
| مقالات اقتصادية
منصور الهمالي يكتب مقالاً بعنوان ” مصرف ليبيا المركزي من خط الدفاع الأخير إلى الأول و تقمص الدور”
كتب “منصور الهمالي” مقالاً بعنوان : مصرف ليبيا المركزي من خط الدفاع الأخير إلى الأول و تقمص الدور .
مما لاشك فيه أن لكل كيان مؤسسي فلسفة وجود تعكس أهدافه و دوره في المجتمع المنتمي إليه وفقاً لطبيعة النشاط الذي يمارسه , و بشكل عام فإن البنوك المركزيه هي المسؤولة عن مراقبة وتوجيه القطاع المصرفي في الدولة , و من مسؤلياتها المحافظة على الإستقرار النقدي و المالي و الإسهام في تعزيز النمو الإقتصادي و السيطره على التضخم و تخفيض معدلات البطالة إلى الحدود المقبوله , و لم يأتي دور المصرف المركزي الليبي إستثناء من هذة القاعده بل عزز المشرع هذا المفهوم بتناوله في القانون رقم ( 1 ) لسنة 2005 م بشأن المصارف المعدل بالقانون رقم ( 46 ) لسنة 2012 م حيث جاء في بابه وفصله الأول و المتعلق بطبيعة المصرف المركزي و وظائفه بأنه مؤسسة مستقلة تتمتع بالشخصية الإعتبارية و الذمة المالية المستقلة , و أنه يتبع السلطة التشريعية و يؤدي أغراضه المنصوص عليها في هذا القانون في إطار السياسة العامة للدولة و له في سبيل ذلك أن يتخذ الأسس و الإجراءات المناسبة و له أن يضع النظم و اللوائح المتعلقة بعملياته و مسؤولياته المالية و غيرها بقرارات تصدر عن مجلس إدارته , و حددت المادة الخامسة من هذا الباب الوظائف التي يزاولها المصرف و فقاً للآتي :
- إصدار النقد الليبي و المحافظه على إستقراره في الداخل .
- إدارة إحتياطياته و إحتياطيات الدولة من الذهب و النقد الأجنبي .
- تنظيم السياسة النقدية و الإشراف على عمليات تحويل العملة داخل ليبيا و خارجها .
- تنظيم السياسة الإتمانية و المصرفية , و الإشراف على تنفيذها في ظل السياسة العامة للدولة .
- تحقيق أهداف السياسة الإقتصادية في إستقرار المستوى العام للأسعار و سلامة النظام المصرفي .
- إدارة السيولة النقدية في الاقتصاد الوطني .
- تنظيم سوق الصرف الأجنبي و الإشراف عليه .
- تقديم المشورة للدولة في المشاكل المتعلقة بالسياسة الاقتصادية العامة .
و يلاحظ مما أسند للمصرف من مهام في جل النقاط المذكورة لاسيما الرابعة و الثامنة منها أن دور المصرف متمم للسياسة الإقتصادية العامة للدولة من خلال إدارة السياسة النقدية و المصرفية علاوة على دعمها بالعمل على خلق التوازن في المستوى العام للأسعار و لعبه للدور الإستشاري الذي يقوم من خلاله بإسداء النصح للحكومة في إطار تعزيز قدرتها على تحقيق الإستقرار الإقتصادي .
و لعل غياب السياسات الاقتصادية العامة بكامل مكوناتها المالية و التجارية و النقدية و إهمال الحكومه لهذا الجانب المهم , أدي إلى ضبابة المشهد و تداخل الإختصاصات و تلاشت معه الفرص في تحيق التكامل في لعب الأدوار و فق مكونات النظام المؤسسي للدولة , حيث كان من المفترض أن يلعب المصرف المركزي دور المتمم وفق ما أنيط به من مهام و يفسح المجال لغيره من المؤسسات للقيام بدورها .
و الجدير بالقول أن الممارسات التي دأبت عليها الحكومات مؤخراً يشوبها الكثير من القصور في إدارة مؤسسات الدولة و جعلتها قاصره على الإضطلاع بدورها لتحقيق الإستقرار , و أن أحد و أهم أوجه هذا القصور هو اللجوء للمصرف المركزي في حل المختنقات المالية التي مرت و تمر بها الدولة و إستخدامه كخط دفاع أول رغم إصدار الأخير لبيان منذ سنة 2014 م بأنه يمثل خط الدفاع الأخير , حيث كان من المفترض إستنفاذ كافة السبل و التدابير الوقائية التي ينبغي للحكومات أن تقوم بها لمواجهة الصعوبات المالية من خلال ترشيد الإنفاق و ذلك بالحد من النفقات العامة و إعادة النظر في بعض منها و إصلاح بعض السياسات السائده و منها الدعم علاوة على تحسين مستوي جباية الايرادات و البحث عن مصادر تمويل بديلة إلى غير ذلك من التدابير التي كان من المفترض أن تتبناها الحكومة و تقوم بالعمل عليها لاسيما و أن هناك دراسات متكاملة قدمت للحكومة و أوصت بضرورة تطبيق جملة من المعالجات لتفادي الإنهيار, عوضاً عن توظيف المصرف المركزي بشكل غير مدروس .
و مما لاشك فيه أن لجوء الحكومات للمصرف المركزي بهذة الطريقه جعل منه يتقمص دور بعض مؤسسات الدولة و التي يأتي على رأسها وزارة المالية و أدى إلى تداخل غير مسبوق في الإختصاصات و سلب الكثير منها , نتيجة للممارسات الخاطئة التي نتخ عنها تنامي في الدين العام و ما يسمى بالترتيبات الماليه بالمخالفة لأحكام القانون و التي وصلت في نهاية 2017 إلى ما يقدر بحوالى ( 57 ) مليار دينار , ناهيك عن ارتفاع معدل الإنفاق العام بالرغم من الأزمات المالية المتتالية إلى غير ذلك من التداعيات .
و ختاماً , فما أحوجنا اليوم إلى حفيظ عليم يزرع لنا دأبا و يدخر لسنين عجاف قد تأتي و لم نقدم لها شيئا , فلا يوسف اليوم عندنا ليفسر لنا مالآت الامور و لا ملك يرى في المنام ما يقلقه , فمن يتربع اليوم على العرش ينام ملئ جفنيه .