كتب رجب المسلاتي لصحيفة صدى الاقتصادية مقالا بعنوان ” العلاقة بين المصارف وعملائها .. الجزء الرابع”
بطبيعة الحال فإن المصارف ملزمة على الدوام وفي جميع الأحوال بالتأكد من أن العميل هو من يدعي أنه هو إذا كان يتصرف باسمه ولحسابه الخاص، بالإضافة إلى ذلك ينبغي عليها أن تطلب منه إبراز تخويل كتابي صحيح إذا كان يتصرف باسم جهة اعتبارية ولحسابها، وعادة ما يتم التأكد من هوية العميل بالاطلاع على المستندات الوثوقية التي تثبت شخصيته، ويتم التأكد من صحة التوكيل أو التخويل الذي يحمله إذا كان ممثلاً لجهة اعتبارية بالاطلاع على نظامها الأساسي والتثبت من أن التوكيل أو التخويل قد صدر وفقاً لأحكامه وممن يخولهم بذلك وفي الشكل وبالحدود والشروط التي ينص عليه.
في غير هذا، وأتكلم عن الممارسة لدينا هنا في ليبيا، فإن مصارفنا بكل أسف لا يبدو أنها تعطي لعلاقاتها مع عملائها ما تستحقه من اهتمام ، يتجاوز التحقق من الشخصية والتثبت من صحة التفويض، وأخشى أن بعض المصارف الليبية، أو على الأقل بعض فروعها، لا تعرف عن المتعاملين معها أكثر من كونهم أرقاماً في ذاكرة حاسب آلي تضرب عليه فتاة محدودة الخبرة وناقصة التدريب، فإذا نسي العميل رقمه المودع لذاكرة الحاسب الآلي فإنه بالنسبة للمصرف فقد هويته، وقد لا يستطيع إنجاز معاملته ما لم يتذكّر رقم حسابه أو يذكّر به، وحتى دفاتر الشيكات التي تصدرها مصارفنا لعملائها تحمل أرقام حساباتهم وليس أسماءهم على الرغم من أنه من شروط الشيكات الشكلية إن لم تكن الجوهرية، أن يحمل الشيك اسم ساحبه واسم المسحوب عليه.
من الوهلة الأولى قد يجد المرء عذراً لمصارفنا في عدم الاحتفاظ مع عملائها بعلاقات أكثر عمقاً وفهماً، أو على الأقل أكثر إنسانية، لأن انتشار وتوسع المصارف خلال السنوات الماضية وتكليفها بدفع مرتبات العاملين في خدمة الدولة، وبالقيام بأنشطة ليست من اختصاصاتها المعتادة، وضعها أمام جيش من المتعاملين من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التعرف عليهم جميعاً بما يجاوز التحقق من هويتهم، هذا فعلاً هو الواقع الذي يفرض نفسه، ولكن ينبغي ألا ننسى أنه في المقابل أصبح تحت تصرف المصارف وسائل جديدة، وفّرها التقدم التقني، المتطور دائماً، لم يتم بعد استيعابها واستخدامها الاستخدام الأمثل و خاصةً فيما يتعلق بتخزين وتحليل المعلومات الكافية عن المتعاملين معها، بما يتيح لها معرفتهم معرفة حميمة، ومتابعة أنشطتهم، وتطور أمورهم المالية بما يمكنها من بناء علاقات معهم أكثر عمقاً وفهماً، تصلح أن تكون أساساً لثقة متبادلة.
وحتى إذا كانت لا توجد ضرورة، ولا حتى جدوى في جمع معلومات بالعمق والتفصيل الذي أتكلم عنه، عن المتعاملين مع المصارف من الموظفين الذين لا تتجاوز علاقتها بهم عن استلام مرتباتهم من مستخدميهم ودفعها لهم نقداً في اليوم التالي إن لم يكن في نفس اليوم، فإن هذا لا ينطبق بشأن عملائهم من رجال الأعمال، ومن الشركات الكبرى والصغرى، الخاصة والعامة، وهي كثيرة، وفي ظل ما نلمسه من إجراءات تستهدف توسيع قاعدة الملكية فإنها ستزداد إن لم تتضاعف عدة مرات، ولا ينطبق أيضاً حتى بشأن عملائهم من موظفي الدولة إذا أصبحوا من المقترضين منها ووصل مجموع ما اقترضوه إلى مبلغ مهم بالنسبة لدخولهم.
في تقديري إن المعرفة الجيدة بالعميل ومتابعة نشاطه، وتخزين وتبويب المعلومات عن معاملاته مع المصرف، وجمعها وتحليلها ومقارنة تحركاتها بين فترة وأخري، قد تعطي مؤشرات وتنبئ عن أوضاع يفيد المصرف أن يكون ملماً بها ومتابعاً لاتجاهاتها ومدركاً لعواقبها وواعياً لما تبعث به من إشارات قد تنبه للخطر قبل حدوثه وتدعو إلى اتخاذ الحيطة والحذر.