استعرض ” معهد الشرق الأوسط ” في مقال اقتصادي تحليلي نشر أمس الاثنين أهم مراحل تطور الصراع في ليبيا ودور المؤسسات المالية في دعم زعماء ومليشيات الحرب .
حيث أشار المعهد إلى أن دور الفساد الذي يتم تجاهله إلى حد كبير في صنع السياسة الدولية تجاه الصراع الحالي في ليبيا هو المحرك الرئيسي للعنف ، رغم المحاولات الدولية لإنهاء هذا الصراع وما تحاول الجمعية العامة للأمم المتحدة القيام به حاليا في المؤتمر المقترح أن تستضيفه ألمانيا في أواخر سبتمبر.
وفي حين أن الدول الأجنبية التي تقدم الأموال والأسلحة إلى مختلف أمراء الحرب الليبيين والميليشيات لها دوافع أيديولوجية وأمنية واقتصادية ، ناهيك عن الأيرادات التى جمعتها الدولة الليبية والتى تعتبر مصدر الثروة الليبية ، ولكنها موزعة بطرق مختلفة وكلها عرضة للانتهاكات.
وأضاف التقرير
أن هناك ثلاث قنوات أساسية أدت إلى ظهور الميليشيات وخاصة ( حقبة مصادرة ميراث القذافي ) وهى :
- دفع أموال لرجال الميليشيات مباشرة
- خطابات الاعتماد
- تهريب البضائع المدعومة.
ولكل قناة من هذه القنوات مصدرها في العاصمة طرابلس ، حيث يتم دفع إيرادات النفط للبنك المركزي الليبي (CBL) في طرابلس ويتم تحديد الإعانات والرواتب وتمويلها من طرابلس ويتم إصدار خطابات الاعتماد من المصرف.
وهذه المكونات السابق ذكرها هى ما يعزز ثروة المليشيات ويدعم أمراء الحرب ، حيث أن مركز القوة الاقتصادية في طرابلس يخلق شروطاً مسبقة لديناميكية الصفر الحالية للحرب الأهلية والرغبة في السيطرة على العاصمة.
وقد تحدث بعض المحللين والكتاب الأخرين عن “ميليشيات طرابلس ” باعتبار أنها منظمة اقتصادية ، وأعتقد أن الوقت قد حان لتوسيع هذا الوصف ( يجب اعتبار قادة الحرب الكبار وبعض المسؤولين الرئيسيين الذين يسيطرون على سياسات الاقتصاد الكلي غير الكفوءة في ليبيا بمثابة “حزب الوضع الراهن” ) حيث بدأ كبار مسؤولي الأمم المتحدة في الإشارة إليهم علانية على هذا النحو.
ويستفيد هذا “الحزب” من النزاع ، حيث يجدر الإشارة إلى أن شبكات رعايتهم المربحة كانت سوف تتعطل تقريبًا بسبب المؤتمر الوطني الجامع الذي كان برعاية الأمم المتحدة والذي كان من المقرر عقده في منتصف أبريل 2019.
وبعد أن شن “خليفة حفتر ” هجومه على طرابلس لتخريب ذلك المؤتمر عن عمد ، أدى تحول النزاع إلى مأزق طويل الأمد إلى تفضيل بعض الجماعات المسلحة التي عززت هيمنتها على قطاعات محددة من الاقتصاد الليبي.
على سبيل المثال ، استفاد عماد الطرابلسي وهو من أهم قادة طرابلس من القتال من أجل بسط نفوذه على الضواحي الغربية المهمة اقتصاديًا وعلى العكس من ذلك ونظرًا لفشل حفتر في اختراق جنوب طرابلس رغم تمكن قواته من تصحيح عجزها المالي عن طريق اغتصاب شبكات الاستغلال الحالية لأعدائهم ، تعاقد حفتر من الباطن على جزء كبير من القتال على طرابلس لحلفائه المحليين -كمليشيات الكاني من ترهونة حيث تمتلك هذه المجموعة مصادر تمويل مختلفة خاصة بها وتواصل القتال إلى جانب حفتر من أجل حمايتها.
