Skip to main content
الصالون الاقتصادي يصدر توصياته حول القطاع المصرفي في ليبيا
|

الصالون الاقتصادي يصدر توصياته حول القطاع المصرفي في ليبيا

أصدر الصالون الاقتصادي الليبي توصياته حول “القطاع المصرفي في ليبيا”

يواجه القطاع المصرفي في ليبيا مشاكل واضحة تحتاج إرادة صادقة وقرارات شجاعة لحلها, وقد أربكت وأرهقت هذه المشاكل الجميع سواءً كانوا أفراد أو مؤسسات، حتى وصلت لذروتها، وهذا ما دفع الصالون الاقتصادي الليبي لتشكيل لجنة من المختصين في المصارف والتمويل والاقتصاد لدراسة مشاكل القطاع المصرفي وسياساته الحالية، وتسليط الضوء على آفاق الإصلاح، وقد استمرت أعمال اللجنة لأسابيع، حتى توجت بهذا التقرير.

لقد نالت سياسة سعر الصرف النصيب الأكبر في هذا التقرير، الذي تناول نبذة تاريخية عنها وأثارها على المتغيرات الاقتصادية الكلية والمالية العامة واستقرار سعر صرف الدينار الليبي واستقرار المستوى العام للأسعار، مع استعراض انعكاساتها على ميزان المدفوعات، وتقييم موجز لهذه السياسة في الفترة ما بعد 2013م، وتم في النهاية سرد آفاق الإصلاح. كما تناول التقرير السياسة النقدية بأقل تفصيل من سياسة سعر الصرف، وحاول طرح بعض التساؤلات واكتفى بالإجابة عليها، وفي هذا الصدد أشار التقرير إلى وجود ضعف في أداء المصرف المركزي بالنسبة للسياسة النقدية، وأنه توجد حاجة إلى إعادة النظر في سياسة ونظام سعر الصرف، والتنسيق الكامل بين السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف من جهة، والسياسة المالية من جهة أخرى.

 وانتهى التقرير بمجموعة من التوصيات التي تهدف إلى إصلاح القطاع المصرفي في ليبيا، يمكن عرض أبرزها على النحو التالي:

ضرورة بدل جهود كبيرة في توحيد المصرف المركزي، وإعطاء الأهمية القصوى لسياسة ونظام الصرف الأجنبي، والتفكير في التحول إلى نظام صرف أكثر مرونة، يؤدي إلى إدارة الاقتصاد الوطني بشكل أفضل ويحقق الاستقرار في متغيرات الاقتصاد الكلي، وتطوير وظائف المصرف المركزي في مجال تحقيق الاستقرار المالي والنقدي، كما ينبغي أن يضطلع المصرف المركزي بدوراً مهماً في تعزيز دور القطاع المصرفي في تمويل الأنشطة الاقتصادية من خلال طرق التمويل المناسبة، مع ضرورة أن يتبنى المصرف المركزي سياسة رقابية على مكونات القطاع المصرفي التجاري تضمن المنافسة العادلة بين جميع مكوناته القطاع، وتجنب الإجراءات التي تخلق تمايز غير عادل بين المصارف العاملة، وأن يطور من دور أدوات السياسة النقدية المباشرة وغير المباشرة، بالإضافة إلى ضرورة معالجة مشكلة مقاصة الصكوك بين المصارف التجارية بأسرع وقت ممكن، والإسراع في عمليات تطوير نظم الدفع الالكترونية ونظم المعلومات الائتمانية، ويختتم التقرير توصياته بضرورة البحث في مشكلة السيولة في الدينار االليبي، ومعرفة أسبابها ومعالجتها، من خلال تطوير نظم الدفع الالكترونية، وسياسة سعر الصرف، والحد من الأسباب التي تدفع المتعاملين إلى التعامل مع صيرفة الظل، والخروج من النظام المصرفي.

1. سياسة سعر الصرف:

بعد حوار دام لفترة طويلة حول سياسة سعر الصرف التي انتهجها المصرف المركزي في العقد الثاني من هذا القرن، والتي لم تكن واضحة، واتسمت بعدم الاستقرار والثبات، وغياب الرؤية الحقيقية حول أهمية هذه السياسة وأثرها على مجمل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، والسلم والأمن الاجتماعي، وقد تجلي ذلك في ظهور أزمات خانقة في السيولة بالدينار الليبي، وتنامي أفعال الفساد المرتبطة بالوصول إلى النقد الأجنبي، وعمليات التهريب عبر الحدود، وتنامي الاقتصاد غير الرسمي، والإرباك في عمليات التجارة مع العالم الخارجي وعدم انتظام تدفق السلع والخدمات، وانهيار القوى الشرائية للدينار الليبي، وتنامي السوق الموازية واستفحالها، وفتح الباب أمام غسل الأموال والأنشطة غير المشروعة.

وبالنظر إلى الأصول الأجنبية للدولة الليبية، والتي تجاوزت 85 مليار دولار في مارس 2020م (الاحتياطيات الأجنبية فقط 76.52 مليار دولار + الأصول غير السائلة والتى في أغلبها مساهمات؛ والتي تجاوزت 10 مليار دولار)، لا يمكن تبرير سياسة سعر الصرف الحالية التي لم تحافظ على استقرار سعر الصرف، ولا استقرار المستوى العام للأسعار، ولم تحد أيضاً من انخفاض الاحتياطيات الأجنبية.

