كتب الخبير في الشأن الاقتصادي “نورالدين حبارات” مقالةً تحدّث فيها حول الميزانية المُعتمدة أخيراً بقوله:”يترقب هذه الأيام معظم المواطنين و مع إعتماد قانون الميزانية للعام الحالي 2022 م الإجراء أو الخيار الذي سيتخذه المركزي”.
“فهل سيلتزم بتنفيذ قانون الميزانية الصادرة عن مجلس النواب؟، أم إنه سيلتزم بتنفيذ ترتيبات مالية يتوقع أن يقرها مجلس الوزراء لحكومة الوحدة الوطنية؟”.
“أو أن يستمر في تنفيذ الصرف بموجب 1/12 من نفقات العام المالي 2021 م في الأبواب المتاحة للصرف ( المرتبات و الدعم فقط )؟”.
“قانوناً و كما هو معروف و بموجب قانون المصارف و تعديلاته لسنة 2005 م يخضع المركزي للإشراف و المتابعة من قبل السلطة التشريعة ( مجلس النواب ) وهذه السلطة هي من تعين محافظ المركزي و نأئبه و أعضاء مجلس إدارته و هي أيضاً من تعفيهم و تقبل إستقالاتهم.”
“وفق القوانين المالية و التشريعات الليبية النافذة فإن المركزي قانوناً ملزم بتنفيذ القوانين و القرارت ذات العلاقة الصادرة عن هذه السلطة ( مجلس النواب)؛ بغض النظر عن تحفظاتنا عنه و عن أداؤه السيء طيلة السنوات الماضية حيث يعتبره الكثيرون سبب مباشر فيما أل إليه حال البلاد اليوم.”
“مهمة المركزي تنحصر وفق القانون المذكور أعلاه في تنفيذ أوامر أو أذونات الصرف التي تصدرها الحكومة ( وزارة المالية )؛ وذلك خصماً من حساباتها، فالحكومة هي من تقرر الصرف و المركزي منفذ له فقط، كما أنّ المركزي في بعض الأحيان يموّل نفقات الحكومة في حال عدم كفاية أرصدة حساباتها أو إنكشافها و ذلك بمنحها سلفة مالية لتمويل أي عجز طارئ موسمي و ذلك بما يعادل %20 من إجمالي الإيرادات العامة على أن تسدد الحكومة هذه السلفة قبل نهاية السنة المالية و يحظر تكرار منحها في حال تخلفها عن سدادها”.
“هذه الآلية متبعة و متعارف عليها منذ عقود ليس في ليبيا فحسب بل في كل دول العالم تقريباً؛ لكن مع الإنقسام السياسي المقيت الذي ضرب البلاد منذ أغسطس من العام 2014 م و ما ترتب عنه من إزدواجية لمؤسسات الدولة أصبحت مسألة تنفيذ المركزي للميزانية في ظل حكومتين محل تسأل و جدل قانوني”.
“فهناك من يرى أن المركزي خالف القانون، و هناك من يرى عكس ذلك خاصةً بعد غياب قوانين الميزانية ، فآخر قانون ميزانية صدر في 23 يونيو 2014 أي قبل إتخابات مجلس النواب”.
لكن ومع كل الجدل حول مدى قانونية إجراءات تنفيذ الصرف من قبل المركزي خلال السنوات الثماني الماضية؛ فإنه لم يخرج عن ألاليات المتبعة و المتعارف عليها.
لكن يبقى السؤال كيف؟
1- في سنة 2014 التي انقسمت فيها البلاد ألتزم المركزي بتنفيذ قانون الميزانية الصادر عن المؤتمر الوطني العام.
2- في نوفمبر 2014 الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا تصدر حكماً بإلغاء الفقرة الحادي عشر من المادة (30) من الإعلان الدستوري المؤقت أي إلغاء مقترحات لجنة فبراير التي أنبثق عنها مجلس النواب ما يعني بطلانه و عودة المؤتمر الوطني للمشهد كطرف في الصراع و في النزاع على الشرعية.
3- في مايو 2015 المؤتمر الوطني يعتمد مشروع قانون الميزانية تحت رقم (9) لسنة 2015 المقدم من قبل حكومة الإنقاذ الوطني ولا ينفذ المركزي الميزانية المعتمدة من قبل مجلس النواب للحكومة المؤقتة في شرق البلاد.
