، في حالة تأخره ولو لساعات، عن رد ما أودع لديه من أموال لأصحابها عند الطلب إذا كانت من الودائع الجارية، أو عند إنتهاء الأجل إذا كانت من الودائع لأجل، بصرف النظر عما إذا اعتبرنا ما أودع إليه قرضاً فهو مدين به أو اعتبرناه وديعة فهو مؤتمن عليها.
إذا تخلف العميل المقترض عن سداد ما اقترضه من المصرف في الميعاد أو المواعيد المتفق عليها، فإنه بلا شك يكون قد أخل بما التزم به، ويكون من حق المصرف التنفيذ على ما حصل عليه منه من ضمانات ويستطيع بطبيعة الحال، رفع الأمر إلى القضاء ليحصل علي حكم يجبر مدينه على السداد، غير أن الذي يحدث عملياً أن المصرف، وهو يدرك صعوبة التنفيذ على بعض الضمانات، وضرورة الحصول علي أحكام قضائية للتنفيذ على بعضها الآخر ويعلم بطأ إجراءات التقاضي وتكاليفها، يقبل في الغالب الأعم من الأحوال، التفاوض مع عميله في سبيل الوصول إلى حل ودّي خارج ساحات المحاكم يضمن له استعادة ديونه، ولو أدى الأمر إلى القبول بتقديم بعض التنازلات أو تحمّل بعض التضحيات.
فالمصرف، في سبيل استعادة دينه قد يقبل (بتعويم) المدين، أي بمنحه مزيداً من القروض إذا رأى أن ذلك سيعيد الحياة لنشاط عميله مما يوفر له فرصاً أحسن تمكنه، في نهاية المطاف، من تسديد أصل الدين وما يستحق عليه من فوائد، وقد يوافق المصرف على إعادة جدولة الدين، أي إعادة النظر في شروطه وذلك بقبول السداد علي أساس أقساط أكثر عدداً وأقل قيمة أو خلال آجال أطول وربما بأسعار فائدة أقل، وهو أي المصرف، وفي سبيل استعادة أصل الدين قد يكون مستعداً للتنازل لعميله عمّا لم يسدده من الفوائد التي استحقت عليه أو إعفائه من الفوائد مستقبلاً، وقد يصل الأمر إلى أن يتنازل له عن جزء من الدين نفسه في سبيل استرداد جزئه الآخر.
هذا ما يحدث غالباً عندما لا يستطيع مدين ما من مديني المصرف ردّ ما اقترضه من المصرف في الموعد أو المواعيد المتفق عليها، فماذا يحدث إذا ما تأخر المصرف، ولو بضع ساعات، عن إعادة أموال أودعت لديه إلى أصحابها؟ وما هي العواقب التي من المؤكد أن يتعرض لها؟ حتماً لا يستطيع المصرف أن يطلب من عميله صاحب الوديعة سوى اعتبرناه دائناً والمصرف مديناً أو اعتبرناه مودعاً والمصرف مودعاً لديه، أن يضع لديه مزيداً من الودائع، ولا يستطيع مطالبته بالدخول معه في إتفاق جديد يتضمن إعادة جدولة تسمح له بإعادة الوديعة في أجل جديد وبشروط أكثر يسراً، ولا بإعفائه من سداد الفوائد المتفق عليها إن وجدت، ولا أن يتوقع تخفيض الوديعة بإلغاء جزء، كبير أو صغير، منها وبمختصر الكلام فإن المصرف ليس له أن يتطلع إلى أي نوع من أنواع التنازلات أو التساهل التي رأينا أنه كثيراً ما يقبل بها، مخيّراً أو مجبراً، لصالح المقترضين منه.
وحتى لو أحيل الأمر إلى القضاء فليس بإمكان المصرف أن يلجأ إلى كثير من الدفوع التي قد يلتجئ إليها المقترض منه العاجز عن السداد، إن الذي يحدث هو أن المصرف سيعتبر متوقفاً عن الدفع، بما يعنيه ذلك من مسئولية وتبعات، وإذا شاع هذا الأمر في السوق فإنه سيواجه هجوماً من جميع المودعين لديه مطالبين باسترداد ودائعهم، فإذا ما عجز عن توفير الأموال السائلة الكافية لمواجهة هذا الهجوم فإن السلطات النقدية وربما حتى القضائية ستضطر للتدخل، وقد ينتهي الأمر بإعلان إفلاس المصرف وتصفيته، مع ما قد يتعرض له كبار مديريه من مساءلة قانونية، مدنية أوجنائية.