كتب: نورالدين حبارات المهتم بشأن الاقتصادي مقالاً
أزمة السيولة التي تعانيها البلاد منذ قرابة تماني سنوات ، هذه الأزمة لا يمكن معالجتها طالما أسبابها أو مسبباتها لازالت قائمة لعل أبرزها .
1- حالة عدم الإستقرار جراء إستمرار تردي الوضع الأمني الذي أصبح هاجس لدى المواطنين وزاد من مخاوفهم في فقدانهم للثقة في النظام المصرفي وإستمرار إحجامهم عن إيداع أموالهم بالمصارف .
2- عدم قدرة المصارف على خلق النقود أو ما يعرف ب Money Creation نتيجة تعطل أبرز أدوات السياسة النقدية المتمثلة في سعر الفائدة وذلك بعد سريان القانون رقم (1) لسنة 2013 م بشأن حظر التعامل بالفوائد الربوية وعدم إعتماد المركزي لنظام بديل له يلبي الغرض و الحاجة .
فسعر الفائدة أداة مهمة جداً في التأثير على حجم السيولة خارج النظام المصرفي ، حيث من خلال رفعها يتم تحفيز المواطنين و رجال الأعمال على الإدخار من خلال إيداع أموالهم بالمصارف بدلاً من الإحتفاظ بها في بيوتهم مقابل حصولهم على عوائد ، وفي حال تكدس السيولة بالنظام المصرفي أي أثناء حالات الركود يتم خفض سعر الفائدة حتى الصفر بل تصل أحياناً إلى معدلات سالبة وذلك بهدف دعم القدرة الشرائية للمواطنين والشركات لتحريك وإنعاش الاقتصاد وإنتشاله من تلك الحالة .
3- تزايد الإنفاق العام على مختلف أبواب الميزانية ، فالإنفاق العام أصبح اليوم يعادل قرابة %250 من معدلاته في 2016 م و 2017 م .
وزيادة هذا الانفاق تعني لنا زيادة في دخول المواطنين وهذا يؤدي إلى زيادة معدلات الأستهلاك لديهم ما يعني زيادة طلبهم أكثر على السيولة .
4- التراجع الحاد في الإيرادات السيادية من ضرائب على دخول الأنشطة الاقتصادية وجمارك ورسوم خدمات مما حرم المصارف من أموال كان يمكن أن تدعم بها أرصدتها السائلة بدلاً من بقائها لدى أصحابها بسبب إهمال الحكومة لجبايتها ، فهذه الإيرادات لا تمثل حتى %02 من إجمالي الإنفاق العام .
5- تنامي الدين العام المصرفيPublic Dept الذي يناهز اليوم قرابة 153 مليار دينار وعدم إتخاد الحكومات السابقة والمتعاقبة لإي إجراءات لإطفائه تدريجياً عملاً بأحكام القانون رقم (15) لسنة 1986 م بشأن الدين العام الذي يلزمها بإستقطاع ما نسبته %.05 من إجمالي الإيرادات النفطية سنويا لإستهلاك أقساطه ، فضلاً عن توقف العمل بقانون الاحتياطي الذي يلزم تلك الحكومات بتخصيص ما نسبته %15 من الإيرادات النفطية لحساب الإحتياطي العام General Reserve Account بدلاً من التوسع في الإنفاق عبر السحب من ذلك الحساب مما ساهم في النهاية في تزايد المعروض النقدي بشقيه داخل النظام المصرفي و خارجه .
6- إرتفاع معدلات التضخم و إنخفاض القدرة الشرائية للدينار لأي سبب كان زاد من تفاقم أزمة السيولة ، فإذا كان مبلغ 1000 دينار يكفي في السابق حاجة المواطنين لمدة شهر، فاليوم مبلغ كهذا لا يكفي إحتياجاتهم لأسبوع .
وفي الختام بالتأكيد هناك أسباب أخرى لهذه الأزمة المزمنة والمعقدة التي فاقمت من معاناة المواطنين ، لكن يبقى ما تم ذكره أبرز أسبابها ، وطرق معالجتها تبقى ممكنة عبر إقرار سياسات نقدية ومالية ناجعة منسقة شريطة إرتكازها على حل سياسي شامل ودائم يوحد مؤسسات الدولة ويحقق الأمن ويرسيئ الإستقرار في كافة ربوعها .
ولإن طريقة تعاطي المركزي معها حالياً للتخفيف من حدتها مكلفة جداً و لها تداعيات سيئة على الاقتصاد رغم تفعيله من جانب أخر لأدوات الدفع البديل المختلفة التي يبدو لم تعد كافية .
حيث تتم تلك الطريقة من خلال التفريط في عملة أجنبية إحتياطية ( الدولار ) في سبيل الحصول على عملة محلية ( الدينار ) وذلك عبر بيع المركزي للنقد الأجنبي لكافة الأغراض .
فاليوم الدينار الذي يخرج من المصارف لا يعود إليها إلا عبر الإعتمادات المستندبة والحوالات الشخصية فقط .