كتب الخبير الاقتصادي “سليمان الشحومي”
يتعاظم الدين العام في ليبيا يوما بعد يوم و يتحول إلى أرقام مفزعة جداً قد تتجاوز إجماليها لدي الحكومتين 200 مليار دينار ليبي، و لكنها غير دقيقة وغير مصنفة ولم يتم مطابقتها، إصدار الدين العام وطريقة سداده ومدة سداده ومقابل خدمة الدين ( معدل العائد ) يجب أن تكون واضحة عند الارتباط به وأن تكون أوجه انفاقه معروفة وتهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة طويلة الأمد حتي يكون مقنعا ويتقبل المجتمع انعكاساته علي مستوي زيادة الضرائب او ارتفاع في تكاليف المعيشة.
وزارة المالية تتصارع مع البنك المركزي حول سبل استخدام عائد الرسوم علي بيع العملة الأجنبية والسبب هو عدم سلامة إجراءات الارتباط بالدين المقدم من البنك المركزي في شكل سحب علي المكشوف او سلفة مؤقتة حسب القانون للحكومة، فالمصرف المركزي يطالب بإدارة العوائد لصالح سداد الدين المجاني بدون أي عوائد عليه، وتعترض وزارة المالية بأن هذا الإجراء من طرف البنك المركزي يحرمها حقها في إدارة عائد رسوم بيع العملة والذي يقوم المواطن بسداده اما مباشرة عبر فارق السعر بين الرسمي والتجاري او في شكل غير مباشر عبر أسعار السلع و الخدمات التي تعكس فارق السعر.
لست أفهم كيف تكون الحكومة والبنك المركزي في وقت الأزمات في خصام وعناد و يعيشون أيضا في حالة انقسام مؤسسي مستمر وكل طرف يزيد في رصيد الدين و يعمق من حجم و مستقبل المعاناة، ليبيا تعاني تفاقم الدين المترتب علي الانفاق الحكومي التسييري في أغلبه و الذي صار يتعاظم بسبب تزايد حجم الفساد والإهدار بنفقات الحكومتين و التي تفتقر لأبسط قواعد إدارة المال العام فلا عطاءات منظمة ولا شفافية في الإنفاق ولا وجود واضح لأي عائد تنموي حقيقي علي سطح الأرض بل مع ذلك الإنفاق المرتفع يشاهد الليبين بأعين تملائها الحسرة انهيارا غير مسبوق في خدمات الكهرباء والصحة مع تفاقم أزمة كورونا الصحية وغيرها من المتطلبات الأساسية للحياة.
ما يستغرب أن في ليبيا أزمة سيولة خانقة وأغلب النقد تدور خارج الإطار المصرفي، وفِي نفس الوقت دين حكومي متفاقم، كان من حسن التدبير أن يتم إصدار دين الحكومة في شكل سندات تطرح للمستثمرين بعائد مناسب لتمويل انفاق استثماري في البنية الاساسية وذلك حتما سيساعد في معالجة أزمة السيولة بوجد أدوات جاذبة للنقد وتعزز الثقة في دور النظام المصرفي، فالأموال تبحث عن الملاذ الأمن والاستثمار المستقر وسندات الحكومة من أفضل الأدوات التي تقبل عليها البنوك وزبائنها وغيرهم.
ما تحتاجه ليبيا فيما يتعلق بإدارة الدين الحكومي هو أن تتولي الحكومة الوطنية القادمة الموحدة بالتنسيق مع البنك المركزي إشاء مجلس لإدارة وتنظيم الدين الحكومي تتولي سبل حصر ومراجعة الالتزامات وتنظيم الدين القائم وتصنيفه واقتراح سبل معالجته بالتنسيق بين الحكومة والبنك المركزي والدائنين الأخرين، كما يمكن أن يتولي هذا المجلس مراجعة عمليات الإصدار المستقبلي وإدارة عملية سداده وقد يكون نواة لوضع تصورات حول تنظيم سبل تنفيذ مشروعات في إطار الحكم المحلي وعلى المستوي الوطني عبر إصدار الدين في شكل سندات او صكوك، مجلس إدارة الدين العام، يمكن أن يكون إداة مهمة في إدارة إصدار الدين وتنظيم عملياته عبر سوق المال والنظام المصرفي سواء علي مستوي البلديات او المحافظات او المستوي الوطني بشكل عام و يضبط الايقاع و يحد من الاسراف في استخدام هذه الأداء ويساعد في تنظيم سوق الدين بالاقتصاد الليبي وذلك عبر اشراك الجهات التخطيطية والتمويلية والتنفيذية ويعزز من تكوين خبرات وطنية في هذا المجال في إطار التوجه نحو إعادة تنظيم الاقتصاد الليبي.