أن اعتماد مصرف ليبيا المركزي على نظام سعر الصرف الثابت، وقبوله بتطبيق المادة الثامنة من اتفاقية صندوق النقد الدولي، في سنة 2003م، بشأن تحرير الحساب الجاري، وعدم فرض قيود على النقد الأجنبي لأغراض التحويلات غير الرأسمالية، ولأغراض التجارة وغيرها من التحويلات الجارية، قد شكل في ذلك الوقت تطوراً مهما في سياسة سعر الصــرف كان لها إيجابيات كبيرة على استقرار سعر الصرف الأجنبي، واستقرار المستـــوى العام للأسعار، إلا أنه 

بعد سنة 2014م حصلت انتكاسة كبيرة في سياسة سعر الصرف، وأصبحت هذه السياسة مصدراً لكل المشاكل التي واجهها الاقتصاد الوطني، وعززت الشعور بحالة عدم اليقين، ودفعت المتعاملين في الاقتصاد الوطني إلى البحث عن ملاذات آمنة لثرواتهم؛ مما شكل ضغط كبير على الطلب على النقد الأجنبي، وعدم قدرة المصرف المركزي على تلبية الطلب عند السعر الثابت المعلن، وهذه التطورات السلبية عجلت بظهور السوق الموازية للنقد الأجنبي، وإتساع الهوة بين السـعر الثــابت المعلــن والسوق الموازية، وصــاحب ذلك ظهـور أزمة خانقـة في السيـولـة  بالدينار الليبي، ووضع قيود على استخدام النقد الأجنبي، والسحب النقدي المحلي من المصارف التجارية، وأدى كذلك إلى تنامي صيرفة الظل ولجوء المتعاملين في الاقتصاد إلى التعامل النقدي خارج القطاع المصرفي، وقد شهدت أواخر سنة 2018م معالجة منقوصة لسعر الصرف من خلال فرض رسوم على استخدامات النقد الأجنبي لتضيق الفجوة بين سعر الصرف في السوق الموازية وسعر الصرف الرسمي.

ولقد كان لتلك المعالجة غير المباشرة لسعر الصرف، والتي فرضها الانقسام الذي حصل في مؤسسة المصرف المركزي، أثراً جيداً على استقرار سعر الصرف في السوق الموازية، واستقرار المستوى العام للأسعار، على الرغم من تعدد أسعار الصرف وما لها من أثر على خلق فرص للفساد، إلا أن ذلك التحسن لم يدم، وحدثت الانتكاسة من جديد في أول شهر يناير من عام 2020م، بسبب العودة لفرض القيود الكمية على استخدامات النقد الأجنبي من قبل المصرف المركزي، بسبب توقف إنتاج وتصدير النفط، وقد أدت تلك الإجراءات والقيود على استخدام النقد الأجنبي إلى ظهور جميع المشاكل، التي عانى منها الاقتصاد الوطني من جديد، ولعل أهمها عدم استقرار سعر الصرف وعدم استقرار المستوى العام للأسعار، وظهور مشكلة السيولة في الدينار الليبي من جديد، وتنامي السوق الموازية وصيرفة الظل.

 و مما لا شك فيه أن المشاكل السياسية والأمنية والانقسام المؤسسي في الحكومة والمصرف المركزي، وتوقف إنتاج وتصدير النفط من فترة إلى أخرى، قد ألقت بظلالها على مجمل الأوضاع الاقتصادية، وعلى الرغم من الانقسام الذي حصل في مؤسسة المصرف المركزي، إلا أن إدارة الاحتياطيات والأصول الأجنبية كانت تحت تصرف الإدارة في المركز الرئيسي في مدينة طرابلس، ومع ذلك  فقد المصرف المركزي السيطرة والتحكم في سعر الصرف، ولم تكن له اليد الطولى في تحقيق الاستقرار في هذا السعر، وانعكس ذلك على عدم الاستقرار في المستوى العام للأسعار، وظهور معدلات تضخم غير مسبوقة في الفترة ما بعد النصف الأول من عام 2014م. ولم ينتهج المصرف أي سياسة تحد من الأزمة، بل كانت المعالجات مرتبكة وغير مستقرة، وساهمت في تأزم المشاكل أكثر.

و تأسيساً على ما سبق، ورغم كل الظروف كان على المصرف المركزي إعادة النظر في سياسة سعر الصرف الحالية، والنظر في نظام سعر الصرف الثابت الذي تبناه المصرف لما يزيد عن خمسة عقود، والذي لم نجني من محاسنه  أي شيء، ولم يفلح المصرف المركزي في عزل الاقتصاد الوطني عن التقلبات في الأسواق الدولية والمحلية، ولم ينجح في خلق حالة من الاستقرار لسعر الصرف، ولا الاستقرار في المستوى العام للأسعار (التضخم)، لذلك يبدو أنه من المهم أن يفكر المصرف المركزي في الانتقال إلى نظام سعر صرف أكثر مرونة (المرن المدار)، يكون له نتائج أفضل في المحافظة على الاحتياطيات الأجنبية، والتحفيز على خلق موارد جديدة للنقد الأجنبي، وإدارة الاحتياطيات الأجنبية بشكل أفضل، وأن ذلك سينعكس إيجابياً على المتغيرات الاقتصادية الكلية (استقرار سعر الصرف، استقرار معدلات التضخم، التوازن في ميزان المدفوعات، الاستدامة المالية).

 و بغض النظر عن ما إذا كان المصرف المركزي سيتمسك بنظام سعر الصرف الثابت أو نظام سعر الصرف المرن المدار، ينبغي أن يستقر سعر الصرف عند سعر صرف معين يضمن قدرة المصرف المركزي على المحافظة عليه في ظل ما هو  متاح من احتياطيات وأصول أجنبية، والذي سيسهم بشكل كبير في تحريك عجلة الاقتصاد وتحقيق الاستقرار النقدي والتوازن في الاقتصاد الكلي.

