بقلم الأستاذ : عبدالرزاق الداهش
لا أتصور أنه من العدالة أن يتقاضى ليبي مرتباً بقيمة سبعمائة دينار، بينما يتقاضى ليبي أخر أكثر من ثلاثة أضعاف هذا المرتب، وكليهما في نفس الوظيفة، وعلى نفس الدرجة، ولكن الأول في مؤسسة حكومية، والثاني في أخرى؟
فما الفرق بين أن يعمل “سين” في مؤسسة حكومية كموظف استعلامات، أو يعمل “صاد” في مؤسسة حكومية أخرى، في نفس الوظيفة، بنفس الدوام، وحتى بنفس “الرسك”؟
العدالة لا تعني المساواة، ولكنها بالتأكيد تعني الإنصاف.
صحيح القاضي نحتاج إلى عدالته، ولهذا لا ينبغي أن يحتاج إلى أحد منّا، لأن ذلك سيكون على حساب حياده، وعلى حساب نزاهة قراره.
وصحيح عضو النيابة نحتاج إلى صلابته للدفاع عن الحق العام، ولكن ولكي يتحقق ذلك فلابد ان نحرره من أي ظروف.
وصحيح عضو الرقابة الإدارية أو المالية أو الفنية نحتاج إليهم في حماية المال العام، ولكي يتحقق ذلك، لابد أن نحميه من نفسه.
ونضيف إلى ذلك رجل الجمارك، والضرائب، دون أن نجهل الصحفي رقيب الرقيب، فالاحتياج عدو الاستقلالية.
ولكن هذا لا يمكن أن يكون مبرراً ليصبح مرتب الغفير في مؤسسة أعلى من مرتب المدير في أخرى، كما لا يمكن أن يكون ذريعة للتفاوت العالي في سقف المعاشات.
وجود سقف أعلى لمرتبات الدولة ضرورة، مثلما هناك حد أدنى للأجور، والمهم أيضا أن يكون المرتب للوظيفة، وليس للمؤسسة.
نحتاج إلى دراسة متأنية للأجور اقتصادياً، واجتماعياً، وتوظيفها لصالح تحسين الأداء، وجودة الخدمة، وحماية المال العام، ومكافحة الفقر، ومكافحة تآكل الطبقة الوسطى وزيادة الدخل القومي، وليس زيادة الإنفاق الحكومي، غير ذلك سنظل نكرس ثقافة الاستجداء، وثقافة الابتزاز، ونبقى ندور في دوامة الاحتجاجات، ولا شيء يمكن أن يقدم قيمة مضافة، بل نزيف أموال، ونزيف وقت.
المرتبات هزيلة، ولا تلبي نصف احتياجات الموظف اليومية وهذه حقيقة، ومرتبات العاملين في قطاع التعليم مثلا تتخطى 15 مليون ديناراً كل يوم وهذه حقيقة ثانية، والحقيقة الثالثة أننا أكثر من ينفق على التعليم، ولكن المحصلة أقل جودة تعليم، لأن الصرف يذهب إلى العاملين في التعليم، وليس إلى التعليم.
هناك حقيقة رابعة لا ينبغي تجاهلها، وهي أن أي زيادة في الإنفاق، تمتصها زيادة في الأسعار. وهناك حقائق أخرى لا ينبغي أن نجهلها، أو نتجاهلها.