Skip to main content
"قرادة" يكتب: تنهيدة اقتصادية رباعية الوهم الاقتصادي المقرون بالغطرسة ومثاله متلازمة جضران
|

“قرادة” يكتب: تنهيدة اقتصادية رباعية الوهم الاقتصادي المقرون بالغطرسة ومثاله متلازمة جضران

كتب: الخبير الاقتصادي أبراهيم قرادة مقالاً

نعم ليبيا دولة صغيرة المساحة مكتظة السكان ومحدودة الموارد وفقيرة المياه!

إغلاق النفط جريمة كبرى فقطع الأرزاق أشنع من قطع الاعناق، جربنا الإثنين والحصاد سيجنى جوعًا ومرضًا وفقرًا وجهلاً.

فأي عقل عاقل غير مخبول يبرر خسارة 70 مليون دولار يوميًا أي 1.470 مليار دولار او 7.130 دينار خلال الثلاث أسابيع منذ إيقاف تصديره (متوسط سعر برميل النفط خلال شهر أبريل هو 100 دولار للبرميل)، وحيث أن الميزانية المالية لهذه السنة متوسطها 95 مليار دينار، بإيقاف تصدير النفط سيحرم الميزانية ما نسبته 7.5٪؜ من مواردها، وهذا قد يعني حرمان والالتجاء لرصيد احتياط النقد الأجنبي المقدر في نهاية سنة 2020 بـ 74 مليار دولار، بمعنى أن ايقاف النفط لثلاث أسابيع سيلتهم 2٪؜ من احتياطها الهام لشراء الغذاء والدواء.

وكمثال إذا استمر إيقاف النفط ثلاث أشهر، فما ستخسره ليبيا سيكون 6.5 مليار دولار، أو ثلث الميزانية، أو ما يصل 9٪؜ من احتياطاتها النقدية.

الادهى أن ذلك يحدث في وقت تتسابق الدول النفطية لتعظيم مكاسبها، وتسعى الدول لزيادة احتياطياتها والمحافظة عليها من أجل مواجهة وتلبية الاحتياجات شعوبها في ظل موجة التضخم وغلاء الأسعار وبالأخص الغذاء أليس هذا وهم مركز، ومعجون بالغطرسة؟!

كلنا نعرف أن ليبيا كبيرة المساحة (1,759,540كم مربع، الترتيب 16 في العالم) ولكن حسب الفاو (منظمة الأمم المتحدة للغداء والزراعة) فالأرض المزروعة في ليبيا تقدر بـ1٪؜ من مساحتها أي 18 ألف كم مربع فقط وهي مساحة صغيرة جدًا، ولتقريبها هي تتقرب من مساحة الكويت (التي هي صحراوية)، مع 95٪؜ من مساحة ليبيا هي صحراوية و4٪؜ ارض شبه صحراوية، في واقع جاف يتصف بشح المياه ونذرة الأمطار وتذبذبها، والحرارة المتزايدة.

ولولا هبة وثروة النفط لكانت ليبيا لا تختلف اقتصاديًا عن موريتانيا، وفي تاريخنا القريب روايات المجاعات المتتالية والذي دليله قلة السكان والصراعات القبلية الشرسة،فبدون علم حقيقي ومعرفة واعية وإدارة كفؤة وقيادة وطنية، فكل ما يقال عن ليبيا غنية هو وهم، وهم، وهم لا يخدع إلا النرجسية الغبية.

ومن ذلك الوهم التغني بالبحر، فليس بالسمك وحده يحيا الانسان، فايرلندا الجزيرة عانت مجاعة عظمى تاريخية، عرفت بمجاعة البطاطس تسببت في موت مليون إنسان وهجرة مليون إنسان أخر رغم أمطارها الغزيرة وشاطئها الذي يبلغ 1400 كم، فماذا وكيف يكون حال ليبيا الصحراوية ذات 1770 كم شريط ساحلي- وليس 2000 كم كما نخدع أنفسنا فرحًا.

فجارتنا تونس شاطئها يبلغ 1150 كم، وبسياحتها المتقدمة وتنوع اقتصادها وإدارتها الافضل وتعليمها الارقى واستقرارها السياسي الأطول وارضها الزراعية المقدرة بـ 9.7 مليون هكتار-مقابل 2 مليون هكتار فقط في ليبيا- ورغم هذا لا زال شعب تونس الشقيق يكافح الحياة في طريق التنمية.

