مثل إعلان الاتفاق المبدئي على عودة إنتاج وتصدير النفط والغاز في البلاد خلال الفترة المقبلة بارقة أمل و انفراجة كبيرة في حال تحققت بالفعل للاقتصاد الوطني الذي يمر بالعديد من الأزمات والتداعيات الخطيرة.
وكان رئيس مجلس النواب بطبرق عقيلة صالح ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج أصدرا بيانان يدعوان من خلالهما في عدة نقاط أبرزها عودة إنتاج وتصدير النفط و إنشاء حساب مستقل للعائدات.
وعلى الرغم من ضبابية الموقف المتعلق بإدارة عائدات النفط على الأقاليم التاريخة الثلاثة أو الأجسام الموجودة، يمكن أن تكون هذه الفرصة مواتية لإخراج القطاع من الصراع السياسي المستمر منذ سنوات من خلال الاتفاق على آلية لتقاسم الأموال و تمكين المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس من استمرار عملها دون توقف ودون خسائر أيضًا.
ويرى البعض بأن هناك ثلاث تحديات تواجه البلاد يشكل عام أو تشكل خطرا على مستقبلها الاقتصادي والسياسي، حيث ستؤدي عملية فتح حساب مستقل لعائدات النفط في غياب حكومة مستقلة إلى إمكانية التصرف في الأموال بقرار دولي تحت أي مبرر لتعويض أي جهة أو شركة عن خسائر سابقة في البلاد.
إضافة إلى ذلك فإن عملية الاتفاق على تقاسم العائدات يمكن أن تاخد وقتًا أكثر من المتوقع و بالتالي، صعوبة تحسن الأوضاع الاقتصادية للمواطنين خلال هذه الفترة على أقل تقدير، عكس التفائل السائد بأن إعادة تصدير النفط ستؤمن الدخل اللازم لتلبية احتياجات المواطنين.
محاولة إصلاح الوضع الاقتصادي من خلال إدارة جيدة للنقد الأجنبي والقضاء على السوق الموازي، فلا يمكن تجاهل خسائر بأكثر من ثمانية مليار دولار حدثت خلال الأشهر الماضية نتيجة إقفال النفط وتجاهل تأثيراتها السلبية لمجرد الإعلان عن فتح النفط مرة أخرى.
تعارض المصالح
لطالما شكلت عائدات النفط أحد أسباب الصراع المستمر على السلطة في البلاد والتي ظهرت نتائجها في يناير الماضي عندما أعلنت مجموعة من رجال القبائل إغلاق الحقول والموانئ النفطية ومن ورائهم مجلس النواب والقوات المسلحة التابعة لهم، رغبة في الحصول على بعض الأموال من الإيرادات التي تذهب لطرابلس وحدها.
ومع الإعلان الأخير، لا تبدو هناك صغية موحدة لتوزيع عائدات النفط في ظل انقسام مؤسسات الدولة وتعارض المصالح بين الأجسام الموجودة في هذه المرحلة والتي تعكس رغبة الداعمين الإقليميين، مما يجعل الأموال عرضة للنهب والسرقة.
وقال الخبير النفطي محمد يوسف بأن عملية تجميد العائدات يمكن أن يسهم في وقف حمام الدم وإيقاف الصراع على الرغم من الآثار السلبية التي يمكن أن يتسبب بها هذا الإجراء نتيجة تباين وجهات النظر بين جميع الأطراف.
وأضاف يوسف في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية بأن عملية التوافق تحتاج إلى وقت أطول لكن الانتظار يبقى أفضل من التمني دون وقوع نتائج إيجابية، لقد عانى قطاع النفط والغاز أزمات غير مسبوقة في تاريخه ويجب أن تنتهي هذه المشاكل من أجل الوطن والمواطنين.
من جهة أخرى، يعتقد خبير اقتصادي آخر بأنه على الرغم من وجود اتفاق مبدئي يبقى عائق الوصول إلى حل يرضي الأطراف بشأن العوائد المالية للنفط وكيفية التصرف بها يشكل تحديًا أمام الجميع.
وقال عبدالمنعم رمضان في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية إن عملية إنشاء حساب مستقل للعائدات يصطدم بالقانون الليبي، إضافة إلى أن مسألة العائدات ليس لها طرق أخرى سوى إرسالها إلى حساب الخزانة العامة للدولة في طرابلس ولاتوجد قوانين تدعم فكرة عكس ذلك.
وأضاف رمضان بأن القضية يمكن أن تستمر في تعقيد الوضع الاقتصادي في البلاد، حيث أن تجميد الأموال يعني بقاء المواطنين في وحل المعاناة واستمرار الأزمة إلى أجل غير مسمى.
ويرى الخبير الاقتصادي أيضا بأن الاتفاق على تقاسم العائدات يجب أن يكون ضمن القنوات القانونية للدولة لضمان عدم خسارتها لصالح أطراف خارجية منخرطة في الصراع الليبي.
مخاوف مستمرة
بعد مرور عشر سنوات على ثورة 17 فبراير، كان القطاع النفطي من بين أكثر القطاعات تعرضا للمشاكل والخسائر، حيث أفضت الانتفاضة إلى ظهور جماعات مسلحة استخدمت النفط كورقة سياسية للحصول على مكاسب في مستقبل البلاد المتقلب.
وتحدث اثنين من عمال شركات النفط التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس لصحيفة صدى الاقتصادية حول الأوضاع التي آلت إليها الأمور، مستذكرين ما كان يحدث في السابق قبل العام 2011 حيث الاستقرار طويل الأمد الذي شهده القطاع الأهم في البلاد.
وقال وليد أحمد – أحد المشغلين في حقول شركة مليته للنفط والغاز إن خلال السنوات العشر الماضية حدثت إغلاقات ومشاكل متكررة لم تحدث في تاريخ قطاع النفط منذ اكتشافه في خمسينات القرن الماضي وأثرت بصورة كبيرة على مجال صناعة النفط والغاز الخام في البلاد.
وأضاف أحمد بأن المخاوف لاتزال مستمرة على الرغم من التفائل السائد بين الجميع هذه الأيام حول حصول اتفاق قد ينهي الصراع على الثروة النفطية والموارد في المستقبل القريب.
ويؤكد موظف شركة مليته بأن استقرار البلاد سياسيا سينعكس إيجابيا على القطاع النفطي الذي يحتاج إلى جهود كبيرة من أجل عودته إلى ما كان عليه في السابق، إضافة إلى تحقيق الأهداف التي وضعتها المؤسسة في عملية التحول والتطوير في الإنتاج خلال السنوات القادمة.
من جهته قال مصدر من داخل حقل الشرارة النفطي جنوب البلاد تحدث لصحيفة صدى الاقتصادية إن تشغيل الحقول النفطية وعودة الإنتاج والتصدير ستكون خطوة جيدة ينتظرها الجميع بعد التوقف الذي استمر لمدة أشهر.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، بأنهم ينظرون إلى الاتفاق بعين يحذوها الأمل في حصول تفاهمات تقضي إلى الوصول إلى حل دائم لمسألة العائدات النفطية وعدم توقف العمل مرة أخرى.
نفس المصدر أكد بأن عودة الإنتاج بمعدلاته السابقة ستكون ذات فائدة على الاقتصاد الوطني حتى في حالة عدم الاستفادة المباشرة من الإيرادات في ظل عدم وجود توافق نهائي للتصرف في تلك الأموال.