
| مقالات اقتصادية
حبارات يكتب: بعد مرور عام على قرار توحيد سعر الصرف (تخفيض قيمة الدينار ) ما الذي تحقق؟
كتب الخبير بالمجال الاقتصادي نورالدين حبارات مقالاً “قراءة تحليلية من واقع بيانات رسمية”
في مثل هذا اليوم من العام الماضي قرر مجلس مصرف ليبيا المركزي توحيد سعر صرف الدينار أمام الدولار لكافة الأغراض وللقطاعي الحكومي والخاص وذلك بموجب قراره رقم (1) لسنة 2020 م ، وقد لاقى هذا القرار حينها أصداء وردود أفعال إيجابية في الغالب من قبل قطاعات واسعة من المواطنين .
وصراحة قرار كهذا كان يفترض أن يخضع للتقييم الموضوعي والفني من قبل المركزي والحكومة وذلك بهدف التأكد من مدى تحقيقه للنتائج والأهداف التي أقر من أجلها وإيضاح الصورة لعامة المواطنين .
واليوم وبعد مرور عام على إقراره يمكن القول أن القرار المذكور اقتصادياً لم يحقق أي شيء بل أدى إلى إرباك الوضع الاقتصادي المربك أصلاً وفاقم من تأزمه خاصة في ظل غياب التنسيق والتناغم بين سياسات الحكومة والمركزي ودون أن ترافقه رزنامة من التدابير على كافة السياسات المالية والنقدية والتجارية ،هذاً قد تمثلت أبرز تداعياته السلبية في الأتي:
1- القرار أعطى الذريعة للحكومة الحالية لفتح شهيتها وتسييل لعابها للمبالغة في الإنفاق وذلك باقتراحها لميزانية بحجم 93 مليار دينار ثم إلى 111 مليار دينار بحجة أن سعر الصرف انخفض بنسبة %320 أي من 1.40 دينار للدولار إلى 4.48 دينار للدولار ولم تتم مقارنته قياساً بسعر 3.90 و 3.62 اللذان كانا سائدان خلال عامي 2019 و 2020 .
حيث بلغت ميزانيتهما حينها 45 مليار دينار و38،5 مليار دينار على التوالي يضاف إليهما الميزانية أو المبالغ التي خصصت للحكومة المؤقتة عن تلك السنتين والتي يقدر إجماليها ب 22 مليار دينار . و المؤسف أن الحكومة رفضت آنذاك مطالب مجلس النواب بتخفيض مشروع الميزانية ، واليوم الانفاق العام الفعلي يقدر بأكثر من 90 مليار دينار دون وجود أي نتائج ملموسة على الأرض .
2- القرار أدي بالفعل إلى انخفاض القدرة الشرائية للدينار وللدخول ومرتبات ومعاشات المواطنين التقاعدية والأساسية ومدخراتهم ، وإلى مزيد من الارتفاع في معدلات التضخم للسلع والخدمات الأساسية قياساً بمعدلاته السابقة ما عزز المطالب بزيادة المرتبات والمعاشات بعد أن أصبحت عادلة ومشروعة مع الإشارة إلى أن هذه المطالب لم تبدء بعد ولن تتوقف.
3- القرار لم يسهم فعلياً في معالجة العجز المزمن في الميزانية و ذلك بعد أن استخدمت الحكومة وبالمخالفة للقانون الإيرادات النفطية المجمدة عن العام 2020 م لدى المصرف الخارجي والمقدر ب 17.500 مليار دينار كمصدر تمويل لها.
4- القرار لم يؤدي إلى معالجة العجز في ميزان المدفوعات فالإيرادات النفطية خلال الفترة من يناير حتى سبتمبر الماضي بلغت وفق لبيانات صادرة عن المؤسسة 16.700 مليار دولار في حين بلغت المدفوعات بالنقد الأجنبي في شكل اعتمادات وحوالات مالية للحكومة والقطاع الخاص خلال الفترة ما قيمته 19.900 مليار دولار أي هناك عجز مؤقت قدره 2.500 مليار دولار وهذا العجز لم يظهر نتيجة تغطيته من قبل المركزي باستخدامه لقيمة الإيرادات النفطية المجمدة والمذكورة سلفاً عن العام 2020 م والمقدرة ب 4 مليار دولار .
ولكن الحكومة بالتأكيد كانت لها أهداف من وراء القرار لم تعلن في حينها لكن اليوم أصبحت واضحة ، فتخفيض قيمة الدينار أصبح أداة أو وسيلة أساسية لتمويل ميزانيتها ، فعندما تقترح الحكومة ميزانية بأكثر من 100 مليار دينار هذا لا يعني أنها تحصلت على إيرادات من مصادر مختلفة لتمويلها بل من خلال بيعها للإيرادات النفطية للمركزي على سعر 4.48 دينار للدولار.
فمثلاً عندما تقدر إيراداتها النفطية ب 20 مليار دولار فهذا يعني حصولها على إيرادات بمبلغ 89.600 مليار دينار، في حين كانت تقدر في السابق ب 28 مليار دينار فقط على سعر 1.40 .
المركزي أيضاً بدوره له هدفه من القرار لم يعلنه عند إصداره ويتمثل في سعيه لإطفائه الدين العام المصرفي المتراكم على الحكومة والمقدر بأكثر من 150 مليار دينار وذلك عبر إعادته لتقيم أصوله وفقاً للمادة 27 من قانون المصارف ، فإذا افترضنا أصوله تقدر ب 40 مليار دولار فإن قيمته على سعر 1.40 تعادل 56 مليار دينار لكن على سعر 4.48 دينار للدولار تقدر ب 179 مليار دينار والزيادة بين القيمتين والمقدرة ب 123 مليار دينار ستوجه لإطفاء الدين العام وما يعزز ذلك عدم اعتراض المركزي هذا العام على استخدام الحكومة لإيرادات الرسم أو الضريبة على النقد الأجنبي رغم أن الإجراء مخالف في حين العام كان يرفض وبشدة استخدام الحكومة لهذه الايرادات بحجة ضرورة استخدامها في إطفاء الدين العام ،وفي المقابل ساعد القرار نوعاً ما المركزي في تقليص العبء والضغط على الاحتياطي الأجنبي وفي التخفيف من حدة أزمة السيولة لكن بطريقة مكلفة بعد اعتماده لبيع أو استنزاف النقد الأجنبي كوسيلة وحيدة للتعاطي مع الأزمة .
وفي الختام يبدو أن طموحات المواطنين اليوم في تعديل سعر الصرف أصبحت بعيدة المنال فالسعر مرشح للمزيد من التخفيض في ظل محدودة إيرادات النفط وتنامي الإنفاق العام واستفحال الفساد .