ومن الوهم كذلك ما نروجه بيينا ونصدقه بشأن تجارة العبور- كامتداد لتجارة القوافل والتي كان العبيد فيها سلعتها الأربح- فليست ليبيا فقط من لها حدود مع دول الصحراء المغلقة، فالجزائر كذلك،ليبيا يحدها جنوبًا تشاد والنيجر والسودان، وثلاثتها من أفقر 25 دولة في العالم، وبل إن الأجزاء الأغنى في هذه الدول تقع في جنوبها لا في جوارنا، بمعنى المناطق التي تحد ليبيا هي الأشد فقرًا.

والربح الذي يحققه بعض تجار العبور متأتي من رخص وقود الشاحنات في ليبيا وتهريب الوقود والسلع المدعمة، أي أنه خسارة للدولة الليبية في الواقع وفي السياق المقارن، فالميناء البحري الأقرب والمستخدم من النيجر وتشاد وهو ميناء دوالا في الكاميرون بغرب إفريقيا، حيث المسافة الخطية بينه وبين إنجامينا عاصمة تشاد ومع نيامي عاصمة النيجر بـ 1100 كم تقريبًا لكليهما، في حين أن المسافة الخطية بين طرابلس وانجامينا هي 2300 كم ومع نيامي 2400 كم تقريبًا.

وفي ذلك بيان لوهم تجارة العبور عندما يكون تسويق الاستعجال، فمثل دبي كمنطقة تجارة عبور، ليست فقط في العنوان، بل باعتبارها منطقة عبور مالي واقتصادي وبنكي وسياحي منفتحة بقوانين تناسب الدولة المدينة، وهو نفس الأمر مع امثلة “الدولة المدينة” في سنغافورة ومالطا.

المثل الثالث للوهم هو مسألة السياحة، فوجود الآثار والشواطئ والشمس لا يكفي لوحدها لاقامة صناعة سياحية مربحة دون وجود ثقافة وقوانين وكوادر قابلة بها وبنية تحتية قادرة، فهل تستطيع ليبيا في المدى الاقتصادي منافسة مصر وتونس واليونان وتركيا، والتي هي دول سياحية مهمة، وتتنافس بشدة.

المثل الرابع للوهم غير الناضج الأقرب للأماني هو موضوع تصدير الطاقة الشمسية، فصحيح أن ليبيا غنية بالشمس ولكن لازالت البنية التحتية للمزارع الشمسية ونقلها غالية بالنسبة للوقود التقليدي كالنفط والغاز، وهذا ما أثبتته الحرب الروسية الأوكرانية.

هذا لا يعني التغاضي وإهمال مسألة التنويع الاقتصادي، والذي يجب شرطًا وضرورة أن يكون مبني على دراسات جدوى اقتصادية علمية وواقعية. ويبقى الأساسي الأهم هو الاستثمار في التعليم والتعليم والتعليم الحقيقي نحو اقتصاد المعرفة والإنتاجية وضمن ثقافة محبة العمل، ونفر داء الاتكالية ووباء الاستهلاكية ومتلازمة الاستعراضية.

إغلاق تصدير النفط المصاحب للتناطح السياسي المقرف هو تعبير فاضح لسيطرة الغطرسة بما تجمعه من جهل وتهور وجبروت وقصر نظر، كما يحدث اليوم في ليبيا من صراع سياسي أقرب صوره هو صراع الديكة في حضيرة الدواجن الفرحة بالديك المنتصر الفاقد لريشه بعد تنفيشة جوفاء؛ فالعالم يمر الآن بزالزال جيوسياسي واضطراب أمني يقارن ويذكر بإرهاصات الحرب العالمية الثانية 1939، وأزمة اقتصادية تقارن بسوابق إنهيار الجمعة السوداء 1929، في ظل تداعيات جائحة الكوفيد التي زلزلت البشرية ولم تتعافى منها بعد، مع تغير مناخي واحترار يحرق الاخضرار فتزحف الصحاري والبحار فتغرق مدن وتحترق مزارع، فيهاجر البشر موجات تتلوها موجات وتنشب حروب مرعبة لا ينجو فيها إلا الذكي المتعلم القوي- الثلاثية شرطية الترابط.

الانكى ليسوا الخمس أو العشر شخصيات من مسببي ومستثمري الكارثة، بل في الطبقة السياسية، قادة ومرشحين واحزاب، وهي تستمرئ البكم والسكوت، بعد تجربة متلازمة جضران المريرة، والتي لم تحقق أي خصلة من شعاراتها، أنه الوهم الاقتصادي والغطرسة السياسي والهجو الجهوي والغزل القبلي والحمق المعرفي.

مشاركة الخبر