Skip to main content
إحاطة الصديق الكبير… تجاهل لحل الأزمات وتحذير من المستقبل
|

إحاطة الصديق الكبير… تجاهل لحل الأزمات وتحذير من المستقبل

أثارت إحاطة محافظ المصرف المركزي في طرابلس الصديق الكبير أمام مجلس النواب بالعاصمة ردود فعل واسعة النطاق وعلى أصعدة مختلفة نتيجة لما تضمنته من معلومات وبيانات أظهرت حجم إنفاق الأموال طيلة السنوات الماضية والمخاطر العالية التي تواجه الاقتصاد الوطني، إضافة إلى ضباية الرؤية لمستقبل البلاد.

ولعل كل من شاهد الإحاطة يستطيع أن يلاحظ تجاهل الصديق الكبير عن وضع حلول واقعية على الأقل للأزمات التي يشهدها اقتصاد البلاد منذ أشهر، رغم الظروف الصعبة المحيطة والتي من أبرزها تداعيات حرب طرابلس وإغلاق الحقول والموانئ النفطية، والتي يستند إليها خطاب المحافظ أمام النواب بصورة واضحة.

ووفق ما قاله الكبير، فإن الاقتصاد الليبي يتعرض لصدمات عنيفة منذ سنوات من بينها إغلاق تعسفي متكرر للنفط وهبوط أسعار النفط والانقسام السياسي وظهور سعر صرف موازي وتفشي الفساد والحرب على العاصمة وجائحة كورونا، لكنه لم يحدد من المسؤول الأبرز عن فشل مواجهة ذلك.

ومن الملاحظ أيضا خلال إحاطة الكبير ابتعاده عن الحديث حول دور المصرف المركزي في معالجة الأزمات أو اختصاصاته الأصيلة في الرقابة على المصارف التجارية والحفاظ على قيمة العملة المحلية والتي يعتقد الكثيرون بأنه فشل في إدارة كل ذلك، مقابل تهجمه على الحكومات ووزير المالية المفوض بالوفاق فرج بومطاري والإدارة الموازية للمركزي في بنغازى.

ولكن، الإحاطة أجابت على بعض المشاكل القائمة والتي طال الحديث عليها خلال الفترة الماضية من بينها الدين العام والعملة المطبوعة في روسيا حيث يشكلان وفق الصديق الكبير عائقا أمام فتح منظومة المقاصة الإلكترونية على المصارف التجارية في شرق البلاد والتي يمكن أن تساهم بحال لم تعالج المسائل العالقة في مزيد من الإنهيار للعملة المحلية أمام الدولار.

وكشف المحافظ عن أن الدين العام الكلي ارتفع إلى ما يزيد عن 270% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي وهو معدل قياسي غير قابل للاستدامة ويؤدي إلى انهيار الاستقرار المالي والنقدي للدولة، إضافة إلى قيام المصرف المركزي الموازي بطباعة عملة خارج الأطر القانونية بلغت 15 مليار دينار في روسيا موّل بها مصروفات الحكومة الموازية.

إحاطة الصديق الكبير… تجاهل لحل الأزمات وتحذير من المستقبل

الدين العام والمقاصة الإلكترونية

ظلت أزمتي الدين العام والمقاصة الإلكترونية تلقي بضلالها على أي جهود تحاول التقارب بين المؤسسات المالية في الغرب والشرق، فيما تبيانت ردود الفعل عقب إحاطة الصديق الكبير التي أشار من خلالها إلى صعوبة الأمر خاصة في ما يتعلق بالدين العام وكيفية احتوائه والمقاصة وتأثيرها على الحياة الاقتصادية، حيث يعتقد البعض بأن كلام الصديق مبالغ فيه ويخدم أغراض سياسية ضيقة.

وكان المحافظ أكد استحداث مركزي بنغازي لمنظومة مصرفية ونظام مقاصة يدوي أدّت في نهاية المطاف إلى ارتفاع أرصدة المصارف لديه بالمخالفة للقانون، حيث بلغت 43 مليار دينار عجزت المصارف عن استخدامها للوفاء بالتزامات زبائنها.

وأضاف في إحاطته أمام النواب بأن فروع المصارف التجارية بشرق البلاد تعرضت لضغوط وتدخُّل في إدارة أنشطتها مع قيام مصرف التجارة والتنمية بمنح قرض بقيمة 6 مليار دينار مباشرةً لصالح القوات التابعة لحفتر، وهو ما نفاه رئيس مجلس إدارة المصرف جمال عبدالمالك.

ولكن ما يثير الشكوك هي المغالطات التي وردت في إحاطة الكبير حيث ذكر أرقاما وبيانات من بينها حجم الأموال المصروفة من قبل حكومة الوفاق الوطني، إضافة إلى صرف الحكومات المتعاقبة منذ العام 2007 إلى 2020 ما قيمته 600 مليار بينما لم يصل حجم الانفاق إلى هذا الرقم بعد، وفق ما قاله وكيل وزارة المالية والتخطيط بالحكومة المؤقتة إدريس الشريف.

