إستبدال الدعم أصبح ضرورة ملحة لتخليص خزينة الدولة من هذا العبئ، حيث بلغت نسبة دعم المحروقات في ليبيا مايقارب 50% بقيمة 9.9 مليار دينار من إجمالي نفقات الدولة لسنة 2021 م، حيث أن حجم الاستهلاك اليومي في ليبيا لمادة البنزين والديزل يبلغ تقريباً حسب بعض التقارير 18 مليون لتر يومياً ، ولكن لا يستفيد المواطن من هذه الكمية ويتم تهريب مايقارب 30% من إجمالي الاستيراد وإنتاج المصافي المحلية حسب بعض المصادر، عن طريق مافيا التهريب المنظم الذي ينشط في بعض المناطق في ليبيا وبالأخص الساحل الغربي لليبيا ناهيك عن إستهلاك المصنع والشركات الأجنبية التي تعمل بليبيا وتستفيد من هذا الدعم، كما تشير بعض التقارير إلى عدم سيطرة المؤسسة الوطنية للنفط على عدة مصافي سيطرة فعلية ويتم تهريب أغلب إنتاجها إلى خارج البلاد .
كذلك حسب تقرير لفريق الخبراء المعني بليبيا في الأمم المتحدة الذي أشار إلى استمرار عمليات التهريب عبر البحر رغم تغير ديناميكية التهريب بعد نشاط السلطات الإيطالية في مواجهة عمليات التهريب البحرية في الفترة الأخيرة، ولكن يستمر تهريب الوقود عبر البر بنفس الوتيرة وبالأخص الحدود الجنوبية والغربية لليبيا، الأمر الذي سبب شبه انقطاع لإمدادات المحروقات في محطات تزويد الوقود التابعة لشركات تسويق الوقود في ليبيا بمناطق الجنوب والجبل الغربي، مما سبب في إعتماد المواطنين على التزود بالوقود من السوق السوداء بأسعار مضاعفة في تلك المناطق وحرمان شريحة كبير من المواطنين من الاستفادة بقيمة دعم المحروقات .
ورغم الجدل والمخاوف التي يثيرها رفع الدعم عن المحروقات واستبداله بالدعم النقدي المباشر إلا أن العديد من الخبراء الاقتصاديين يرون أن رفع الدعم عن المحروقات خطوة في الاتجاه الصحيح رغم تخوف المواطنين من عدم جدوى هذا القرار وعدم التزام الدولة بالدعم المباشر كما حصل عند رفع الدعم عن السلع الغذائية الأساسية سنة 2015 م .
بدوره صرح وزير النفط والغاز بحكومة الوحدة “محمد عون” لصحيفة صدى الاقتصادية بخصوص استبدال دعم المحروقات بالدعم النقدي بالقول أنه قام بتقديم مقترح برفع الدعم عن المحروقات منذ سنة 2018 خلال اجتماع وزارة التخطيط في تلك الفقرة ، مضيفاً أنه إذا كان هناك نظام مرتبات عادل ومجدي وطرق لعدم ظلم المواطنين يجب رفع الدعم .
وأضاف “عون” أن قرار مجلس الوزارء جاء للمراجعة وعمل ترتيبات قبل التنفيذ القرار.
وفي هذا الصدد تواصلت صحيفة صدى الاقتصادية مع المؤسسة الوطنية للنفط، ولم تُجيب عن تساؤلاتها رغم إدعائها في كافة مناسبتها على الشفافية والإيضاح للمواطنين.
كذلك قال الخبير والمهتم بالشأن الاقتصادي “نورالدين حبارات” لصحيفة صدى الاقتصادية: الوقود كما هو معروف سلعة إستراتيجية أساسية لحياة المواطنين ولا يمكنهم الإستغناء عنها حتى ولو ارتفعت أسعاره ويتأثر بها سلباً أكثر محدودي ومتوسطي الدخول، كما أن إتخاذ قرار برفع الدعم في الوقت الحالي بالذات قرار من القرارات الصعبة وذلك لما له من تداعيات وآثار سلبية على الأسعار ما سيزيد من إرتفاعها ويزيد من معدلات التضخم ويفاقم من معاناة المواطنين في بلد لا توجد فيه بنى تحتية كشبكة الطرق والسكك الحديدية ووسائل النقل العام والمطارات وغيرهم، وفي بلدٍ شاسع المساحة ومترامي الأطراف ولعل جميعنا رأى ماذا حدث في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول عدة مؤخراً من إرتفاع كبير لمعدلات التضخم وبشكل كبير بسبب إرتفاع فاتورة الوقود جراء الحرب الروسية والاوكرانية فما بالك بليبيا ؟ .
مُضيفاً: بالتأكيد ارتفاع الوقود يعني ارتفاع تكلفة نقل البضائع وتكلفة الإنتاج والتشغيل لارتفاع فاتورة الكهرباء والوقود وهذا كله سينعكس في إرتفاع السلع والخدمات سيما الأساسية خاصةً في ظل تآكل القدرة الشرائية لدخول المواطنين ومدخراتهم .
