أثارت القرارات الصادرة عن المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس بخفض إمدادت الكيروسين إلى شرق البلاد موجة من الاتهامات، حول ما إذا كانت المؤسسة تدعم أحد طرفي الصراع القائم منذ فترة بين حكومة الوفاق من جهة وقوات الجيش تابعة للبرلمان في طبرق من جهة أخرى.
وتنفي إدارة صنع الله خفض إمدادات الوقود بشكل مقصود، مع إصرار المؤسسة التي تتخد من طرابلس مقر لها على أنها تعمل بعيدًا عن النزاع المستمر حول الشرعية والسلطة في البلاد وأن هدفها هو الحفاظ على استقرار معدلات الإنتاج التي وصلت إلى مليون برميل تقريبًا.
لكن إدارة المؤسسة بالمنطقة الشرقية ذكرت في بيانٍ تحصلت “صدى الاقتصادية” على نسخة منه بأن إمدادات “كيروسين” الطيران توقفت عن المنطقة منذ أبريل الماضي معتبرة بأن مؤسسة النفط بطرابلس تحاول فرض حصار على المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المؤقتة.
مع استمرار الحرب جنوب العاصمة طرابلس منذ خمسة أشهر تقريبًا، يعتقد كثيرون بأن قرار المؤسسة يأتي في محاولة لمنع وصول المحروقات إلى القوات المنخرطة في القتال جنوب العاصمة طرابلس.
تحاول المؤسسة أن تتفادى الانزلاق في الحرب للحفاظ على استقرار معدلات الانتاج على الرغم من وجود أغلب الحقول النفطية تحت سيطرة قوات الجيش التابعة للبرلمان إضافة إلى وجود عدد من الشركات النفطية وشركات الخدمات العامة في شرق وجنوب البلاد.
صراع الوقود
نتيجة لوجود حرص دولي على إدراة المؤسسة الوطنية في طرابلس وحدها عمليات بيع النفط، نجحت الأخيرة في رفع معدلات الإنتاج وإبعادها عن الصراع طيلة الفترة الماضية، لكنها في المقابل فشلت في التحكم بالمنتجات النفطية الأخرى من خلال استغلالها من قبل الأطراف المتنازعة على السلطة منذ زمن.
قبل تاريع الرابع من أبريل الماضي، كانت الأوضاع المستقرة نسيبًا ساعدت مؤسسة النفط بالتحكم في إدارة توزيع الوقود ومكافحة طرق تهريبه والتي كانت تؤثر على إيرادات المؤسسة بخسائر بلغت ملايين الدولارات.
ولكن بعد إعلان قوات الجيش التابعة لبرلمان طبرق إطلاق الحملة العسكرية للسيطرة على طرابلس ودخول البلاد في مواجهات مسلحة هي الأعنف منذ سنوات، فقدت المؤسسة زمام المبادرة في التعامل مع الأوضاع الجديدة ورضخت فيما يبدو للأمر الواقع.
منذ ذلك الحين، استغلت الجهات العسكرية “الوقود” من خلال قطع الإمدادات عن المدن الخارجة عن سيطرة الحكومة في طرابلس بينما امتد مؤخرًا ليصل إلى وقود الطيران الذي يغذي ثلاثة مطارات مهمة على الأقل.
يعتقد الكثيرون أن استمرار قطع الإمدادات من الوقود بأشكاله المختلفة عن المطارات ومحطات الوقود، قد يؤدي إلى عودة المحاولات من قبل الجهات الموازية في شرق البلاد إلى استخدام طرق غير شرعية للحصول على الوقود وربما يذهبون لبيع النفط أيضًا مرة أخرى.
عودة الانقسام
بعد محاولتها سابقًا لإنشاء جسم موازي وبيع النفط في عدة مناسبات، يبدو أن مؤسسة النفط الموازية في بنغازي بدأت بالفعل العمل على إيجاد نفسها في ظل الحصار المفروض عليها من طرابلس.
وأعلنت إدراة شركة البريقة لتسويق النفط الواقعة بمدينة بنغازي، الانضمام لمؤسسة النفط الموازية والانفصال عن إدارة الشركة الرئيسية في طرابلس التي اتهمتها باستغلال وتوظيف الثروة النفطية لأغراض سياسية.
وقال مدير مكتب الإعلام بمؤسسة بنغازي أسامة ماضي، في تصريح خاص لـ”صدى الاقتصادية”، إن الانفصال الإداري جاء نتيجة رفض إدارة الشركة في غرب البلاد إرسال شحنات وقود الطائرات للمستودعات شرق البلاد.
وبحسب ماضي، ستعمل إدارة البريقة على محاولة توفير الوقود الخاص بالطيران للمنطقة الشرقية والجنوبية، بعد توقف الإمدادت من طرابلس، من خلال إبرام عقود مع شركات خارجية، دون تأكيدات بأنهم يملكون الأموال الكافية لذلك.
إغلاق حقل الشرارة
مع استمرار الصراع حول العاصمة طرابلس، ظهرت المؤسسة الوطنية للنفط على أنها غير قادرة بالفعل على التعامل مع الصراع بصورة متزنة وبعيدة عن دعم طرف على حساب الأخر، مما قد يكلفها خسائر في إنتاج النفط مرة أخرى.
تقع أغلب الحقول النفطية شرق وجنوب البلاد تحت سيطرة قوات البرلمان المنافسة على طرابلس، والتي استطاعت بفضل تأمين نقل الوقود إلى الجنوب من خفض التوتر في المنطقة وإنهاء تهديدات إغلاق الحقول من قبل السكان الغاضبين من تردي الخدمات في مناطق فزان.
ولكن مع القرارات الأخيرة للمؤسسة الوطنية للنفط، بخفض إمدادات الوقود عن شرق البلاد والتي تغذي بدورها مناطق الجنوب المختلفة، قد تساعد هذه التطورات بظهور الاحتجاجات مجددًا وربما يعود مسلسل إغلاق الحقول مرة أخرى.
وقال أحد نشطاء المجنمع المدني بفزان أحمد الحضيري، لـ”صدى الاقتصادية”، إنه ومنذ فترة قلت إمدادات وقود البنزين والديزل التي كانت تصل من بنغازي إلى مدن الجنوب، مع استمرار ارتفاع سعرها تدريجيًا.
وبحسب عضو منظمة فزان المحلية، فإن هناك مخاوفا من عودة الوضع إلى السابق مع نقص المحروقات عن المنطقة، وبالتالي عودة الاحتجاجات والتوتر أيضًا.
يعتقد أحمد بأنه في حال ذهبت مؤسسة النفط في اتجاه خفض إمدادات الوقود عن بنغازي فإن ذلك سيؤثر مباشرة وبشكل سلبي على الجنوب؛ نتيجة وصول أغلب كميات الوقود من شرق البلاد.
ومنذ الحرب على طرابلس انقطعت المحروقات التي كانت تأتي من مدينة مصراتة إلى مستودعات سبها، فيما اقتصرت الشحنات التي تصل إلى المدينة عن طريق المستودعات الموجودة في بنغازي.
عضو المنظمة المحلية يرى بأن انخفاض مستوى الوقود الواصل إلى فزان سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار النسبي الحاصل هناك، وظهور احتجاجات قد تغلق حقل الشرارة ومنشآت نفطية أخرى.
ومع كل ذلك، من الواضح أنه على المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس أن تسلك طريقًا مغايرًا يمكنها من خلاله الحفاظ على تماسكها والحفاظ أيضا على ثروة البلاد النفطية.