تدهورت عجلة الاقتصاد الليبي في الفترة الأخيرة خصوصاً مع الإقفالات التي طالت الموانئ النفطية والتي تعتبر المصدر الرئيسي للدخل، كما شهد بداية شهر مارس إقفال منظومة الـ10 آلاف دولار، والتي كان طوق الجناة الأخير بالنسبة لمعظم الليبيين والذي على أثره شهد الدولار ارتفاعا لم يشهده منذ أكثر من سنتين، وأخيراً طفت على السطح جائحة فيروس كورونا المستجد والتي قد تقلب الاقتصاد الليبي بصورته الحالية رأساً على عقب…
وللحديث عن الاقتصاد الليبي وحال القطاع المصرفي خلال هذه الفترة قامت صدى كعادتها بالتواصل مع أحد الخبراء المصرفيين الدكتور الجامعي بكلية الاقتصاد جامعة عمر المختار “عادل الكيلاني”
س/ ماهو حال القطاع المصرفي في ظل هذه الأزمة ؟
حال القطاع المصرفي الليبي في الحقيقة لا يختلف كثيراً عن وضعه قبل أزمة فيروس كورونا، فالسيولة في المصارف لا تزال دون المستوي، والعملات الصعبة غير متوفرة في القطاع المصرفي سواء في شكل بطاقات أرباب الأسر أو في شكل بطاقات الأغراض الشخصية أو في شكل الحوالات المالية مثل الويسترن يونيون أو غيرها، كذلك توقف فتح الاعتمادات المصرفية لاستيراد السلع والمنتجات اللازمة للسوق الليبي .. القطاع المصرفي الليبي قطاع ضعيف وهش وغير منفتح على العالم الخارجي، فهو غير مندمج بالأسواق المالية الدولية بشكل يذكر، ومن يتولى العمليات المالية الكبيرة للدولة الليبية هو المصرف الليبي الخارجي، وبالتالي حسب وجهة نظري لم يتغير شيء على المصارف العاملة في ليبيا سواء قبل الأزمة أو أثناءها.
س/ كيف يتم التوزيع العادل للثروة من وجهة نظرك ؟
كثر الحديث عن التوزيع العادل للثروة على الشعب الليبي خصوصاً في الأونة الأخيرة، ولعل من أكبر التحديات التي تواجه الحكومات المتعاقبة أنها لم تعمل بجدية على توزيع الثروة الوحيدة الناتجة عن مبيعات النفط بشكل يحقق المساواة والعدالة على كافة ربوع الوطن الليبي، بل وبكل صراحة، كان هناك تركز في الإنفاق على بعض المدن دون غيرها، واستفادة فئة محدودة من المقربين من مصدر الأموال بهذه الموارد دون غيرهم من أبناء الشعب الليبي، ولكن ما أريد توضيحه في هذا المجال أن كافة الحوارات والنقاشات تقريباً كانت تركز على توزيع موارد النفط بين المناطق الجغرافية الثلاث (برقة ، طرابلس ، فزان) دون أن تناقش بشكل أكثر استفاضة أبعاد توزيع الثروة العادل، والذي يشمل كافة المرافق من تعليم وصحة، وأن تتوفر هذه الخدمات وبنفس الدرجة من الجودة للمواطن الليبي أياً كان، أيضاً العدالة في توزيع الضرائب بحيث يشمل بشكل عادل كافة شرائح المجتمع الليبي والمقيمين، وهذا أيضاً العدالة في توزيع الضرائب بحيث يشمل بشكل عادل كافة شرائح المجتمع الليبي والمقيمين، وأن لا يكون في صف فئة دون أخرى، وأن يتم أيضاً توزيع محصلة الضرائب على كافة مناطق الدولة الليبي بشكل عادل، وهذا يحتاج تطوير النظام الضريبي الكفاءة والمهنية بعيداً عن المعايير القبلية والجهوية والأيديولوجية.
س/ كيف سيتأثر القطاع المصرفي إن انتشر فيروس كورونا المستجد ؟
كما ذكرت سابقاً، المصارف الليبية ليست مكشوفة بشكل كبير على العالم الخارجي، وجميعها مصارف محلية باستثناء المصرف الليبي الخارجي (أوف شور بنك)، ولهذا ستستمر في وضعها الحالي من دفع للمرتبات وإجراء بعض التحويلة الداخلية بين الفروع أو المصارف القريبة، فمصارفنا في الحقيقة هي خزانة مرتبات، تتحرك فقط وتنشط عند نزول مرتبات الموطنين بها، خلاف ذلك لا أتوقع أي تأثير غير عادي لأزمة كورونا على أدائها الحالي.
س/ في حال تم توحيد قطبي المركزي ماذا سينتج ؟
المصرف المركزي الليبي يجب أن يتم توحيده في أسرع وقت ممكن، وأن يتم تغليب مصلحة الوطن والمواطن، لأنه بعد انقشاع أزمة الوباء العالمية يصبح من المهم أن يلعب مصرف ليبيا المركزي دوره في إعادة الاستقرار النقدي للاقتصاد الليبي، وخلال الفترة المقبلة بعد الأزمة يصبح اللاعب الرئيسي هو المصرف المركزي، وبدون توحيد هذه المؤسسة النقدية المهمة ستدخل ليبيا في مرحلة قاتمة وقاسية خاصة فيما يتعلق بإدارة السياسة النقدية، وقد نحتاج لأدوات سياسة نقدية غير تقليدية لإعادة التوازن للجسم الاقتصادي الليبي، وإنعاش القطاع المصرفي ومن ثم القطاعات المختلفة ، ويجب أن تتوجه كافة الجهود اليوم أكثر من أي وقت مضى، لتوحيد هذه المؤسسة، لأن الأمور أصبحت تتعقد أكثر وأكثر خصوصاً مع انهيار أسعار النفط، وانشغال العالم بمداواة جراحه بعد الأزمة، الأمر الذي يحتم أن نعتمد على مصادرنا المحلية لمعالجة الاختلالات الهيكلية والاقتصادية.
