كتبت المحامية ثريا حسن الطويبي مقالاً حيال مذكرة التفاهم ما بين ليبيا وتركيا بالإشارة لمذكرتي التفاهم التي وقعتا من حكومتي الوفاق والوحدة الوطنية مع الدولة التركية، واللتان لاقتا قبولا عند البعض ومعارضة عند آخرين، فإنني أفيدكم بالآتي:
1 – إن القول بأن الاتفاق المعنون “مذكرة تفاهم” غير ملزمة قول جانبه الصواب، فالمسميات والعناوين ليست هي العبرة، إنما المضمون وما ترمي له النصوص من معان باستخدام الألفاظ والمصطلحات التي تكون الفاصل في ماهية الاتفاق الموقع، فلا مجال لأن نقول أن هذا الاتفاق ملزم من عدمه لمجرد تسميته مذكرة تفاهم أو ورقة عرفية، حتى لو تضمن الاتفاق نصا واضحا صريحا ينص على انها غير ملزمة. ومما تجدر الاشارة اليه أن القصد من تسميتها مذكرة تفاهم هو التنصل من عرضها على مجلس النواب للتصديق عليها.
2 – أن ابرام الإتفاقيات ليس من اختصاصات حكومات تصريف الاعمال والحكومات المؤقتة. ونبدأ باالحديث عن الاتفاقية الموقعة من حكومة الوحدة الوطنية تحت مسمى مذكرة تفاهم.
أولا: من حيث الصلاحيات: تنص “وثيقة البرنامج السياسي للمرحلة التمهيدية للحل الشامل ” في المادة السادسة الفقرة 10 ضمن أولويات السلطة التنفيذية على أنه” لا تنظر السلطة التنفيذية خلال المرحلة التمهيدية في أي اتفاقيات أو قرارات جديدة أوسابقة بما يضر باستقرار
العلاقات الخارجية للدولة الليبية أو يلقي عليها التزامات طويلة الأمد” وبالتالي بالاضافة إلى أن حكومة الوحدة الوطنية قد أصبحت حكومة تصريف أعمال لا تملك توقيع اتفاقيات أو مذكرات تفاهم فإنها حتى في الوثيقة التي انبثقت منها كحكومة مؤقتة لم تمنح اختصاص ابرام اتفاقيات أو اتخاذ قرارات تخلق إلتزامات على الدولة الليبية.
ثانيا: من حيث الموضوع: بعد اطلاعي على مذكرة التفاهم الموقعة بين كل من تركيا وليبيا, “التعاون في مجال الهيدروكربونات”, فإنني افيدكم بالأتي:
- تنص المادة الثانية في الفقرة 3 من ما سمي “بمذكرة تفاهم”على أن الطرف الليبي بموجب هذا يضمن أن المؤسسة الوطنية للنفط ستبرم الاتفاقيات/العقود الضرورية مع شركة TPAO بما في ذلك التحالفات ( ترجمتها الاصح يضمن الائتلافات) التي ستشارك فيها TPAO وفقا للاجراءات المعمول بها في ليبيا من أجل تحقيق العمليات البترولية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، التنقيب والتقييم والتطوير والانتاج، الفصل والمعالجة والتخزين والنقل، الحقول والمناطق البرية والبحرية الحالية والمستقبلية التي تفضل TPAO الانضمام إليها دولة ليبيا”، هذا النص بدأ بمصطلح يضمن الطرف الليبي، وللضمان تعبير وإلتزام أقوى وأوسع من بدء النص بكلمة يتفق، فالضمان هو الالتزام بأداء حق عن الغير، وأيضا هو التغطية المالية التي تقدم تعويضا عن واقعة مؤكدة الحدوث، وبالتالي وضعت هذه المادة التزام ضامن على عاتق ليبيا بالتنفيذ أو التعويض وضمنت لتركيا عبر الشركة المذكورة حق امتياز على كل الاراضي الليبية برا وبحرا في المياه الاقليمية والمنطقة الاقتصادية، وتضمن أيضا الحكومة الليبية ابرام العقود والاتفاقيات في التنقيب والانتاج والتطوير وصولا للتخزين والنقل في المناطق البرية والبحرية حاليا ومستقبلا، وهذا الضمان هو التزام بمنح عقود احتكار امتياز مع الشركة المذكورة وأي ائتلاف شركات أخرى تشارك فيه سيكون له نفس الامتيازات. أي أنه احتكار كامل وحرمان الشركات المحلية والاجنبية المتخصصة وتنازل ضمني عن حق ليبيا في اختيار الافضل للتعاقد والمنافسة، في التعاقدات الحالية والمستقبلية، في مجال القطاع النفطي إلا بالتعاقد او الاتتلاف مع الشركة التركية المذكورة. وهذا مخالف لقانون النفط الذي يفرض على من يرغب في الحصول على عقود امتياز أن يقدم للجنة المختصة وأن يحدد المناطق التي يرغب في التعاقد عليها ولا يجوز أن يأخذ امتياز لعدد غير محدود من المناطق، وهذه المادة أيضا أضفت صيغة الالزام على الاتفاقية وأوقفت مفعول المادة الاولى التي تنص على عدم إلزام الاتفاقية، بل ألغتها ضمنياً.