إن عدم معالجة سياسة سعر الصرف سيكون لها نتائج باهظة الثمن على الاستقرار المالي والنقدي، ويمكن القول بأن الأمر ممكن في إطار المحددات الموجودة، رغم كل التحديات، ولا ينبغي أن يتم استعمال حادثة توقف النفط لفترات محدودة كفزاعة لبعث الدعر في النفوس وإرباك أداء الاقتصاد الوطني.

1.1 سياسة سعر الصرف في ليبيا وأثرها على المتغيرات الاقتصادية الكلية

يعتبر سعر الصرف أداة الربط بين الاقتصاد المحلي واقتصاديات العالم الخارجي، وله تأثير مباشر على النشاط الاقتصادي المحلي، من خلال أثره على: حركة الصادرات والواردات، حركة رؤوس الأموال، معدلات التضخم، ميزان المدفوعات، الاستهلاك والاستثمار، معدلات الاستخدام والنمو في الناتج المحلي.

من هنا يمكن القول بأنه ينبغي على السلطة النقدية انتهاج سياسة سعر صرف رشيدة وكفؤة، تنسجم مع الأهداف الاقتصادية الكلية، وتحقق استقرار الاقتصاد الكلي، وخاصة في الظروف الاستثنائية التي تمر بها ليبيا في هذه الفترة الحرجة.

2.1 سياسات سعر الصرف في ليبيا (نبذة تاريخية)

شهد الاقتصاد الوطني خلال العقود الماضية العديد من المشاكل والصعوبات الاقتصادية والمالية مما استدعى انتهاج مجموعة من السياسات والإجراءات الاقتصادية التي تهدف إلى معالجة الاختلالات التي حدثتْ وكان من بينها سياسة سعر الصرف، وفيما يلي استعراض موجز لتطور سياسة سعر الصرف التي اتبعها مصرف ليبيا المركزي منذ نشأته وحتى الوقت الحاضر:

في عام 1952م، تم إصـــدار الدينار الليبي كعملة وطنية لأول مرة (تحت اسم الجنيه)، وكانتْ قيمته مساوية للجنيه الإسترليني وكل منهما يعادل 2.8 دولاراً أمريكياً أو ما يعادل 2.48828 جراماً من الذهب.

في عام 1967م، تم تخفيض الجنيه الإسترليني بنحو 14.3% لتصبح القيمة التعادلية للجنيه الإسترليني 2.4 دولاراً أمريكياً، وبالرغم من أن ليبيا في ذلك الوقت ماتزال ضمن منطقة الإسترليني إلا أنها لم تقم بتخفيض قيمة الدينار الليبي.

في شهر 8 عام 1971م أعلنت الولايات المتحدة عدم التزامها باستبدال الدولار بالذهب، وقامتْ في شهر نوفمبر من نفس العام بتخفيض قيمة الدولار تجاه وحدة حقوق السحب الخاصة بنحو 7.9%، لتصبح وحدة حقوق السحب الخاصة تساوي 1.0857 دولاراً، بدلاً من السعر القديم وهو 1 دولار (وحدة حقوق السحب الخاصة تساوي 1 دولار)، وأدى هذا الأمر إلى ارتفاع قيمة الدينار الليبي مقابل الدولار لتصبح 1 دينار ليبي تساوي 3.04 دولارات بدلاً من 1 دينار تساوي 2.8 دولار.

وفي 18/ مارس/ 1986م، ومن أجل إدخال مرونة أوسع على نظام سعر الصرف المتبع تم فك ارتباط الدينار الليبي بالدولار الأمريكي، وربطه بوحدة حقوق السحب الخاصة (و.ح.س.خ) بسعر صرف يعادل 2.8 و.ح.س.خ لكل دينار ليبي.

وفي 1/ مايو/ 1986م، تم وضـع هامش يمكـن أن يتذبذب فيه سعـر الصــرف بحدود ± 7.5%، وقد حدد هذا الهامش عند مستواه الأدنى المُعادل لـ 2.6046 (و.ح.س.خ) للدينار الليبي الواحد، ثم جرى توسيع هذا الهامش عدة مرات.

وتأتي التغيرات المُشار إليها أعلاه تنفيذاً لأحكام قانون المصارف الذي خول مصرف ليبيا المركزي تغيير القيمة التبادلية للدينار حسب التطورات الاقتصادية والنقدية، بما يكفل تفادي الآثار السلبية لهذه التطورات على الإقتصاد الوطني. وتنفيذاً لذلك قام مصرف ليبيا المركزي منذ يوم 14/ فبراير/ 1999م وحتى نهاية عام 2001م بتنفيذ برنامج تم بموجبه بيع النقد الأجنبي للأغراض الشخصية والتجارية عن طريق المصارف التجارية، دون فرض أي قيود على الصرف وفقاً لأسعار البيع التي يُحددها مصرف ليبيا المركزي، وقد عرف سعر الصرف الجديد بإسم “سعر الصرف الخاص المعلن”، الذي اُستخدم بجانب سعر الصرف الرسمي بعد أن تم إلغاء ما يُعرف “بالسعر التجاري” الذي تم إقراره والعمل به لأغراض معينة منذ عام 1994م حتى بداية عام 1999م، وقد وضعتْ أهداف محددة لهذا البرنامج يأتي في مقدمتها الآتي:

