Skip to main content
حبارات يكتب: ما المقصود بالإحتياطي الإستراتيجي وما هي أهميته وهل تعمل حكوماتنا بهذا المفهوم ؟
|

حبارات يكتب: ما المقصود بالإحتياطي الإستراتيجي وما هي أهميته وهل تعمل حكوماتنا بهذا المفهوم ؟

كتب الخبير والمهتم بالشأن الاقتصادي “نور الدين حبارات” مقالًا قال فيه:

الاحتياطي أو المخزون الإستراتيجي أو ما يعرف ب Strategic Stock هو تلك السلع أو البضائع أو المواد التي عادةً ما تحتفظ بها الحكومة كانت أو مؤسسة في مخازنها للإستعانة به عند الحاجة أو اللزوم ، وتتجسد إستفادة الحكومات والمؤسسات من هذا المخزون بمدى إلتزامها بإقرارها ووضعها للسياسات والخطط اللازمة لإستخدامه وتقييمه دورياً .

وتقوم جميع حكومات العالم بتكوين مخزونها الإستراتيجي للعديد من السلع الأساسية كالحبوب أو الغداء بكافة مكوناته بما فيها الدقيق وزيت الطهي ومعجون الطماطم والسكر والشاي وحليب الأطفال وغيرها إلى جانب مخزون الأدوية سيما المتعلقة بالأمراض المزمنة والخطرة عفانا الله وعافاكم وكذلك الوقود بشقيه البنزين والديزل والغاز وذلك بهدف تفادي نفاذها لإن ذلك من شأنه أن يتسبب في إضطرابات سياسية واجتماعية واقتصادية لا يحمد عقباها .

وعادةً ما تغطي هذه المخزونات حاجة إستهلاك البلد لفترة من ثلاثة إلى ستة أشهر وأحياناً أكثر وذلك وفق لخصوصية وظروف كل بلد .

فمثلاً عندما يقال أن بلداً ما مخزونه الإستراتيجي من الغذاء أو الوقود يكفي لمدة أربعة أشهر ، فهذا يعني أن حكومة هذا البلد تستطيع توفير احتياجات المواطنين من تلك السلع لمدة أربعة أشهر وبأسعارها المعتادة دون أي مشكل وذلك في حال تعطل الإمدادات أو تأخر إستيرادها أو في حال زيادة الطلب وارتفاع أسعارها .

والمخزون الإستراتيجي للدول يتم تكوينه تحت إشراف مباشر من الحكومات وذلك عبر الهيئات والمؤسسات المختصة التابعة لها ويحتفظ به في مخازنها وذلك على غرار صندوق موازنة الأسعار سابقاً في ليبيا وديوان الحبوب في تونس وهيئة التموين في مصر وكذلك مستودعات شركة البريقة لتسويق النفط بليبيا وذلك فيما يخص مخزون الوقود ومخازن جهاز الإمداد الطبي فيما يتعلق بالأدوية .

ويتم احتساب تقدير المخزون الإستراتيجي وفق لإحصائيات ودراسات اقتصادية وطرق رياضية عدة أبرزها طريقة مخزون الأمان Safety Stock وطريقة إعادة نقطة الطلب أو ما يعرف ب Re-Order Point .

هذا ويكتسي المخزون الإستراتيجي أهمية قصوى فمن خلاله يتم سد الإحتياجات من تلك السلع أثناء نقصها لدى مصدرها أو في حال تعطل أو تأخر إستيرادها ، كما يوازن بين العرض من هذه السلع وبين حجم الطلب عليها وذلك بهدف إستقرار أسعارها ويعتبر هذا المخزون أيضاً رافد وداعم للحكومات أثناء حالات الركود التضخمي Stagflation جراء ارتفاع الأسعار وتراجع الطلب بسبب ضعف القدرة الشرائية لدخول ومدخرات المواطنين كما يساعد هذا المخزون في مواجهة تقلبات الأسعار الغير متوقعة جراء الإنخفاض المفاجيء للإنتاج المحلي أثناء الكوارث الطبيعية والاضطرابات السياسية .

وبالعودة إلى محور موضوعنا نجد وللأسف أن حكوماتنا لا تؤمن أو لا تعمل بعد المفهوم إطلاقاً أي بالمخزون الإستراتيجي وهذا ليس مجرد كلام بل واقع عشناه ولازلنا نعيشه اليوم وخير دليل على ذلك الطوابير الطويلة والازدحام المتواصل على محطات الوقود لأيام والذي وصل الأمر بشأنها حتى لفقد بعض المواطنين لحياتهم ، فإذا كان لدى شركة البريقة مخزون إستراتيجي من البنزين والغاز لما حدثت هذه البهدلة والمعاناة ولما إنقطعت الكهرباء ولفترات طويلة بدعوى نقص الغاز .

كما لا يوجد لدينا مخزون أو إحتياطي إستراتيجي من الغذاء ولقد رأينا كيف أرتفعت أسعار الدقيق ورغيف الخبر والزيوت ومعجون الطماطم عند اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير الماضي .

وإذا كان لدينا مخزون إستراتيجي غذائي لما تم السحب منه للحد من إرتفاع الأسعار و إستقرارها .

كما إني أستغرب تصريح وزير الاقتصاد بحكومة الوحدة الوطنية في وقت سابق بأن ليبيا لديها إحتياطي إستراتيجي من القمح يكفي لأكثر عام .

والسؤال هو ، كيف والحكومة لم تعد تدعم الغداء وليس لديها مؤسسة تعني بإستيراد هذه السلع على غرار دول الجوار وليس لديها مخازن ولا تمتلك حتى قاعدة بيانات عن كمية ونوعية السلع الغذائية الأساسية التي يتم إستيرادها ؟
كما إن المخزون من هذه السلع والمتواجد لدى مخازن القطاع الخاص لا يعد من ضمن المخزون الإستراتيجي للدولة، فهذا المخزون تم شراءه بالسعر التجاري وليس بسعر تفصيلي ومخصص لغرض الربح وليس بهدف التأمين ضد تقلبات الأسعار عند إرتفاعها لأي سبب كان بهدف مساعدة الفقراء ومحدودي الدخل ، فهذه مسؤولية الحكومة لا التجار .

والحال نفسه فيما يخص الأدوية المتعلقة بالأمراض المزمنة والخطرة واللقاحات والتطعيمات التي عادةً ما تتعرض مخزوناتها للنفاذ وتعطل إستيرادها وتعريض حياة العديد من المواطنين للخطر رغم أن الدولة تشرف مباشرة على استيرادها من خلال جهاز الإمداد الطبي خصماً من مخصصات الدعم .

وفي الختام ما يجب أن تدركه حكوماتنا هو أن مسألة توفير الإحتياجات الأساسية للمواطنين مسؤولية تقع على عاتقها من خلال دراسات وخطط وإستراتيجيات وجهد وشغل مستمر وليس من خلال مبررات وتصريحات إعلامية جوفاء واهية سئم المواطنين سماعها .

مشاركة الخبر