- بالرجوع لقانون المؤسسة الوطنية للنفط رقم 24 لسنة 1970 بشأن المؤسسة الوطنية للنفط نجد أن هذه الاتفاقية احالت اختصاصات المؤسسة الوطنية للنفط للشركة المذكورة والمنصوص عليها في المواد من 8 الى 10 الى الشركة التركية بما فيها بيع وتجارة ومد أنابيب النفط والغاز والنقل وغيرها بحيث لا تقتصر على مناطق محدودة لمنح الامتياز بل بشكل مطلق لا محدود.
- تنص الديباجة على ان المذكرة “مجرد مقترحات غير ملزمة”وهنا قد يطمئن السامع بأن هذه المذكرة مجرد دردشة ومقترحات واحلام, أي انها لن تدخل حيز التنفيذ ولن تلزم الطرفين، ويمكننا التوقف عن العمل بها إن رغبنا في أي وقت، كما ذكر السيد وزير الاقتصاد الموقع عليها، معتقدا أنه لا توجد تبعات إن انهيناها في أي وقت. ولكن عند التمعن في نص المادة السابعة فقرة 1 والتي تنص على أن ” تدخل الاتفاقية حيز في تاريخ استلام اخر اخطار كتابي يقوم من خلاله الطرفان بإبلاغ بعضهما البعض, من خلال القنوات الدبلوماسية, باستكمال اجراءاتهما الداخلية اللازمة لدخولها حيز التنفيذ.” نجد نص المادة هذه يحول الاتفاق من حالة عدم الالزام للتنفيذ إلى حالة
التنفيذ الالزام للتنفيذ عندما يتم اتخاذ الاجراءات الداخلية حسب القوانين الليبية, وعند الدخول لحيز التنفيذ فإنه لم يعد مهما إلزامها من عدمه، فالالزام يخص تقيد المتعاقد بالتنفيذ أو الاخلال به أو التنصل منه، فإن استنفذت الاجراءات الداخلية تحت اشراف حكومة تصريف الاعمال كحكومة واقع، فستنتقل من اللا-إلزام لحالة الالزام، ولا يجدي عدم موافقة مجلس النواب، وحكومة الاستقرار اليوم بالقول بأن مجلس النواب وحكومة الاستقرار رفضا الاتفاقية، ففي ليبيا أدركنا أن مصلحة من هم على الكراسي أهم من مصلحة الوطن، واعداء الأمس أصبحوا تحالف اليوم، و.السيد رئيس الوزراء في حكومة الاستقرار أحد الموافقين على التوقيع على الاتفاقية البحرية مع تركيا سنة 2019 والتي كانت مقايضة بالاتفاقية الامنية للحماية من حليف اليوم. - تنص المادة الخامسة تحت عنوان تسوية المنازعات على أن يتم تسوية اي نزاع ينشأ بين الطرفين نتيجة تفسير او تطبيق او تنفيذ هذه الاتفاقية “وهذا النص فيه تنازل عن حق ليبيا في اللجوء للقضاء, أوالتحكيم, في حالة اختلاف الطرفين على تفسير بنوذ الاتفاق، وهو أخطر نص قانوني يصاغ في أي اتفاق عادي أو عقد تجاري، فما بال وديا من خلال التشاور و/ او المفاوضات بين الطرفين اتفاقية بين دولتين تمنح امتياز على كل أراضي ليبيا، مصاغة في ثلاث صفحات هزيلة مختصرة غير مفصلة، وأي اختلاف أو نزاع سيمتد أمده لسنين طوال، حتى تنهي تركيا كل أعمالها في ليبيا، بسبب الاتفاق على حل الخلاف عبرالمفاوضات الودية فقط..
