أظهرت مطالبات بعض الجهات العامة استثناءها من قرار وزارة المالية بحكومة الوفاق الوطني القاضي بخفض مرتبات العاملين بالقطاع العام بنسبة 20%، بأن هناك حالة عدم رضى على الخطوة التي اتخذتها الحكومة في طرابلس في ما يشبه الإصلاح المالي في بند المرتبات.
وعلى الرغم من وجود الكثير من الأصوات التي تطالب بإجراء تعديل في قانون المرتبات وإطلاق إصلاحات اقتصادية تساهم في تحسين الوضع المعيشي للموظفين في الدولة والشرائح الأخرى في المجتمع، إلا أن تخفيض 20% من المرتب على الجميع مع وجود فوارق كبيرة في الأجور، أصبح ينظر إليه بأنه قرار غير عادل.
إن إصدار القرار بالتخفيض وبنسبة ثابتة على المرتبات غير المتساوية والتي يوجد بها فوراق كبيرة، يمثل بالفعل خطوة وإن كانت في صالح الحكومة التي ترغب في توفير بعض الأموال من بند المرتبات الذي يستهلك في أكثر من نصف الميزانية كل عام، لكنها ظالمة إلى حد كبير للأشخاص أصحاب المرتبات المنخفضة.
ومع ذلك، لاتوجد معلومات دقيقة حول ما يمكن الحصول عليه من الأموال جراء خفض المرتبات، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها البلاد وفي توقيت تصاحب مع أزمة فيروس كورونا التي عصفت بالدولة، إضافة إلى تأخر صرف المرتبات التي لم تستطع وزارة المالية أو المصرف المركزي إيجاد حلول مناسبة لها.
يمثل خيار خصم جزء من المرتبات فيما يقال عنه التخفيض، أفضل طريق لإحداث نوع من تحقيق المكاسب بالنسبة للحكومة والتقليل من الانفاق حتى لو كان على حساب المواطنين بمختلف مؤهلاتهم وأعمالهم، حيث أن عملية ترشيد الإنفاق في هذه المرحلة تبدو أكثر تعقيدا من السابق.
قرار عشوائي
وقال الخبير في منظمة التجارة العالمية إسماعيل المحيشي إن قرار خفض المرتبات بنسبة 20% يظهر مدى العشوائية في اتخاذ الإجراءات والقرارات من قبل الحكومة في طرابلس والتي لن تحقق الكثير من النجاحات.
وأوضح المحيشي في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية، بأنه كان الأجدر بوزارة المالية ومن خلفها حكومة الوفاق الوطني اتخاذ إجراءات أكثر واقعية ويمكن أن تؤدي إلى تحقيق مكاسب مالية للدولة عن طريق ترشيد الاستهلاك خاصة في وزارة الخارجية.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنه على الحكومة وضع خطة عملية مدروسة جيدا من أجل الحد من الإنفاق في الداخل والخارج حيث أن المبالغ المالية المصروفة تبين بأن المسألة معقدة للغاية وليست محصورة في قرارات مثل خفض المرتبات أو غيرها ذات التأثير المحدود.
ويعتقد المحيشي بأن الدولة تحتاج إلى هيكلة وتنظيم الاقتصاد بشكل عام وتنظيم ملف المرتبات الذي يرهق خزانة الدولة، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية الصعبة التي تمر بها البلاد والتي تهدد مستقبلها من نواحي مختلفة.
ظروف مختلفة
وقال الخبير الاقتصادي نورالدين حبارات إن توقيت إصدار مثل هذا القرار يعتبر متوقع خاصة مع الظروف الاستثنائية التي تشهدا البلاد خلال السنوات الماضية خاصة مع انهيار إيرادات النفط التي تمثل المورد الوحيد تقريبًا لتمويل الميزانية.
وأضاف حبارات في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن سوء إدارة الحكومة للميزانية وتوسعها في الإنفاق خلال السنوات الماضية (2017، 2018، 2019) جعلها ترضخ للأمر الواقع وتتخذ إجراءات في هذا الاتجاه والتي من بينها خفض المرتبات.
ويعتقد الخبير الاقتصادي بأن الحكومة اضطرت إلى إعادة النظر خاصة بعد رفض المركزي لتمويل ميزانية العام 2020 والتي كانت تتخطى 55 مليار دينار، بسبب تفاقم الدين العام لصالح المركزي الذي يفوق 100 مليار دينار.
ويرى نورالدين حبارات بأن مسألة إلغاء قرار خفض المرتبات بنسبة 20 مرتبط بشكل كبير بتحسن إيرادات الدولة خلال الفترة القريبة المقبلة.