وقال الشريف في تعليق على الإحاطة إن الكبير تحدث عن كل شيء ولكنه تجاهل الحديث اختصاص المحافظ والذي أظهر تحكم الأخير في سياسة الدولة الاقتصادية على مدار السنوات الماضية.

وأضاف في تصريحات صحيفة، بأن الأرقام التي تحدث عنها الكبير غير مطابقة للأرقام التي أصدرها البنك الدولي أو حتى مع النشرات التي أصدرها المصرف المركزي بطرابلس الذي يديره الصديق الكبير نفسه.

وأشار إلى أن الكبير استعمل المقاصة لحصار منطقة برقة والمصارف الثلاثة الموجودة بداخلها، ونفى بأن تعمل عملية إعادة فتح المقاصة لرفع سعر الدولار إلى 20 دينار كما يقول محافظ المصرف المركزي بطرابلس.

إحاطة الصديق الكبير… تجاهل لحل الأزمات وتحذير من المستقبل

اتجاهات مختلفة

وعلى عكس المتوقع خاصة من النواب في مجلس طرابلس، غض المحافظ الطرف عن الحديث حول الأزمات والتداعيات الخطيرة الحاصلة في الاقتصاد والتي من بينها أزمات السيولة النقدية وتعدد سعر الصرف الذي أثرت سلبا على حياة المواطنين رغم أنها اختصاص أصيل للمصرف.

وقال النائب عبدالسلام نصية إنه تجاوز الحديث عن دور المركزي وتحدث عن مشاكل السياسة النقدية وعلاقته مع الحكومة ودوره في تقديم الاستشارة بينما لم يتطرق للأمور المهمة المتعلقة بحياة المواطن.

وأضاف بأنه أضطر مثل غيره من النواب إلى تغيير أسئلته التي كان ينوي توجيهها للكبير، حيث حاول الحصول على إجابات حول إيجاد الحلول الممكنة للأزمات التي تواجه المواطن وهي سعر الصرف وإنهيار العملة المحلية ونقص السيولة النقدية في المصارف.

وأشار أيضا إلى أن كلام الصديق الكبير لم يكن مقنعا لغالببة النواب، إضافة إلى تدخله غير المبرر في السياسة التجارية للبلاد بطريقة غير صحيحة.

ويعتقد الكثيرون بأن إحاطة الكبير كان يهدف بها الأخير إلى نقل الكرة إلى ملاعب الآخرين مثل ديوان المحاسبة والحكومات والإدارة الموازية في بنغازى، حيث يرى محافظ طرابلس بأن العوامل الخارجية كانت أسباب رئيسية في تدهور الأوضاع الاقتصادية ودخول البلاد في أزمات متلاحقة نتج عنها تدني الخدمات ومعاناة المواطن.

ومع كل ذلك، قد يتفق الغالبية على أن هناك صعوبة في إيجاد بديل للصديق الكبير أو إزاحته من منصب المحافظ خلال المرحلة المقبلة رغم الجهود المتسارعة التي تحاول توحيد المؤسسات المالية وإيجاد حلول نهائية للأزمات المتلاحقة.

إحاطة الصديق الكبير… تجاهل لحل الأزمات وتحذير من المستقبل

إعلان ضمني بالبقاء؟

وقال الخبير المصرفي عادل الكيلاني أن الإحاطة الأخيرة للكبير كانت مخيبة للآمال ولم تأتي بجديد، حيث ألقى المحافظ المسؤولية على وزارة المالية بحكومة الوفاق الوطني والجهات الحكومية الأخرى واتهمها بأنها هي من تقف وراء المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الوطني وليس للمركزي دخل فيها.

وأوضح الكيلاني في حديثه لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن الإحاطة لن تقدم شيء حيث أن مجلس النواب الذي يجب أن يحاسب الصديق الكبير هو غير موجود حقيقة، حيث أن النواب في طرابلس جسم منشق عن المجلس المتواجد في مدينة طبرق شرق البلاد وهو المسؤول عن الاستدعاء منذ العام 2014.

ويرى مراقبون وخبراء اقتصاديون تحدثوا لصحيفة صدى الاقتصادية عن أن كلام المحافظ الصديق الكبير يظهر بعض من نوايا الأخير البقاء في منصبه خلال الفترة المقبلة، خاصة مع نشاطاته السابقة عبر التوقيع على اتفاقيات مكافحة الفساد وغسيل الأموال مع وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني وزيارات داخلية وخارجية.

ومن المتوقع أن تكون المرحلة القادمة حاسمة كثيرا في مستقبل البلاد مع قرب توصل الأطراف السياسية في مدينة بوزنيقة المغربية لتفاهمات حول المناصب السيادية والتي من بينها إعادة تسمية محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي بطرابلس ومناصب أخرى.

ومع ذلك، كشفت الإحاطة أن هناك الكثير من العمل ينتظر الجميع لإعادة الاستقرار الاقتصادي للبلاد وحماية أموالها حتى في حال تمت الإطاحة بالصديق الكبير أو بقاءه لمرحلة جديدة قادمة والتي ستكون أصعب بكثير من السابقة مع اتفاقات تقاسم السلطة والمال بين الأقاليم التاريخة الثلاثة للبلاد.

مشاركة الخبر