  • ترشيد استخدام النقد الأجنبي.
  • حل مشكلة المواطنين الذين يحتاجون إلى النقد الأجنبي لمختلف الأغراض الشخصية من خلال إيجاد نافذة قانونية لهذا الغرض، ووفقاً لإجراءات مشروعة وبدون قيود على الصرف.
  • رفع قيمة الدينار الليبي في مواجهة العملات الأجنبية في السوق الموازية.
  • دعم القوة الشرائية للدينار الليبي.
  • خفض أسعار السلع التي يتم توفيرها وتمويلها بواسطة السوق الموازية والمحافظة على استقرارها.
  • القضاء على السوق الموازية للنقد الأجنبي.
  • وقد استهدف البرنامج خلق الأرضية الملائمة لتعديل سعر صرف الدينار وصولاً إلى تحديد القيمة التبادلية الحقيقة للدينار التي تتلاءم مع معطيات الاقتصاد الوطني، وتحقق كفاءة وترشيد استخدام الموارد المتاحة وتقضي على التشوهات في الأسعار.

خلال الفترة 1999-2000م، رفعت قيمة الدينار الليبي تدريجياً وفقاً لسعر الصرف الخاص المعلن مصحوباً بين الحين والأخر بتخفيض في قيمته وفقاً لسعر الصرف الرسمي، وكنتيجة لذلك تراوح السعر الرسمي للدينار الليبي مقابل الدولار الأمريكي ما بين 3.54 دولاراً للدينار الواحد في نهاية عام 1990م إلى 1.55 دولاراً للدينار الواحد في نهاية عام 2001م، كما تغيرتْ أسعار صرف العملات الأجنبية الرئيسية الأخرى مقابل الدينار الليبي وفقاً للتغيرات التي طرأتْ على القيمة التعادلية للدينار الليبي مقومة بوحدات حقوق السحب الخاصة.

في 1/ يناير/ 2002م، تم تعديل وتوحيد أسعار صرف الدينار الليبي في اتجاه تخفيض قيمته وفقاً لسعره الرسمي بنسبة 50% عما كان عليه في نهاية عام 2001م، ليصبح 0.6080 وحدة حقوق السحب الخاصة لكل دينار ليبي واحد أو ما يعادل 1 دينار تساوي 1.3 دولاراً.

وفي 15/ يونيو/ 2003م، تم تخفيض سعر صرف الدينار الليبي بواقع 15% ليصبح 0.5175 وحدة حقوق السحب الخاصة مقابل كل دينار ليبي واحد، وذلك بهدف احتواء ضريبة النهر الصناعي التي كانتْ تفرض على كافة الاعتمادات والتحويلات بالنقد الأجنبي، وكذلك إلغاء التمييز في سعر الصرف بين الجهات المُعفاة وغير المُعفاة من هذه الضريبة، وما يزال هذا السعر قائماً حتى اليوم.

وفي 21/ يونيو/ 2003م، أبلغتْ الدولة الليبية صندوق النقد الدولي رسمياً بقرارها قبول الالتزامات المحددة بموجب المادة الثامنة من اتفاقية الصندوق، وذلك بأن ألغتْ القيود التي كانتْ مشروطة بالموافقة بموجب المادة الثامنة، بما في ذلك ضريبة النهر الصناعي البالغة 15% على الاعتمادات والتحويلات الخارجية، وعلى مشتريات الأفراد والقطاع الأهلي من النقد الأجنبي وغيرها من القيود التي كانتْ مفروضة على عمليات الحساب الجاري.

3.1 نظام سعر الصرف في ليبيا

بالرغم من التطور الذي شهدته سياسة سعر الصرف في ليبيا خلال نصف قرن، إلا أن نظام سعر الصرف المتبع خلال تلك الفترة هو نظام سعر الصرف التابت، بهدف حماية الاقتصاد الوطني من الصدمات الخارجية وانعكاسها على الاقتصاد المحلي، وأن نظام سعر الصرف الثابت يعطي إمكانية أفضل للتحكم في معدلات التضخم، بالإضافة إلى عدم قدرة المصرف المركزي على تطوير أدوات انتقال آثار السياسة النقدية، وقد ساهم في انتهاج نظام سعر الصرف الثابت قدرة المصرف المركزي على الدفاع عن سعر الصرف المعلن من خلال ما تراكم  لديه من احتياطيات أجنبية كبيرة في الماضي.

والسؤال الذي ينبغي الإجابة عليه هو: هل ينبغي للمصرف المركزي التمسك بنظام سعر الصرف الثابت أو بالإمكان التحول إلى أنظمة سعر صرف أخرى؟

4.1أثر سياسات سعر الصرف على استقرار سعر صرف الدينار الليبي

يمكن تلخيص هذه الفقرة في النقاط الآتية:

شهدت الفترة ما قبل عام 1986م استقرار في سعر صرف الدينار الليبي مقابل العملات الاجنبية.

شهدت الفترة من 1986-2003م عدم استقرار في سعر صرف الدينار الليبي وصاحبها ظهور واضح للسوق الموازية في الصرف الأجنبي وتقلبات كبيرة في أسعار صرف الدينار الليبي في السوق الموازية من فترة إلى أخرى، حيت فرضت قيود مشددة على استخدامات النقد الأجنبي وخاصة في فترة الثمانينات من القرن الماضي، والتي حدت بشكل كبير من دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وهيمنة القطاع العام على معظم الأنشطة الاقتصادية.