س/ هل تؤيد رفع الدعم في الوقت الراهن؟
الحديث عن رفع الدعم حديث قديم جديد، فمنذ أكثر من عقدين من الزمن والحديث عن رفع الدعم يتداول في أروقة صناع القرار في ليبيا ولم يتم تفعيل أي سيناريو من السيناريوهات، والتي منها استبدال الدعم العيني بالدعم النقدي، أنا شخصياً لم أقتنع بالدعم السلعي يوماً من الأيام، وأن سياسة الدعم هي سياسة دس السم في العسل، والمستفيد الأكبر هي مافيا السلع التموينية، وشعوب الدول المجاورة، وكافة الإحصائيات تشير إلى أن ما تستورده ليبيا من السلع المدعومة يفوق حاجتها الحقيقية، وتبني سياسة الدعم المتبعة في ليبيا جعلته بيئة خصبة للاقتصاد الطفيلي، وكونت طبقة من تجار وسماسرة السلع المدعومة على حساب المواطن الليبي، كما زرعت في عقلية المواطن الليبي ثقافة (كل شيء من الدولة مجاناً) وهذا شيء لا يتحمله أي اقتصاد في العالم، كما أن الطريقة التقليدية لتوزيع السلع التموينية المدعومة هي طريقة عقيمة وبالية، ولا تخدم مصلحة الشعب الليبي، يجب أن نعيد ترتيب وهيكلة السلع التي تحتاج إلى دعم، ورفع الدعم عن الوقود نهائياً وعلى مراحل فمن غير المعقول أن يتم دعم أسعار البنزين بهذا السعر، والذي جعل من سعر لتر البنزين أرخص من لتر المياه… يجب أن يتم إعادة هيكلة سياسة الدعم والسلع التي يتم دعمها، وأن نبتعد عن دعم المواد الغذائية مثل الزيت والسكر والطماطم، ونتجه لدعم المواد ذات القيمة الغذائية العالية، وأن يتم توجيه الدعم للفئات العمرية دون العشر سنوات، والمسنين.. الموضوع يطول في هذا الجانب، ولكن نحتاج لوضع خطة عملية لإنهاء هذه السياسة العقيمة.
س/ ما أثر إغلاق المواني النفطية على القطاع المصرفي حتى اليوم؟
بالتأكيد إغلاق المواني له أثر غير جيد على أداء القطاع المصرفي، فانقطاع تصدير النفط سينعكس سلباً على الموارد المالية للخزانة العامة، ومنها سيتأخر دفع المستحقات للمواطنين في شكل مرتبات، وفتح الاعتمادات وتقليص الإنفاق، وانخفاض حصيلة بيع العملة الصعبة، الناتج عن تقليص بيع النفط الليبي، وجميعها تصب في غير مصلحة القطاع المصرفي لإن هذا القطاع هو قطاع خدمي مالي، وبالتالي عملياته تتوسع وتنكمش حسب الموارد المالية المتاحة للدولة.
س/ ما تبعات تحديد سعر الصرف ؟
موضوع سعر الصرف موضوع كبير ومتشعب، والمشكلة ليست في تحديد سعر الصرف، المشكلة في تحديد سعر الصرف العادل والذي يطبق على الجميع، وأن يتم تحديده بطريقة علمية صحيحة، مبنية على دراسة شاملة للاقتصاد الليبي بعيداً عن الاجتهادات الشخصية والمصالح النفعية، وأي شخص يضع سعر صرف للدينار الليبي مقابل العملات الصعبة بطريقة ارتجالية هو في الحقيقة شخص جاهل بهذا المجال، ولكن ما يعيب على من يدير سياسة سعر الصرف هو توظيف هذه السياسة لتحقيق مصالح آنية محدودة الغرض منها حلحلة بعض المشاكل قصيرة الأجل، دون تقدير لعواقب هذا التلاعب بهذه السياسة النقدية المهمة، وفي الغالب أن البعض من الذين يديرون هذه السياسة يجدونها أسهل الطرق لتغطية بعض العجوزات .. فليبيا تبيع سلعة واحدة تقريباً، وسعر هذه السلعة هو الدولار الأمريكي وبالتالي مواردهم بالعملة الصعبة، فيقوم مصرف ليبيا المركزي ببيع الدولار في السوق السوداء، ويحقق بعض الفوائض النقدية لاستخدامها في تغطية بعض النفقات، دون أن يتكبد عناء إدارة بقية أدوات السياسة النقدية مثل (أسعار الفائدة ، السوق المفتوح ، سعر الخصم …الخ)… المهم أن يقوم المصرف المركزي بتحديد سعر صرف واحد للجميع دون استثناء لأحد، وأن يعمل على توفير العملة الصعبة لمن يطلبها وبدون هذه الطرق العقيمة مثل منحة أرباب الاسر، والأغراض الشخصية وغيرها.
س/ هل إغلاق منظومة الـ10 آلاف دولار أثرت بشكل كبير في السوق الليبي ؟ كيف ؟
من الطبيعي أن يتأثر السوق بغياب هذه الوسيلة للدفع بالعملة الصعبة، ففي غياب فتح الاعتمادات، وغياب بقية أدوات التحويل والدفع، ووسائل الحصول على العملة الصعبة يصبح إغلاق منظومة 10 آلاف دولار له تأثير كبيرعلى أسعار العملات الصعبة في السوق الليبي، لأنها باختصار أحد المغذيات التي تغذي سوق العملات الموازية بالعملة الصعبة.