قال أيضًا: كما أن الحكومات السابقة والمتعاقبة تدرك تماماً تداعيات ذلك، وبالتأكيد فاتورة الدعم يعتريها الهدر والفساد نتيجة لأعمال التهريب التي تتم يومياً تقريباً لكن هذه مسؤولية الحكومة كان يفترض عليها حماية الحدود وضبط المخالفين واتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة حيالهم ، كما إنها تتحمل المسؤولية في عدم وصول إمدادات الوقود إلى مناطق الجنوب ومناطق عدة من البلاد .
نوه أيضًا إلى أن رفع الدعم بالتأكيد سيخفض كثيراً من أعمال التهريب ويقلص فاتورة واردات الوقود ومن ثم تخفيف العبء على الميزانية العامة ، لكن بدلاً من رفع الدعم يمكن استبداله بمقابل نقدي لكن هذا الأمر صعب أيضاً يتمثل في كيفية تحديد هذا المقابل وفي مدى ضمان التزام الحكومة بصرفه في مواعيده وبانتظام لأنه هناك توجس وتخوف من معظم المواطنين في عدم إلتزام الحكومة بذلك وإعادة سيناريو الدعم السلعي حيث رفع الدعم عن السلع منذ 2015 م ولم يدفع ديناراً واحد للمواطنين كمقابل نقدي .
وفي سياق حديثه قال كذلك: من وجهة نظري موضوع استبدال الدعم يحتاج أولاً لحكومة موحدة قوية في إطار حل سياسي شامل وفي إطار إصلاحات حقيقية اقتصادية شاملة يكون موضوع الدعم أحد بنودها وأن يتم الإستبدال بطريقة تدريجية مثلاً من 150 درهم إلى 250 درهم لفترة معينة ثم إلى 350 درهم ، كما يجب على الحكومة ضبط فاتورة الوقود وذلك بأن تكون تقديراتها دقيقة لحداً ما لإنه وكما يبدو هناك فائض كبير وهذا الفائض يتم تهريبه، كما يجب عليها تفعيل اجهزتها الضبطية وتنظيم استهلاك الكهرباء عبر الجباية الدورية وذلك بما يرشد الإستهلاك .
وفي الختام قال: يجب التذكير لا يمكن مقارنة ليبيا بدول مصر أو تونس والمغرب وغيرها فجميع هذه الدول لديها بنى تحتية وشبكات طرق ولا يمكن لنا مقارنة انفسنا بها، ومن الصعب معالجة تشوهات مزمنة في الميزانية بين ليلة وضحاها .
كذلك صرح وزير الدولة للشؤون الاقتصادية “سلامة الغويل” حصرياً لصحيفة صدى الاقتصادية بالقول أن اللجنة المشكلة ستعمل على ضرورة أن يتم تحصين قرار استبدال دعم المحروقات بالدعم النقدي بقانون لضمان استمرار تقديم الدعم للمواطنين وأن تتضمن الميزانية بند الدعم المباشر .
وأضاف “الغويل”: يجب على الدولة أن تلتزم بتقديم الدعم المباشر للمواطنين كما إلتزمت بشراء المحروقات لكي لا يتكرر سيناريو رفع الدعم عن السلع .
ومن جهته تحدث الخبير فى اقتصاديات النفط والاستثمار محمد الطاهر يوسف في تصريح له لصحيفة صدى الاقتصادية قائلًا: التهريب حرفة يمتهنها بعض الناس بين الدول عند وجود فروق بين أسعار السلع وهى مهنة من قديم الزمن، والتهريب فى الماضى تم لكل السلع المدعومة ولكن فى وجود سلطة فاعلة قائمة كانت صارمة فى التعامل مع المهربين بل من يسهل لهم الأمر على الحدود ويدفع من يقع فى قبضة السلطة ثمن ذلك بالسجن، وعليه كان ذلك فعلًا ( تهريب) لأنه خارج قنوات الدولة ومن دون علمها وبطرق جدًا مخفية، ولكن اليوم ما نراه فى ليبيا لم يعد تهريباً وهو يمارس فى وضح النهار وعلى أعين الاشهاد بل أصبح تجارة يمارسها أصحاب السلطة أو معارفهم أو وكلائهم .
أضاف كذلك: التهريب اليوم ظاهرًا فى الوقود حيث أن سعر اللتر من البنزين والديزل لا يتجاوز ( 150) درهم تقريباً عشر سنتات بسعر الدولار الرسمى قبل تعديله وأصبح بعد ذلك لا يتجاوز 4 سنتات فى حين يبلغ السعر فى أوروبا 1.8 دولار للتر الواحد وفى الدول المجاورة لا يقل عن دولار واحد للتر ، وأوضاع كهذه فتحت شهية الطبقة النافذة وفى غياب سلطة صارمة التهريب كحرفة مجزية لجنى الأموال الطائلة على أكتاف البسطاء الذين لا يجدون وقوداً فى المحطات ويجدونها بأسعار أخرى على قارعة الطريق .