شهدت الفترة من 2003-2013م (باستثناء سنة 2011م) استقرار كبير في أسعار صرف الدينار الليبي واختفت تقريباً السوق الموازية للصرف الأجنبي، وقد شهدت تلك الفترة استقرار في المستوى العام للأسعار، ويرجع ذلك بالدرجة الأولى إلى استقرار سعر صرف الدينار الليبي مقابل العملات الأخرى.

شهدت الفترة من 2014 إلى الآن، باستثناء (الفترة من الربع الثالث من 2018م إلى نهاية 2019م) عدم استقرار سعر صرف الدينار الليبي، وصاحبها في ذلك عدم الاستقرار في المستوى العام للأسعار.

5.1 تأثير سعر الصرف على أهم المتغيرات الاقتصادية في ليبيا

تحاول هذه الفقرة على الإجابة عن التساؤل الرئيسي التالي: ما هو تأثير سعر الصرف على التضخم في ظل الأوضاع الراهنة؟ وتتم الإجابة عنه من خلال الإجابة على الأسئلة الفرعية التالية: ماهي العلاقة بين سعر الصرف والتضخم في الاقتصاد الليبي؟ ماهي درجة حساسية التضخم للتغير في سعر الصرف في ليبيا؟ ما هو انعكاس استقرار سعر الصرف على استقرار المستوى العام للأسعار؟

نظراً لانكشاف الاقتصاد الوطني بدرجة كبيرة على الخارج من خلال اعتماده بدرجة كبيرة على الصادرات من المنتجات النفطية، والتي تشكل أكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي، وما يزيد عن 95% من إجمالي الصادرات، و90% من إجمالي الإيرادات العامة بالنقد الأجنبي، واعتماده بدرجة كبيرة على السلع والخدمات المستوردة لأغراض الاستهلاك والاستثمار، حيت يشكل المكون الخارجي للسلع والخدمات المتداولة في السوق المحلي ما يزيد عن 80% من تلك السلع والخدمات، وبالتالي فإن أي تقلبات في سعر صرف الدينار الليبي تنعكس مباشرةً على المستوى العام للأسعار، رغم أن ارتفاع قيمة الدينار الليبي لا تنعكس بشكل سريع على المستوى العام للأسعار، وتظهر بشكل واضح خلال فترة لا تقل عن ثلاثة أشهر، في حين أن أي انخفاض في قيمة الدينار الليبي تنعكس بشكل سريع على المستوى العام للأسعار.

و بناءً على ما سبق يمكن القول بأن الاقتصاد الوطني حساس جدا للتغير في سياسة سعر الصرف وعدم استقرار سعر صرف الدينار الليبي أمام العملات الأخرى، وبالتالي ينبغي بدل العناية الفائقة في انتهاج سياسة سعر صرف تؤدي إلى استقرار صرف الدينار الليبي، وتنعكس إيجابياً على استقرار المستوى العام للأسعار، والمحافظة على القوى الشرائية لدخول الأفراد وعدم تأكل مدخراتهم، وعدم دفع الأفراد والمؤسسات إلى تحويل مدخراتهم إلى نقد أجنبي للمحافظة عليها من التأكل بسبب معدلات التضخم المرتفعة، التي تصاحب التقلبات الموجبة في أسعار العملات الأجنبية مقابل الدينار الليبي. إن استقرار سعر الصرف يبعث إشارات إيجابية للمتعاملين في الاقتصاد الوطني، ويزيل درجة عدم اليقين بين المتعاملين في سوق السلع الخدمات، ويجنب الاقتصاد الوطني الكثير من الصدمات، ويحفز المستثمر الأجنبي والمحلي، ويدفع نحو تحقيق معدلات نمو جيدة ومعدلات استخدام عالية، ويحفز مؤسسات التمويل نحو الانخراط في تمويل الأنشطة الاقتصادية في المجتمع، وبشكل عام له انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الكلي.

6.1 انعكاسات استقرار سعر الصرف على ميزان المدفوعات

من المعروف للمتخصصين أن الاختلال الهيكلي في الاقتصاد الوطني يشكل أهم المعوقات أمام  تحقيق الاستدامة المالية، وتحقيق التنمية المستدامة في المجتمع، وللأسف الشديد لم تستطع معظم الدول النفطية التخلص من هذه المشكلة، ولم تستطع التخلص من المخاطر العالية الناجمة عن ذلك الخلل الهيكلي لما يزيد عن نصف قرن، وليبيا من الدول التي تواجه مخاطر عالية في استدامة المالية العامة والتوازن في ميزان مدفوعاتها، بسبب اعتمادها على قطاع النفط الذي يمول في المتوسط 95% من الموازنة العامة للدولة، ويوفر أكثر من 98% من الإيرادات من النقد الأجنبي. إن هذه المخاطر انعكست بدرجة عالية على سلوك متخذي القرارات في مجال سياسة سعر الصرف، وأصبحت سياسة التحوط هي السياسة المسيطرة على استخدام النقد الأجنبي، إلى درجة المبالغة في وضع القيود على استخدام الاحتياطيات من النقد الأجنبي، مما نجم عنه عدم الاستقرار في مجمل متغيرات الاقتصاد الكلي، وأصبحت تكلفة الاحتفاظ بالاحتياطات من النقد الأجنبي مكلفة جداً على الاقتصاد الوطني، وخلقت إرباكاً كبيراً في نمو وتطور الأنشطة الاقتصادية، وأصبح الاحتفاظ بالاحتياطات من النقد الأجنبي هدف أساسي بدلاً من هدف الاستقرار في الاقتصاد الكلي.

