Skip to main content
الكيلاني يكتب: كيفية الحد من فساد القطاع المصرفي الليبي
|

الكيلاني يكتب: كيفية الحد من فساد القطاع المصرفي الليبي

كتب الخبير الاقتصادي “عادل الكيلاني”.

لا يختلف أثنان على أن القطاع المصرفي يمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، وصلاح هذا القطاع هو حالة صحية تنعكس إيجاباً على كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى.

فالمصارف بكافة أشكالها وأهدافها هي مؤسسات وساطة مالية قادرة على تحريك الاقتصاد عن طريق الربط بين أصحاب الفائض وأصحاب العجز،
وتختلف حساسية القطاع المصرفي عن غيره من المؤسسات التجارية والصناعية الأخرى، فالقطاع المصرفي مؤسسة تودع بها أموال المواطنين، وهي في نفس الوقت تضمن ترجيع الأموال لإصحابها عند الطلب، ولهذا فإن عدم قدرة المصارف على رد أموال المودعين عند طلبها تعتبر مؤشر غير جيد تنعكس سلباً على القطاع المصرفي بشكل خاص والاقتصاد الوطني بشكل عام، هذه لمحة بسيطة عن أهمية القطاع المصرفي.

خرج علينا الأيام القليلة الماضية تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2018، في 995 صفحة من الحجم الكبير، وقد أفرد التقرير الباب الخامس للقطاع المصرفي الليبي، حيث هذه المرة الأولى التي يخصص الديوان باب كامل أحتوى على 151 صفحة مقسمة إلى خمس فصول، خصص الفصل الثاني للفساد المالي في القطاع المصرفي الليبي، في ظاهرة جديدة لم يسبق أن تم تناولها بهذا الشكل، والذي سيكون لها تأثير كبير على سمعة القطاع المصرفي محلياً ودولياً، كما أنه يعكس حجم الفساد الذي أصاب القطاع المصرفي الليبي، والتي لم يسبق أن شهدها القطاع المصرفي الليبي طيلة العقود الماضية.

يندرج فساد المصارف في ليبيا تحت ما يعرف بالجريمة المنظمة التي تمارس من قبل مجموعة أو مجموعات خارجة عن القانون، سواء من داخل القطاع أو من خارجه ، والذين استفادو من حالة التشظي والانقسام الذي تعانيه الدولة الليبية في كافة مؤسساتها تقريباً، وضعف الدور الرقابي والاشرافي لمصرف ليبيا المركزي، وغياب كافة الأساليب والمعايير والمبادئ التي تنظم حوكمة ورقابة هذا القطاع.

وأنتشار ظاهر غسيل الأموال داخل الجهاز المصرفي رغم وجود القوانين واللوائحة التي تنظم آلية الرقابة والاشراف على حركة الأموال المشبوهة،
لقد تنوعت مفاسد المصارف سواء على مستوى الإدارات أو الفروع والوكالات بين التزوير والاختلاس والتلاعب بالحسابات، وأختراق النظم المصرفية، واستغلال الحوالات المصرفية من قبل بعض العاملين بالمصرف، وتزويرها، وتعطيل المقاصة بين المصارف، والمقاصة بدون رصيد، وأختلاس أموال الجهات العامة، وأموال المودعين، إلى فتح الحسابات الوهمية، وفتح الاعتمادات الغير مغطي، إلى الاعتمادات الوهمية ….الخ، في ظاهرة غريبة عن قطاعنا المصرفي المحافظ.

وقد تنوع الفساد في هذا القطاع (حسب ماذكره الديوان) بين فساد الموظفين والإدارة والجهات الاشرافية والرقابية المسؤولة عن مراقبة الجهاز المصرفي وسلامته، وعند إطلاعك على ماذكره التقرير ، تتأكد دون مشقة أن أموالك قد قمت بإيداعها لمجموعة من اللصوص والمرتشين، الذين يرتدون بدل وربطات عنق !!! وأن من أستأمنتهم على أموالك ليسوا أهلاً للثقة.

لا أريد هنا أن أسترسل كثيراً في ذكر الفساد الرهيب الذي ذكره تقرير ديوان المحاسبة عن القطاع المصرفي الليبي، ولا أن أتكلم كثيراً عن الصراخ وتعدد أوجه وأشكال الفساد الذي يعاني منه قطاعنا المصرفي، فكل مواطن ليبي يعرف ذلك وأكثر ، ومايتعرض له المواطن الليبي من إذلال وإهانة أمام فروع المصارف التجارية تحت لهيب الشمس، وأمطار الشتاء، في مشاهد تقشعر منه الأبدان، يعتبر مظهر من مظاهر الفساد.

ولفساد القطاع الصرفي آثار سلبية على مجمل الأوضاع الاقتصادية سواء على المدى القصير أو الطويل ، والتي منها تأثير الفساد المصرفي على القطاعات الاقتصادية وخلق أبعاد اجتماعية متباينة ، فهو يضعف النمو الاقتصادي ، يقلل الحوافز الإيجابية للإستثمار، وتغيير تركيبة عناصر الانفاق الحكومي، ويهدر موارد الدولة، ويزعزع الثقة في القطاع المصرفي الذي بدوره ينعكس على حجم الودائع وهروبها خارج القطاع المصرفي أو الهروب خارج الوطن.

