كتب: الخبير الاقتصادي والمالي “سليمان الشحومي”
في عالم السياسة يستخدم مصطلح حافة الهاوية للتعبير عن السعي لتحقيق مكاسب عن طريق تصعيد أزمة كبيرة كالاقتراب من خوض حرب أو التهديد باستخدام أسلحة نوعية، وكان أول من استخدم مصطلح حافة الهاوية في السياسة هو وزير خارجية الولايات المتحدة “فوستر دالاس” في بدايات الحرب الباردة.
حافة الهاوية صارت ظاهرة في الاقتصاد الليبي بقوة مع تزايد فرص الانهيار الاقتصادي الشامل لكل من النظام المصرفي الليبي ومنظومة الحماية الاجتماعية الضعيفة أساسا، الجميع يتوقع قرب السقوط في الهاوية بسبب ممارسة أطراف الصراع الليبي من حكومات ومصرف مركزي منقسم وشبه مشلول.
أي جنون يحكم تصرفات ساسة هذه البلاد المتصارعين في كل شأن وعند كل تقاطع طريق، النفط مفتاح الحل، ولكنه متوقف ويبدو أنه على حافة الهاوية أيضا، وقد يرتب على ذلك آثار تدميرية على البنية الأساسية لمرافق الإنتاج والتصدير، وعلى قدرة إنتاج وتوزيع الكهرباء والتي هي أساسا في أسوء حالتها برغم الإنفاق العالي عليها، وما قد يجره انقطاع الكهرباء من آثار تدميرية، فكل شيء سيتعطل حتى إنتاج الخبز بالمخابز وتغذية المياه وغيرها.
إن عودة النفط للإنتاج والتصدير يحتاج إلى تنازلات وتوافقات بين أطراف الصراع، لعل أهمها إرجاع عمليات المقاصة بين المصارف عبر المصرف المركزي في كافة أرجاء البلاد وحتى لا ينهار النظام المصرفي وتعجز البنوك أمام استفحال أزمة السيولة.
البنك المركزي بطريقة عمله المنقسمة وفشله في أن يقوم بإصلاحات نقدية حقيقية في الوقت المناسب، وأغرق الليبيين في حالة من الرجاء والطمع، الرجاء بسيولة مفقودة والطمع في الحصول على الدولار في صورة علاوة الأسرة، المصرف المركزي يقفل ويفتح الاعتمادات كيف يشاء ومتى شاء ويمنع التحويلات الأخرى مثل ضد المستندات أو الحوالات المباشرة ويتحجج بأنه ليس بالإمكان الآن تنفيذها برغم أنها اقتصاديا أكثر جدوى من علاوة أرباب الأسر، فهي تمكن أصحاب الأنشطة الصغيرة والمتوسطة على تحسين أنشطتهم والعمل بعيدا عن السوق الموازي للعملة.
البنك المركزي باعتباره مدير ومنظم السياسة النقدية في البلاد والمعني بالحفاظ على استقرار النظام المصرفي، وتقريبا هو المسيطر على المشهد الاقتصادي والممسك بخيوطه، يقود الاقتصاد والنظام المصرفي إلى حافة الهاوية ولا سبيل للرجوع من حافة الهاوية والسقوط إلا بتولي مجلس إدارة البنك المركزي مسؤوليتها المسلوبة بالمقر الرئيسي وأن يعيد الاستقرار عبر تعديل سعر الصرف وتفعيل آليات عمل المصرف المركزي بما يحافظ على النظام النقدي والمنظومة المصرفية، ولا سبيل من إيقاف الانجراف نحو قعر الهاوية إلا بالرجوع إلى الحق عبر استعادة الدولة ومؤسساتها، فالحق أحق أن يتبع والحق يحتاج لمن ينطق به ولمن يفهمه ولمن يسير في سبيله ويقيمه.