ومن هنا يمكن القول بأن استخدام سياسة سعر صرف مناسبة من خلال إتباع نظام صرف مناسب يأخذ في الاعتبار المخاطر التي قد تنجم عن التذبذب في تدفق الإيرادات من النقد الأجنبي، وفي نفس الوقت إتباع سياسة سعر صرف لا تساهم في خلق إرباك وحالة من عدم اليقين في الاقتصاد الوطني، وينبغي أن تساعد السياسات الاقتصادية الكلية الأخرى كالسياسة النقدية والسياسة المالية والسياسة التجارية وسياسة الاستخدام، في دعم سياسة استقرار سعر الصرف، واستقرار المستوى العام للأسعار، وتحسين أوضاع ميزان المدفوعات، أي بمعنى ينبغي أن تنسجم كافة السياسات الاقتصادية مع بعضها البعض لتحقيق أهداف الاقتصاد الكلي.

7.1 أثر سياسة سعر الصرف على المالية العامة

مما لاشك فيه أن الإيرادات العامة التي تستخدم في تمويل الموازنة العامة للدولة، 90% منها هي إيرادات بالنقد الأجنبي يتم تحويلها إلى إيرادات مقومة بالدينار الليبي، وهي تشكل المصدر الأساسي لتمويل الموازنة العامة، وبالتالي فإن الإيرادات العامة تتأثر سلبا وإيجاباً بسعر صرف العملات الأجنبية مقابل الدينار الليبي، وأن الإنفاق الجاري تحدده أسعار السلع والخدمات في السوق المحلي، وبالتالي فإن استقرار سعر الصرف يساعد المالية العامة في تقدير الإيرادات والنفقات وحساب أثر الإصلاحات المتعلقة بالدعم على معدلات التضخم، وعلى مستوى الأجور.

8.1 تقييم سياسة سعر الصرف في الفترة ما بعد 2013م

أن سياسة سعر الصرف التي انتهجها المصرف المركزي منذ سنة 2014م وحتى الآن تجلت في نظام تعدد أسعار الصرف، ووضع قيود صارمة على استخدام النقد الأجنبي، واللجوء إلى القيود الكمية التي انتهجتها ليبيا في فترة الثمانينات، والتي كانت نتائجها سلبية جداً على الاقتصاد الوطني، وقد كان الهدف الرئيس من تلك السياسة هو المحافظة على الاحتياطيات بأي تكلفة كانت، وقد صاحب هذه السياسة مشاكل كبيرة في القطاع المصرفي أهمها النقص الحاد في السيولة بالنقد المحلي، وتغول أسعار صرف العملات الأجنبية في السوق الموازية أمام الدينار الليبي، وخلق أسعار جديدة لصرف الدينار الليبي، بالإضافة إلى خلق مجال واسع للفساد المرتبط بأسعار صرف الدينار الليبي عبر منظومة الاعتمادات بالمصارف التجارية واستخدامات النقد الأجنبي وفقاً للقيود التي وضعت، وقد انعكست كل تلك السلبيات على المستوى العام للأسعار، وشهدت معدلات التضخم مستويات غير مسبوقة في الاقتصاد الوطني.

ورغم أن أغلب المبررات التي كانت تساق لتبرير سياسة سعر الصرف في تلك الفترة تستند إلى تعتر إنتاج وتصدير النفط وانحسار الإيرادات من النقد الأجنبي، إلا أنه بالنظر إلى الاحتياطيات والأصول الاجنبية في تلك الفترة والتي كانت تغطي ما يزيد عن 45 شهر من الواردات، لا يبرر اتخاذ تلك الإجراءات المتشددة في مواجهة الظروف الطارئة التي حدثت في النصف الثاني من عام 2014م، وكان بالإمكان إتباع سياسة صرف مناسبة، لا ينتج عنها تلك المشاكل التي صاحبت تلك الفترة. وفي جميع الأحوال لم يكن هناك مبرر مقنع لانتهاج سياسة سعر صرف ساهمت في خلق ذلك الكم الهائل من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والفساد والخلل الكبير في توزيع الدخل في المجتمع.

و شهدت الفترة من الربع الرابع من عام 2018م إلى نهاية عام 2019م، انفراجاً ملحوظاً، نجم عن معالجة متواضعة لمعضلة سعر الصرف من خلال فرض رسم على مبيعات النقد الأجنبي وتسهيل الوصول للنقد الأجنبي عبر المنظومة المصرفية وذلك لأغراض التجارة وتحويلات الأفراد، مع الإبقاء على نظام تعدد أسعار الصرف، إلا إن ذلك كان له أثر ملموس على استقرار سعر الصرف في السوق الموازية، والاستقرار في المستوى العام للأسعار، ومع عدم القناعة بتلك المعالجة إلا أنها خلقت نوعاً من الانفراج في حل جزء من المشاكل المتعلقة بتوفير السيولة من الدينار الليبي، وانسياب السلع والخدمات بدرجة أفضل مما كانت عليه قبل الربع الرابع من عام 2018م، وساهمت تلك المعالجة في خفض معدلات التضخم بشكل كبير.

وقد أدى توقف إنتاج وتصدير النفط في بداية عام 2020م إلى العودة للمربع الأول وفرض قيود على النقد الأجنبي من جديد، بطرق متعددة تراوحت بين وقف منظومة الاعتمادات لما يزيد عن ثلاثة أشهر، وقصر الاستيراد على أنوع محددة من السلع بعد فتح المنظومة، واستثناء عدد كبير من السلع من التغطية عبر منظومة الاعتمادات، وتوقف الحوالات الشخصية لأغراض العلاج والدراسة وغيرها، وكل ذلك أدى إلى ظهور السوق الموازية من جديد وارتفاع أسعار العملات الأجنبية في السوق الموازية بأكثر من 40% من أسعارها في نهاية عام 2019م، وانعكس ذلك على الارتفاع الكبير في المستوى العام للأسعار، ولقد تم تبرير تلك الإجراءات -كالعادة- بسبب توقف إنتاج وتصدير النفط في أول يناير 2020م.