- تنص المادة السابعة فقرة 1 على أن تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ في تاريخ استلام آخر اخطار كتابي يقوم من خلالها الطرفان بإبلاغ بعضهما البعض, من خلال القنوات الدبلوماسية, باستكمال اجراءاتهما الداخلية اللازمة لدخولها حيز التنفيذ وان هذه المادة يشوبها الغموض في عدم ذكر ما هي الاجراءات الداخلية اللازمة لدخول الاتفاقية حيز التنفيذ، وهذا النص سيكون مجال اختلاف في التفسير للنص, ولن نتمكن من حل الاختلاف او النزاع الا بطرق ودية طويلة الأمد، وكل طرف سيتبادر لذهنه اجراء معين فهل الاجراءات تعني التسجيل أو الحصول على التراخيص أو تصديق البرلمان.
- تنص المادة 7 فقرة 3.” يجوز انهاء هذه الاتفاقية من قبل اي من الطرفين في اي وقت عن طريق اعطاء اشعار كتابي مسبق بثلاثة أشهر” وهذا النص جعل المواطن الليبي مطمئنا إلى أن الاتفاقية إن ألغيت في أي وقت فسوف تنتهي وتوقف كل آثارها ، ولكن هذا النص ألحق بنص أخر في الفقرة 4 والذي ينص على أن ومفاده أن هناك تلاعب الالفاظ يجعل الاتفاقية سارية، وكل الأعمال التي أنهت مرحلة التنفيذ
والتي لا تزال خلال إجراءات التنفيذ سارية، فالإنهاء سيشمل أي أعمال جديدة فقط، ومنفصلة عن التي دخلت مرحلة الاجراء أوالتنفيذ، ومدة ثلاث سنوات أو أشهر تكفي الشركة للبدء في أعمالها الجارية، لتتمكن من الحصول على أكبر نسبة من المناطق والمنافع ولو لم يتم التنفيذ الفعلي، وبالتالي لا مجال للقول بإن الاتفاقية مجرد مذكرة تفاهم غير ملزمة وبالتالي لا خوف من توقيعها وإلغائها لأن تركيا ستدفع بأن كل
لن يؤثر إنهاء أو انتهاء هذه الاتفاقية على الأنشطة والمشاريع الجارية بالفعل أو المنفذة”، المناطق تحت الاعمال الجارية وبالتالي لا تتأثر بالانهاء. - كلنا يأمل أن تتقيد حكومة الوحدة الوطنية بالاختصاصات المسندة إليها والتي تمنعها صراحة من الخوض في أي اتفاقيات، ولكن من منطلق قرارات حكومة الواقع والتي تبسط سيطرتها على الاراضي التي شملتها هذه الاتفاقية أو جزءا منها فإنه في هذه
الظروف السياسية والأمنية لن يحول شيء عن دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في الاراضي الواقعة تحت سيطرة حكومة الوحدة الوطنية، وخاصة بعد تصريح اردوغان بالمشروع بالتنقيب في المياه الاقليمية. عندها يكون قد تحقق الغرض من الاتفاق سواء كان قانوني أو غير شرعي ولا يمكن الانفكاك منه.
يتبع الجزء الثاني وهوتحفظاتي عن ما سمي مذكرة التفاهم لترسيم الحدود البحرية وتقبلوا مني قائق التقدير .