والتساؤلات المطروحة الأن “كيف يعمل الوضع الاقتصادي الراهن في البلاد “؟
لطالما دعمت ليبيا مجموعة من السلع والخدمات وفي بعض الأحيان يتم دعم كل من المدخلات والمخرجات ،مثل الخضروات الليبية ، حيث يحصل المزارعون على إعانة مالية للطماطم ، لكن الماء والكهرباء والمزارعين الذين ينتجون الطماطم يحصلون على دعم كبير أيضًا و قد يكون السعر للمستهلك الليبي أقل من عُشر ما يكلف إنتاجه. وهذا ينطبق على عدة منتجات ليبية ولكن نظرًا لأن الاقتصاد الليبي لا يدرس الأمور بهذه الطريقة فإن تكاليف الإنتاج الفعلية للبضائع غير معروفة.
أن ليبيا من المحتمل أن تكون من أكثر البلدان المدعومة على وجه الأرض (على الرغم من أنها غير مدرجة في البنك الدولي حول هذا الموضوع ) وان الطريقة التى ترتبط بها المؤسسات الاقتصادية الليبية مع بعضها البعض غير واضحة وبالتالي لا يمكن بسهولة قياسها كمياً.
إن هذه المؤسسات لها الحق في الحصول على سلع مدعومة أو مجانية حيث تفتقر المؤسسات الليبية غالبًا إلى ميزانيات شفافة وتعمل في فراغ خارج أسعار السوق.
ولا يمكن لمستوى الدعم في ليبيا أن يعمل في ظل نظام يحركه السوق حيث تتنافس مختلف الهيئات الاقتصادية على جني الأرباح أو إنتاج سلع عامة بأكبر قدر ممكن من الكفاءة ، وإن نظام الدعم هو الدافع الأساسي للعنف والفساد في ليبيا بعيدًا عن كونه خصوصية غير ضارة أو خيار سياسي اشتراكي أو إرث غريب من عهد القذافي ، أو ناتج عن عدم الكفاءة.
عبء تمويل الميليشيات ( تهريب البنزين المكرر)
قامت المؤسسة الوطنية للنفط بتكرير مشتريات النفط في الخارج وتستخدم الشركات التابعة لتوزيعها بأسعار مخفضة هائلة داخل ليبيا وكل هذا يتوافق مع القوانين الليبية من عهد القذافي وعادة ما تستولي الميليشيات على هذا البنزين ويتم تهريبه للبيع بربح كبير و لا تصل معظم شحنات البترول الليبية إلى محطة تعبئة حقيقية وهذا ما يسمى ظاهرة محطة ( الأشباح ).
إن تهريب الوقود المكرر هو الذي يوفر حاليًا تعدد الدخل للميليشيات حيث أن فرص التهريب تزيد من مستويات العنف ، وإن دعم الوقود والكهرباء والغذاء ما هي إلا بعض الأمثلة على كيفية تأثير الإعانات على الحياة الاقتصادية الليبية ، حيث يظل المدى الحقيقي للمشكلة غير معروف حتى من قبل كبار التكنوقراط الليبيين والأكاديميين والخبراء الخارجيين.
خطاب الاحتيال في الائتمان ( خطاب الاعتماد )
خطاب الاحتيال في الائتمان بين السوق السوداء وأسعار الصرف الرسمية والتى عادة يمكنك التقدم بطلب للحصول على سلع أجنبية (عادةً ما تكون بالدولار أو اليورو) من البنك المركزي بالسعر الرسمي البالغ 1.3 أو 1.4 دينار ليبي لكل دولار ، ولكن بعد ذلك يمكنك استبدال العملة الأجنبية في السوق السوداء أثناء الذهاب بمعدل حوالي 4-8 لكل دولار ، ومضاعفة أمواله ثلاثة أضعاف حتى بعد دفع الرشاوى اللازمة لتأمين خطاب الاعتماد الأولي وبوجود طرق أخرى للمشاركة في خطاب الاعتماد ، ولكن بعد ذلك يتم استيراد الحاويات المملوءة بالماء أو الحجارة مع توثيق المستندات الجمركية.
وبالنظر إلى فرص الإثراء من خلال الحصول على خطاب اعتماد ، فإن عملية صنع القرار في البنك المركزي معرضة هيكليا للرشوة أو الإكراه بالسلاح من الميليشيات التي تسيطر على طرابلس .