وقد ساهمت أيضاً النواحي الإجرائية المتحدة من قبل المصرف المركزي في الوصول إلى النقد الأجنبي، في اهتزاز الثقة بين المتعاملين والمصرف المركزي والمتعاملين في النشاط الاقتصادي، حيت أن إجراءات فتح المنظومات المتعلقة بالنقد الأجنبي، ليس لها مواعيد محددة، فقد تفتح وتقفل أحياناً دون مواعيد محددة ودون إجراءات واضحة وشفافة، مما قلل من أهمية تأثير إصلاحات سعر الصرف في الربع الأخير من سنة 2018م.

9.1 آفاق إصلاح نظام وسياسة سعر الصرف

رغم الظروف التي تمر بها ليبيا من حروب وتشظي المؤسسات، وخاصة السلطة النقدية، إلا أنه يوجد مجال لإصلاح نظام سعر الصرف لينعكس إيجاباً على مجمل المتغيرات الاقتصادية، ويساعد في ذلك ما يتوفر من احتياطيات وأصول أجنبية قادرة على امتصاص قدر مهم من الصدمات التي تواجه الاقتصاد الوطني من فترة إلى أخرى، وبالتالي ينبغي على المصرف المركزي التفكير في جدوى تغير نظام سعر الصرف، وربما الانتقال إلى نظام سعر صرف أكثر مرونة، والذي تبنته عدد كبير من الدول الناشئة، والرجوع إلى الالتزام بنص المادة الثامنة من اتفاقية صندوق النقد الدولي، لتجنب تعدد أسعار الصرف، وتحرير الحساب الجاري، أي رفع القيود على التحويلات الجارية.

2.  السياسة النقدية

قد يتساءل البعض على دور السياسة النقدية في ليبيا في تحقيق الاستقرار النقدي، وفي هذا الصدد، ومن خلال الإطلاع على أدوار المصارف المركزية في الدول النفطية وليبيا، يمكن ملاحظة أنه من الناحية الواقعية يوجد ضعف في تأثير السلطات النقدية على الاستقرار النقدي، وأن ما يقال عن الأدوار التقليدية للمصارف المركزية  قد يكون مجرد طرح نظري لا وجود له في الواقع، وذلك بسبب هيمنة السياسة المالية على المشهد في الدول ذات الإنفاق العام الكبير، وخاصة الدول النفطية، ولكي يكون الصالون الاقتصادي منصفاً في الحكم على أدوار صانعي السياسات الاقتصادية (النقدية والمالية)، قامت اللجنة المختصة بدراسة هذا الملف والتي تم تشكيلها من أعضاء الصالون، بمناقشة التساؤلات التالية:

هل للمصارف المركزية في الدول النفطية الأدوات التي تمكنها فعلاً من التحكم في عرض النقود، بما يتيح لها فرصة التأثير على استقرار المستوى العام للأسعار؟

هل المصرف المركزي في ليبيا يملك من الأدوات ما يمكنه من التحكم في عرض النقود بشكل فعلي؟

ما هي هذه الأدوات إن وجدت سواءً كانت مباشرة أو غير مباشرة؟ ما هي آليات انتقالها؟

هل التضخم في ليبيا هو ظاهرة نقدية أم مصدره الأساسي هو سعر الصرف؟

هل يمكن للسياسة المالية لعب دوراً محورياً في تحقيق الاستقرار النقدي في الدول التي يعتبر الإنفاق الحكومي فيها هو المحرك الأساسي للاقتصاد، ودور السياسة النقدية محدود جداً في تحقيق الاستقرار النقدي من خلال التحكم في عرض النقود؟

هل توجد فرص للتنسيق بين السياسة النقدية والسياسة المالية في تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي؟

هل نبالغ كثيراً عندما نتحدث عن دور السياسة النقدية في ليبيا في تحقيق الاستقرار النقدي في ظل وجود مصرف مركزي أعزل لا يملك أية أدوات مباشرة أو غير مباشرة للتأثير في عرض النقود؟

هل نجد للمصرف المركزي العذر في التدخل في السياسة المالية للحد من التدفقات النقدية عبر الميزانية في محاولة منه للتحكم في المستوى العام للأسعار أم أنه تدخل غير مرغوب؟

و من خلال النقاش أتضح أن أغلب المختصين لا يعتقدون بأهمية دور المصارف المركزية في الدول النفطية بشكل عام وفي ليبيا بشكل خاص، في ظل غياب أنشطة التمويل المصرفي بصيغها المختلفة (تقليدية، وإسلامية) في التحكم في عرض النقود، وأن المصرف المركزي لا يملك من الأدوات ما يمكنه من التحكم في عرض النقود، سواء كانت أدوات مباشرة أو غير مباشرة، وليس لدى المصرف المركزي من إمكانية في تحقيق الاستقرار النقدي وتحقيق معدلات تضخم مقبولة ومستقرة إلا من خلال سياسة سعر الصرف التي تناولت الجزء الأكبر من هذا التقرير.

