كتب: نورالدين حبارات المهتم بشأن الاقتصادي مقالاً
الأصول أو الأموال الليبية المجمدة في الخارج هي تلك المبالغ أو الفوائض المالية التي تجمعت وتراكمت في حسابات اللجنة الشعبية العامة سابقاً ( الحكومة) إبان الطفرة النفطية التي شهدتها أسواق النفط في العشرية الأولى من الألفية وذلك عملأً بالضوابط التي كانت متبعة أنداك بشأن تجنيب أي زيادة في قيمة الإيرادات النفطية الفعلية عن القيمة المقدرة والمعتمدة بالميزانية العامة .
في أغسطس من العام 2006 م أصدرت اللجنة الشعبية العامةً القرار رقم 208بشأن تأسيس المؤسسة الليبية للإسثتمار أو Libyan Authority Investment والتي عادةً ما يشار إليها بالرمز L A I .
وبموجب القانون رقم (13) لسنة 2010 م تم تنظيم المؤسسة وحدد أغراضها وأهدافها تحديداً في إسثتمار الأموال المخصصة للإسثتمار في الخارج على أساس الجدوى الإقتصادية بشكل مباشر أو غير مباشر في مختلف المجالات الاقتصادية على نحو يساهم في تنمية موارد الإقتصاد الوطني وتنويعها و يحقق أفضل العوائد المالية من دعماً لموارد الخزانة العامة وضمان لمستقبل الأجيال القادمة ، وللحد من أثر تقلبات الدخل والإيرادات الأخرى للدولة ، كما أجاز لها هذا القانون إسثتمار جزء من اموالها في الداخل بعد موافقة اللجنة الشعبية العامة أو الحكومة .
في مايو الماضي أعلنت المؤسسة عن نتائج التقييم لأصولها لسنة 2019 م التي قامت به بالمشاركة مع شركة ديلويت الدولية للمحاسبة والتدقيق حيث قدرت أصولها ب 68.400 مليار دولار وبزيادة مليار تقريباً عن أخر تقييم لها الذي جرى في 2012 م ,
هذا وتدير المؤسية بشكل مباشر أصول في قطاعات مختلفة بقيمة 40 مليار دولار في حين تبلغ قيمة الشركات التابعة لها 28.300 مليار دولار والمثمتلة في الشركة الليبية للإسثتمارات الخارجية ومحفظة أفريقيا للإسثتمار والصندوق الليبي للإسثتمار الداخلي للتنمية والمحافظة الإسثتمارية طويلة المدى وشركة الإسثتمارات النفطية القابضة .
وتبقى نتائج التقييم التي أعلنتها المؤسسة أحادية الجانب إلى أن يتم مراجعتها من قبل جهة مستقلة محايدة للوقوف على مدى صحتها ودقتها من عدمها .
هذا وأعلنت المؤسسة في بيانها أيضاً إن قيمة النقد أو ما يعادله بلغت قرابة 33.5 مليار دولار و بما نسبته %48 من إجمالي الأصول وهذا هو بيت القصيد أو محور موضوعنا .
فهذه الأصول أو المبالغ أو جزء منها هي التي تسعى الحكومة للإفراج عنها من خلال المؤسسة بهدف إحالتها لمصارف أخرى تجنباً لتعرضها للفوائد السلبية التي قد تفرضها بعض المصارف في أوروبا والولايات المتحدة .
والفائدة السلبية أو ما تعرف ب Negative Interest تعني لنا إن المؤسسة قد لا تحصل على عوائد مقابل أموالها كما إن المصارف التجارية لا تحصل على عوائد مقابل ما تضعه في البنك المركزي بل تضطر لدفع مقابل عنها ومن ثم إستمرارها يعني تأكل لقيمتها مع طول أو مرور الزمن نتيجة هذا الخصم أو هذه الفائدة.