حيث توجد مثل هذه الإغراءات للحصول على إمكانية الوصول التفضيلية طالما أن السوق السوداء والسعر الرسمي للدينار يختلفان في شرق ليبيا عن غربها ، ومن المعروف أن المقربين من القادة الرئيسيين للجيش الوطني الليبي يتمتعون هم أيضاً بإمكانية الوصول التفضيلي إلى خطابات الاعتماد والسيولة.
و ترتبط هذه الأوامر المؤثرة بتهريب البشر والنفط وكذلك صادرات المعادن والخردة غير القانونية ، كما تستخدم هذه الأنشطة فقط لإثراء الأفراد البارزين ، ولكن أيضًا لتدعيم التحالفات المحلية الحاسمة و لقد أدى قانون الضرائب لعام 2018 إلى تعقيد أكثر عن طريق إنشاء ثلاثة معدلات منفصلة للعملة الليبية.
دعم الوضع الراهن
لا يمكن القضاء على حوافز الاحتيال إلا بتخفيض قيمة العملة وتعويمها ، وقد تم تخفيض قيمة الدينار بسبب رؤساء بعض المؤسسات الاقتصادية الليبية وكذلك الميليشيات الرئيسية وقادة الأعمال والسياسيين وهم “أحزاب الوضع الراهن” المذكورة أعلاه والذين يفعلون نفس الشيء عندما يجدون فرصة للتهريب .
كيف نستطيع المساعدة ؟
إن إجراء التغيير الجذري في السياسة الحالية يلزم إزالة الحوافز الاقتصادية الراسخة للقتال من أجل السيطرة على طرابلس والحفاظ على الوضع الراهن لهيمنة الميليشيات ، حيث لا ينبغي أن يركز مؤتمر ألمانيا المقترح بشأن ليبيا فقط على موضوع الدعم المألوف الذي يقدمه الرعاة الأجانب مثل ( انتهاك لحظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة ) ولكن أيضًا على الدوافع الاقتصادية الأساسية التي يتم التغاضي عنها في كثير من الأحيان للنزاع.
ويمكن أن يساعد المؤتمر الألماني والمناقشة السابقة التي أجرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن ليبيا على الصعيدين الدولي حيث أن مصرف ليبيا المركزي يمكنه القيام بتعويم الدينار بالتعاون مع الحكومة ولكن في الوقت الحاضر ، فإن الميليشيات يمكن أن تمنع حدوث التغيير من خلال خطف المسؤولين ، وردع الإصلاحيين المحتملين.
ولم يقدم المجتمع الدولي قط مساعدة فعالة لتسهيل الإصلاحات الاقتصادية وحماية الإصلاحيين، حيث ينبغي لمناقشات الجمعية العامة القادمة والمؤتمر الدولي المقترح صياغة خطط ملموسة حول كيفية القيام بالأمرين و من المؤكد أن الطريق إلى الأمام يتطلب تمكين الليبيين العاديين من المطالبة بالتغيير.
هناك طرق أخرى مطروحة مثل :
- تخفيض أو إلغاء الدعم على البنزين والديزل ( ولكن ماهى وسيلة الإقناع المطلوبة التى نحتاجها لجمهور اعتاد و لفترة طويلة على الوقود المدعوم؟
ما نعرفه هو أن محطات الوقود في غرب ليبيا في كثير من الأحيان تسبب في طوابير لعدة ساعات ، والسؤال لماذا يتعين علينا دفع أسعار وقود أعلى بسبب الميليشيات التي باعت كل الوقود المدعوم في الخارج.
وبالمثل ارتفعت أسعار الضروريات المنزلية على مدى السنوات القليلة الماضية بسبب خطابات الاعتماد و الاحتيال. إن “حزب الوضع الراهن المناهض للوضع” هو المسيطر الآن وينبغي على صانعي السياسة الدولية أن يقفزوا على هذا الحزب من السياسيين وأمراء الحرب الراسخين ، ويجب أن يكون هناك تحالف مع الشعب الليبي والأمم المتحدة للخروج من هذا الوضع الراهن.
ورغم مرور هذه الفترة الطويلة “فإن صانعي السياسة الدوليين يعتقدون أنه لا يمكن إصلاح نظام الدعم الليبي أثناء القتال الدائر حالياً ولكن يجب إيقاف القتال واستمرار الدعم الدولى للخروج من هذه الأزمة .
ترجم حصرياً