4- خلال العام 2015 رعت الأمم المتحدة جولات حوار بين أطراف الصراع ( مجلس النواب و المؤتمر الوطني ) في مدينة الصخيرات المغربية توِّج في ديسمبر من العام نفسه بتوقيع إتفاق سلام و تقاسم السلطة بينهما مع المجلس الرئاسي و بموجب هذا الإتفاق ( إتفاق الصخيرات ) تستمد كل الأطراف منه شرعيتها لا من الإعلان الدستوري المؤقت الذي أتت بموجبه و ذلك عبر إنتخابات يوليو 2012 وإنتخابات يونيو 2014 أي بمعنى هذا الإتفاق هو الإطار المنظم لعمل المؤسسات خلال المرحلة الإنتقالية على أن يتوج بإعتماد دستور دائم للبلاد وإنتخابات عامة خلال سنة من توقيعه قابل للتجديد و لمرةٍ واحدة فقط
مع ملاحظة أنّه بموجب هذا الإتفاق تعتبر حكومة الإنقاذ و الحكومة المؤقتة غير شرعيتين.
5- خلال العام 2016 رفض مجلس النواب و لمرتين منح الثقة للحكومة المقدمة من المجلس الرئاسي و خلال هذا العام نفذ المركزي قرار الموتمر الوطني العام بشأن الإذن بفتح إعتمادات شهرية مؤقتة في حدود 1/12 من إعتمادات السنة المالية 2015.
6- في أعوام 2017 ، 2018 ، 2019 ، 2020 ونظراً لإنقسام مجلس النواب و تعذر إقرار قانون الميزانية تم إعتماد ما يسمى بالترتيبات مالية وفقاً لأحكام المادة (9) فقرة (5) من اتفاق الصخيرات و قام المركزي بتنفيذ قيمة تلك الترتيبات على كافة الأبواب و يرفض دائماً تنفيذ الصرف في ظل عدم وجود هذه الترتيبات أو آلية 1/12 من ترتيبات السنة السابقة.
7- في أبريل من العام 2021 ومع إلتئام مجلس النواب تقدمت حكومة الوحدة الوطنية بمشروع قانون للميزانبة للعام 2021 لكن مجلس النواب رفض إعتماد المشروع .
و بناء عليه تم الصرف بموجب 1/12 من الميزانية المقترحة التي تقدمت بها حكومة الوحدة و ذلك إستاداً إلى المادة (24) من مقترحات لجنة فبراير التي ضمنت للإعلان الدستوري المؤقت بموجب التعديل السابع في العام 2014 و إستناداً على ذلك نفذ المركزي الصرف على كافة الأبواب.
8- خلال الفترة من 1/1 حتى 31/5:2022 م أي العام الحالي أشار المركزي في بيانه مؤخراً إن الصرف يتم بموجب 1/12 من نفقات السنة المالية 2021 م على الأبواب المتاحة للصرف و ذلك في ظل عدم إعتماد قانون الميزانية الذي تم إعتماده أمس فقط.
كما أن الصرف على الأبواب المتاحة يشير فيه ضمنياً إلى مسألة تجميد الإيرادات النفطية و إقتصار الصرف منها على المرتبات و الدعم فقط و ذلك بناءاً على كتاب من السيد رئيس مجلس النواب.
عليه و بناءاً على ما تقدم نخلص إلى أن المركزي ملتزم و إلى حداً ما بتنفيذ الصرف وفق للقانون و يولي أهمية للإتفاق السياسي الذي تنتهي آجاله الأسبوع القادم و الذي يعتبر بمثابة إطار منظم لعمل المرحلة الإنتقالية.
ومن ثمة فإن الخيارات المتاحة أمام المركزي قليلة جداً و هي:
1- تنفيذه قانون الميزانية الصادرة عن مجلس النواب و هذا إجراء متعارف عليه و ملزم به بموجب القانون ولا يحمله أي مسؤولية.
2- تنفيذه لترتيبات مالية طارئة يتوقع أن يقرها مجلس الوزراء لحكومة الوحدة الوطنية تمول في شكل سلف مالية و هذا يعني و على الجانب الآخر قيام حكومة الإستقرار بترتيب إلتزامات مالية و مفاقمتها للديون و تحميل خزانة الدولة بأعباء إضافية يتحمل المركزي مسؤوليتها و تضعه تحت طائلة القانون و المساءلة، ناهيك عن ما ستخلفه من تداعيات سيئة و كارثية على الإقتصاد الوطني المنهك أصلاً.
3- إستمرار المركزي في الصرف بموجب 1/12 على بابي المرتبات و الدعم مع تجميد الايرادات النفطية و ذلك تجنباً للإحراج و الدخول مباشرةً في الصراعات السياسية وهذا ما يبدو غير ممكن في ظل إعتماد قانون الميزانية؛ لننتظر و نرى.