أن هيمنة السياسة المالية على الاقتصاد الوطني من خلال ما يتحقق من إيرادات سيادية من قطاع النفط، وإنفاق عام كبير يشكل المحرك الأساسي للاقتصاد الوطني من خلال الإنفاق الجاري والاستثماري عبر موازنة الدولة، سيكون له تأثيراً مهماً على معدلات التضخم، رغم قدرة الواردات على الاستجابة للطلب على السلع والخدمات، ولكن تبقى نسبة من السلع والخدمات المنتجة محلياً قد لا تستجيب بسرعة للطلب على تلك السلع والخدمات.

 وتأسيساً على ما سبق، ينبغي التنسيق بالكامل بين السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف من جهة، والسياسة المالية من جهة أخرى، وتطوير أدوات فعالة لانتقال آثار السياسة النقدية لتحقيق الاستقرار النقدي واستقرار الاقتصاد الكلي.

التوصيات:

يوصي الصالون الاقتصادي بالآتي:

  1. ضرورة بدل جهود كبيرة في توحيد المصرف المركزي، ليلعب دوراً مهماً في تبني سياسة نقدية وسياسة سعر صرف مناسبة لتحقيق الاستقرار المالي والنقدي والمساعدة في تحقيق التنمية المستدامة في المجتمع.
  2. إعطاء الأهمية القصوى لسياسة ونظام الصرف الأجنبي، وذلك للدور المحوري لسياسة سعر الصرف في تحقيق الاستقرار في سعر صرف الدينار الليبي، ومن تم تحقيق الاستقرار في المستوى العام للأسعار، وعليه أن يختار نظام سعر الصرف الذي يحقق ذلك.
  3. التفكير في التحول إلى نظام صرف أكثر مرونة، يؤدي إلى إدارة الاقتصاد الوطني بشكل أفضل ويحقق الاستقرار في متغيرات الاقتصاد الكلي، وذلك لأن نظام سعر الصرف الحالي (نظام سعر الصرف الثابت) الذي اعتمده المصرف المركزي لعقود، لم يكن له مساهمة كبيرة في استقرار المستوى العام للأسعار، ولم يعزل الاقتصاد الوطني عن التقلبات في الأسواق الدولية، ولم يساهم في تطوير مصادر جديدة للنقد الأجنبي.
  4. ضرورة توفير الدعم الكبير من قبل الموارد البشرية في المصرف المركزي عند تبني سياسة سعر صرف أكثر مرونة، لإدارة استقرار سعر الصرف بشكل كفئ، وتطوير دور أدوات السياسة النقدية المباشرة وغير المباشرة.
  5. تطوير وظائف المصرف المركزي في مجال تحقيق الاستقرار المالي والنقدي، من خلال تطوير وتفعيل أدوات السياسة النقدية، وتعميق الأسواق المالية، وتعزيز الوساطة المالية، ومهارات التنسيق مع السياسات الاقتصادية الأخرى (المالية والتجارية).
  6. ينبغي أن يضطلع المصرف المركزي بدوراً مهماً في تعزيز دور القطاع المصرفي في تمويل الأنشطة الاقتصادية من خلال طرق التمويل المناسبة، وتعزيز نظم الرقابة الفعالة لضمان سلامة القطاع المالي بشكل عام والمصرفي بشكل خاص، وضرورة فتح قنوات الحوار مع جمعية المصارف لتتحقق الرقابة الفاعلة، والتعاون الهادف إلى خلق مؤسسات مصرفية متينة تكون داعمة للاقتصاد الوطني.
  7. ضرورة تبني سياسة رقابية على مكونات القطاع المصرفي التجاري تضمن المنافسة العادلة بين جميع مكوناته القطاع، وتجنب الإجراءات التي تخلق تمايز غير عادل بين المصارف العاملة، وتخل بمبدأ المنافسة العادلة بين المصارف التجارية.
  8. ضرورة معالجة مشكلة مقاصة الصكوك بين المصارف التجارية بأسرع وقت ممكن، لما لهذه المشكلة من مخاطر عالية على سلامة القطاع المصرفي ومكوناته، وإخلال كبير بمبدأ المنافسة بين مكونات القطاع المصرفي.
  9. الرجوع إلى منشورات المنظمة للتجارة وطرق تمويلها كما كانت في سنة 2012م، والتي تتفق مع المعايير الدولية المتعارف عليها في تنظيم التجارة الدولية، وذلك لأن النجاح في سياسة سعر الصرف الأجنبي سيفتح الطريق أمام حل كثير من المشاكل المتعلقة بإجراءات تنظيم تمويل التجارة، عبر الاعتمادات ووسائل الدفع الأخرى، والتي أرهقت المتعاملين والمصارف في وقت واحد، وأربكت تدفق السلع.
  10.  الإسراع في عمليات تطوير نظم الدفع الالكترونية ونظم المعلومات الائتمانية، وأن يمنح الإذن للقطاع الخاص للمساهمة في تطوير نظم المعلومات وأدوات الدفع، وأن يلعب المصرف المركزي دور الرقيب في تنظيم نظم المعلومات وأدوات الدفع الإلكتروني، ويمكّن القطاع الخاص بشكل تدريجي من القيام بأدوار مهمة في تطوير وتنفيذ تلك النظم وطرق الدفع.
  11. البحث في مشكلة السيولة في الدينار االليبي، ومعرفة أسبابها ومعالجتها، من خلال تطوير نظم الدفع الالكترونية، وسياسة سعر الصرف، والحد من الأسباب التي تدفع المتعاملين إلى التعامل مع صيرفة الظل، والخروج من النظام المصرفي.
مشاركة الخبر