الجميع، ينتقد و يشخص الظاهرة ويتناولها بأشكال عدة، دون أن يتم التطرق للحلول لإخراج مصارفنا من غول الفساد، وجبروت المفسدين.

ماهي الحلول التي تستطيع أن تنقض ما يمكن إنقاضه من قطاعنا المصرفي؟ وهل هناك فسحة أمل تعيد لقطاعنا المصرفي بريقه؟

إن خروج جهازنا المصرفي من وحل الفساد، وهيمنة المفسدين، ليست بالأمر المعقد والصعب، كل مانحتاج إليه هو إرادة سياسية ورغبة صادقة من هرم السلطة في الدولة الليبية لمباشرة الإصلاح.

وعليه فإن بداية الإصلاح المصرفي تبدأ بإتخاذ سلسلة من الإجراءات التصحيحية والإصلاحية، لإعادة التوازن لقطاعنا المصرفي، وتجديد روح العمل المصرفي بالشكل الذي يخدم مصلحة الوطن وأصحاب المصالح لهذا القطاع. وسأحاول هنا تقديم بعض المقترحات لمحاولة إعادة ترتيب البيت المصرفي الليبي.

أولاً : توحيد قسمي مصرف ليبيا المركزي في طرابلس وبنغازي، وإعادة انتخاب محافظ لمصرف ليبيا المركزي، تغيير مجلس الإدارة بالمصرف، والعمل على إعادة صياغة قانون المصارف 46 لسنة 2012 ، وإنشاء مجلس للنقد والائتمان، وتكليف نائبين أو ثلاثة للمحافظ، وتعزيز دور الرقابة والإشراف المصرفية، ودعم استقلالية مصرف ليبيا المركزي لإدارة السياسة النقدية.

ثانياً : تعزيز مبادئ الحوكمة، تعني الحوكمة في الجهاز المصرفي مراقبة الأداء من قبل مجلس الإدارة والإدارة العليا، وحماية حقوق حملة الأسهم والمودعين، ونجاح الحوكمة يتم بوضع القواعد الرقابية، وتطبيقها بشكل سليم، وهنا يجب أن يمر تعزيز مبادئ الحوكمة
عبر محورين :

‌أ. الأول بقيادة المصرف المركزي بإعتباره المسؤول عن سلامة القطاع المصرفي، وتنظيم ورقابة والإشراف على الجهاز المصرفي، أما الثاني ..

‌ب.فهو من خلال المصارف نفسها لأن غياب الحوكمة تعني في النهاية الفوضى وانهيار المصرف.

وهذا يعتمد على مصرف ليبيا المركزي من جهة، وعلى المصرف المعني من جهة أخرى، وأن يلعب مجلس إدارة المصرف التجاري ولجان المتابعة التي توفر البيانات عن أداء المصرف وإدارة التفتيش، من خلال عرض تقاريرها على مجلس الإدارة والجمعية العمومية للمصرف.

ثالثاً : الحرص على أختيار مجالس الإدارات والمدراء التنفيذيين للمصارف، بحيث يعتمد الاختيار على الكفاءة والخبرة والتأهيل العلمي، والابتعاد عن اعتبارات المحاصصة والولاءات في اختيار الكفاءات المصرفية.

رابعاً : استقلالية إدارة المصرف في اختيار الموظفين، ووضع معايير لأختيار الموظف تعتمد على حسن الخلق والأمانة والقدرة على تحمل أعباء العمل.

خامساً : إعادة هيكلة القطاع المصرفي الليبي ، عن طريق دمج المصارف الصغيرة ، والنظر في هيكل رأس مالها ، وتركيبة المساهمين بها، ورفع رأس مال المصارف لمستويات جيدة لمواجهة المنافسة مع المصارف الأجنبية.

سادساً : فتح الباب للمصارف الأجنبية لفتح فروع لها داخل الوطن، وتكون البداية بالمصارف العربية الكبرى، واشتراط نقل الخبرة والتكنولوجيا للقطاع المصرفي الليبي.

سابعاً : خروج مصرف ليبيا المركزي من المساهمات في ملكية بعض المصارف الليبية ، وحصر دور المصارف في إدارة السياسة النقدية ، والرقابة والاشراف على الجهاز المصرفي.

هذه بعض المقترحات التي ليست غائبة على كثير من أصحاب القرار في ليبيا، ولكن غياب المبادرة، والرغبة في كسر الجمود لدى متخذ القرار هو الذي أوصلنا لهذا الوضع السيء.

لدينا فرصة أن تصبح ليبيا واحة مالية على ضفاف المتوسط ، تستقطب كافة المصارف والمؤسسات المالية في المنطقة.

مشاركة الخبر