كما نوه قائلًا: الحال هكذا لم يعد ما نشاهده اليوم من قوافل الشاحنات على الطرق وهى فى طريقها لتفريغ شحنتها فى الدول المجاورة أو قريبًا منها على اليابسة أو الشواطئ تهريباً بالمعنى الاقتصادى المعروف للتهريب بل هو سرقة ممنهجة لموارد الوطن لصالح فئة فاسقة لا تخاف الله ولا تخشاه دون أي رادع أو حزم من الأجهزة الرقابية القائمة ، وعليه وفى غياب سلطة صادقة صارمة وأمينة على أرزاق الليبين فإن الأمر لن يزيد إلا سوء وفساداً على كل المستويات .
مُضيفاً: وفى تصورى لمعالجة هذا الأمر يجب التفكير فى ضرورة إعادة تصور للدعم فى الوقود عند المحطة بل وضع صيغة مناسبة لمساعدة أصحاب الدخول المحدودة الأولى بالرعاية حال إقرار تصحيح أقول تصحيح مستوى الأسعار إلى مستوى لا يقل عن أسعار الدول المجاورة، وترتيب مراقبة حازمة فى الحدود البرية على أي تجاوزات مهما كانت صورتها وإحالة المخالف إلى العدالة ومحاسبته، وفى تصورى أيضًا أن الهدر القائم فى أسعار الوقود نتيجة التهريب للخارج أفرز ضرر بيّن ؛ الأول بخزانة الدولة خاصة وأن المنتجات تورد من الخارج ناهيك عن الإنتاج من المصافى المحلية ويتم توريدها بالطبع بأسعار السوق الدولية ويتم بيعها فى السوق المحلى بأسعار شبه لاشيء مما أهدر مبالغ طائلة .
أختتم الحديث بالقول: اقترح فى هذا الصدد أن يتم إنشاء صندوق تحال إليه المبالغ الفائضة بين السعر الحالى والسعر المقترح لإقراره تماشياً مع مستوى أسعار الدول المجاورة وليكن هذا الصندوق تحت رعاية مثلًا صندوق الانماء الاقتصادى والاجتماعى يصرف منه ما تستحقه أصحاب الدخول المحددة وفق معادلة يتم اقرارها حسب الاستهلاك المعتاد شهريًا من الوقود ويستثمر الباقى على شبكة الطرق والمواصلات .
كما صرح عميد بلدية براك الشاطئ “الجيلاني علي” لصحيفة صدى الاقتصادية قائلًا: أن قرار استبدال دعم الوقود بالدعم النقدي هو قرار غير مناسب وبالأخص في مناطق الجنوب وذلك لأن الطبيعة الجغرافية لمناطق الجنوب مترامية وبعيدة عن بعضها والمواطنين، مناطق الجنوب يحتاجون إلى تنقل يومياً بين مسافات بعيدة بسبب أعمالهم ومشاغلهم اليومية .
وأضاف “الجيلاني” بأن وضع تزويد محطات الوقود أفضل من السنوات السابقة كما أن سعر البنزين انخفض إلى 1.10 دينار للتر الواحد .
أشار الجيلاني أيضًا إلى أهمية تعاون الجهات الأمنية لوقف عمليات التهريب وعدم التزام بعض المحطات بالتوزيع .
أما الخبير الاقتصادي “علي الصلح” قد قال في تصريح له لصحيفة صدى الاقتصادية بأن استبدال الدعم أمر ضروري جدًا حيث يسهم في تخفيض فاتورة الإنفاق ويخلق فرص أكبر للاستقرار المالي.
وأضاف قائلًا: الاقتصاد الوطني يتحمل أكثر من 70% من دعم الوقود من الخارج وهذه الفاتورة باهضة الثمن في ظل ارتفاع سعر الصرف الحالي، وبالتالي حجم الوحدات النقدية من العملة الليبية تضاعف بينما يشكل الإنتاج المحلي من الوقود 30% من الإنتاج، وتعويض الباقي من فاتورة الاستيراد الخارجية .
قال كذلك: من المنطق أن يكون هناك توازن جديد للدعم المالي، وهذا التوازن ينطلق من استبدال الدعم (فرق الفاتورة) إلى استهداف جملة من الأسعار والدخول، وعلى الجانب الآخر لهذا التمهيد السابق ينطلق من تخفيف عمليات التهريب وتحويل هذه العمليات إلى تجارة ودخل وطني يسهم في زيادة الناتج المحلي، وأعطى فرص الاستثمار في مجال تكرير النفط وخلق سوق جديد في الاقتصاد الوطني .
بين مؤيد ومعارض من قرار استبدال دعم المحروقات ، يبقى الجدل قائماً حول هذا الموضوع، ووسط تقارير دولية باستمرار تهريب الوقود ومع فروقات أسعاره ما بين المدن هل ستحسم الدولة آخيراً الوضع بعد تشكيلها لجنة لدراسة آلية الإستبدال أم سيظل كغيره من القرارات المركونة على الأرفف ؟