وهذا النوع من الفائدة عادةً ما تفرضه المصارف المركزية وتلجأ أليه في حالات الأزمات والركود الاقتصادي الذي يحدث من فترة إلى أخرى كالذي حدث أثناء أزمة الرهن العقاري في 2008 م أو كالذي حدث في 2020 م بسبب تفشي وإنتشار وباء كورونا والذي لازالت تداعياته قائمة إلى اليوم وذلك بهدف إنعاش الاقتصاد من خلال توفير السيولة والقروض للشركات والأفراد مما سيشجع بدوره المستهلكين على الاستهلاك والمنتجين على إستئناف وزيادة إنتاجهم .
وقد تبدو مبررات المؤسسة شكلياً مقنعة لكن في حقيقتها قد تبدو غير ذلك فالركود الاقتصادي وتداعياته وإن كانت لا زالت قائمة فهو ليس بالدرجة التي هو عليها اليوم بعد التعافي النسبي للإقتصاد العالمي بفعل الإنتعاش النسبي لأسعار النفط التي تجاوزت اليوم حاجز ال 70 دولار بعد إن هبطت دون حاجز 30 دولار في مارس من العام الماضي 2020 م مع تفشي وإنتشار الوباء .
كما إن حجة الحكومة في الإفراج عن تلك الأموال بهدف إسثتمارها في قطاع النفط كما يشاع فهذا أيضاً إجراء يتطلب حكومة مستقرة منتخبة من قبل الشعب الليبي ولا يتطلب حكومة أتت لمهمة محددة سلفاً ولم يبقى من عمرها إلا ستة أشهر فقط لتتحول بعدها إلى حكومة تصريف أعمال في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم وفق لإتفاق جنيف .
ومن تمة وفي إعتقادي لا يوجد أي تفسيير لمساعي الحكومة من وراء الإفراج عن تلك الأموال إلا بهدف تغطية العجز المتوقع أو المحتمل في الإيرادات النفطية وتعزيز إحتياطي المركزي للدفاع عن قيمة الدينار المعرض لمزيد من التخفيض في ظل تزايد الطلب على النقد الأجنبي وتزايد الإنفاق العام .
وللتذكير فإن إجراء كهذا غير اقتصادي بالمرة ومخالف للقانون المذكور أعلاه وللأهداف والأغراض التي أنشئت من أجلها المؤسسة ، فهذه الأموال معرضة للهدر والإسراف ومن شأنه أن يعجل في إستنزاف ما تبقى من إحتياطيات مالية للدولة والإجهاز على خط دفاعها الأخير .
وفي الختام ما يحب أن تدركه الحكومة والمؤسسة هو إن العربية السعودية وبما تملكه من موارد ضخمة نفطية وغير نفطية والتي تصنف اليوم من ضمن الدول الاقتصادية الصاعدة في العالم أو ما تعرف بمجموعة العشرين أو Group 20 والتي يناهز أصول صندوق ثروتها السيادي أكثر من 390 مليار دولار ، هذه الدولة وعندما تتعرض لعجز في ميزانيتها جراء إنخفاض أسعار النفط لا تلجأ للسحب من هذا الصندوق لتغطيته بل تضطر للإقتراض من الأسواق الدولية إلى أن تجاوزت قيمة القروض الخارجية حاجز 150 مليار دولار لكن يبقى السؤال لماذا ؟؟
لإن هذا الإجراء يهدف إلى عدم المساس بإحتياطياتها و الحفاظ على حقوق أجيالها القادمة و إلى إستمرار المسيرة التنموية كما إنه يتبح لها الحصول على تلك القروض بأقل تكلفة ممكنة في ظل ضخامة إحتياطياتها التي بالتأكيد ستعزز ملائتها المالية أي قدرتها في الوفاء بإلتزاماتها بكل يسر و إرياحية و لن تتردد وكالات التصنيف العالمية في منحها درجة ممتازة أو A A A مع نظرة مستقبلية إيجابية أو حتى مستقرة .