أظهر التوقف شبه الكلي لتصدير النفط في البلاد منذ يناير من العام الماضي وانخفاض إيراداته إلى مستويات غير مسبوقة الحاجة الملحة إلى الاهتمام بالجهات السيادية الأخرى للحصول على إيراد يمكن الاعتماد عليه في دعم الموازنة العامة للدولة.
وقال المصرف المركزي بطرابلس في أحدث بياناته التي نشرت في منتصف الشهر الجاري، إنه على الجهات المسؤولة التدخل والمساعدة في تحسين إيرادات الجهات غير النفطية للاستفاده منها خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
وتشير الأرقام إلى أن إيرادات الجهات السيادية الأخرى والمتمثلة في مصلحة الضرائب والجمارك إضافة إلى الاتصالات منخفضة بشكل كبير ومتكرر خلال السنوات العشر الماضية، بينما لم تستطع تحقيق أرباحًا وفق المرجو منها.
وعلى ما يبدو، فإن التحديات والمخاطر التي تواجه الجهات السيادية غير النفطية المختلفة عالية جدا، بينما تحتاج أغلبها إلى تعديل التشريعات وسلطة الدولة الغائبة منذ سنوات.
ومع ذلك، تراجع دور قطاعات الزراعة والسياحة والصناعة شبه الغائبة كليا عن دعم الميزانية العامة والتي تعتبر من بين أهم الروافد في أي دولة ترغب في الخروج من عباءة النفط والدولة الريعية.
لكن في ظل استمرار حالة الركود الاقتصادي وقلة التخطيط، والاعتماد على النفط من المتوقع أن تبقى هذه المصادر بعيدة كل البعد عن إحداث تطوير يساهم في النهوض بالدولة أو مساعدتها من ناحية الإيرادات على أقل تقدير.
ورغم شعور مركزي طرابلس بالضغط منذ إغلاق الحقول والموانئ النفطية وتوقف التصدير، فإن مطالبه برفع الإيرادات وإحداث تغيير داخل تلك الجهات السيادية يصطدم بعراقيل مختلفة.
قوانين وتشريعات
وقال اثنان من المسؤولين عن مصلحتي الضرائب والجمارك خلال حديث لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن القوانين والتشريعات السابقة تحد من إمكانية حصولهم على إيرادات مرتفعة طوال عام كامل من العمل الجمركي والضريبي.
وأوضح نائب مدير عام مصلحة الضرائب عمر الزروق بأن المصلحة على الرغم من الظروف التي تمر بها البلاد لكنها حققت ولازالت تحقق أرباحا تناهز المليار دينار في العام الواحد وهذا يعتبر إلى حد كبير مستوى جيدًا خاصة في هذه المرحلة الانتقالية التي نعيشها.
وأضاف الزروق: كانت الإيرادات في السابق وقبل العام 2011 تعتبر جيدة جدا، لكن خلال العشر سنوات الماضية تراجع الأداء نظرا إلى تراجع عمل الجهات الضبطية والمؤسسات الأمنية والتي انعكس أدائها الحالي بشكل سلبي على المصلحة.
من جانبه، أشار المتحدث باسم الجمارك فهمي الماقوري إلى أنه من بين الأسباب التي أدت إلى انخفاض إيرادات المصلحة هي إلغاء بعض القوانين التي كانت تعتمد عليها المصلحة في الحصول على الأموال مثل المنتجات ذات بلد المنشأ العربي وغيرها الكثير.
ويعتقد الماقوري بأن مسألة القوانين الجمركية تبقى التحدي الأكبر بالنسبة لهم خاصة في ظل وجود حركة استيراد كبيرة مقارنة بما كان عليه الحال قبل عشر سنوات على الرغم الظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها البلاد.
ظروف غير ملائمة
مع استمرار تدهور الوضع الأمني والصراع على موارد الدولة النفطية والتي أدت في نهاية المطاف إلى وقوع خسائر مالية كبيرة، كشفت أيضا هذه المرة أن الموارد الأخرى المهملة تشكل قنوات مالية يمكن الاعتماد عليها.
وقال الخبير الاقتصادي عادل الكيلاني، إن مسألة الحصول على إيرادات مالية غير نفطية عبر الجهات السيادية الأخرى مرتبط بشكل كبير بتحسن الأوضاع السياسية في البلاد.
وأوضح الكيلاني في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن إيرادات الجهات السيادية المتمثلة في مصلحتي الضرائب والجمارك والاتصالات والرسوم الأخرى من الصعب إضفاء التعديلات عليها أو إصلاحات في نظامها الداخلي ليمكنها من تحسين إيراداتها بسبب حالة التشظي والانقسام الحاصلة.
وأشار الكيلاني إلى أن مطالبة المصرف المركزي بطرابلس من الجهات المسؤولة التدخل والمساعدة في تحسين إيرادات الجهات السيادية، جاءت نتيجة انخفاض إيراداتها بشكل كبير جدا والتي كشفت لهم الحاجة إلى هذه الموارد خاصة بعد إغلاق الحقول والموانئ ومنع تصدير النفط.
ويرى الخبير الاقتصادي بأن الكثير من الإيرادات غير النفطية يتم التلاعب بها خاصة في ظل ما نشاهده من أرقام عبر بيانات المصرف المركزي والتي تظهر حجم الأموال المحصلة من تلك الجهات، حيث تعتبر قليلة جدا مقارنة بالتوقعات.
حلول غائبة
مع كل ذلك، أشارت بيانات المصرف المركزي إلى أن قطاع الاتصالات لم يقدم سوى 228 مليون دينار عن العام الماضي 2019، بينما لا توجد حتى الآن إيرادات محققة عن العام الحالي 2020، مما يطرح العديد من الأسئلة حول القطاع الذي كان من الممكن التعويل عليه في ظل هذه الظروف الاستثنائية.
وتشير تقديرات المركزي إلى أنه كان من المفترض الحصول على 750 مليون دينار في العام الواحد من قطاع الاتصالات لكنه لم يحقق سوى ربع المبلغ المقدر، دون وجود أسباب واضحة لهذا التراجع الكبير.
حاولت صحيفة صدى التواصل مع المسؤولين عن الشركة القابضة للاتصالات لأخذ بعض التوضيحات بخصوص استمرار تعثر شركاتها في تحقيق المكاسب المالية، لكن دون أن نتمكن من الحصول على رد.
وفي ظل كل الأوضاع الراهنة، تبقى الحلول العملية غائبة من أجل تحسين مصادر الدخل الأخرى بعيداً عن النفط، مع استمرار انقسام المؤسسات الحكومية رغم أن بعض المؤسسات السيادية لاتزال موحدة على مستوى البلاد.