كتب: الخبير الاقتصادي “إبراهيم والي” مقالاً
لعبت مصارف القطاع العام التجارية الخمسة المحلية بما فيها المصرف الليبي الخارجي قبل 2011م دوراً قومياً رائعاً في الحفاظ على استقرار الاقتصاد القومي لفترة طويلة منذ تأميمها أو تلييبها وتسليمها الى أيدٍ ليبية وطنية عمالقة في لصناعة المصرفية مثل الأساتذة المرحوم رجب عبد الله المسلاتى- فرج قمرة – عبد الله عمار السعودي – المرحوم بشير الزقني – والمرحوم إبراهيم الهلاوى – المرحوم عبد القادر الرقيعى – والمرحوم حمودة الأسود- الاستاذ/الهادي الجطيلى المرحوم جمعة سعيد جمعة – والمرحوم محمد إبراهيم حمودة – الاستاذ/عياد الصيد دحيم والمرحوم محمد حسن النحايسى اللهم أمنح الصحة والعافية وطول العمر على طاعة الله للأحياء منهم والمغفرة والرحمة للأموات منهم , والكثير من الوطنيين الشرفاء الذين غابوا عن ذاكرتي أرجوكم أذكروهم في تعليقاتكم حتى يتعرف عليهم جيل المصارف في زمننا المتردي والاليم في هذا الوقت العصيب.
في ذلك الوقت مصارف القطاع العام كانت خلالها ملاذاً لكافة المستثمرين والمدخرين في ليبيا صغاراً وكباراً أفرادا وشركات وحتى المصانع الإستراتيجية التي أُسسها النظام السابق التي انتهت وانهارت لسوء إداراتها وسرقتها كانت بدعم من المصارف الوطنية الليبية.
كانت المصارف الليبية العامة هي دائماً الأكثر استقراراً وأمناً على مدار السنوات الماضية قبل سنة 2011 لم تتعرض لتقلبات أو خسائر وذلك بفضل جهود موظفيها الوطنيين فى ذلك الوقت وخبرتهم التي حافظت على أدني مستوى لاستقرار الاقتصاد الوطني وخاصة أثناء الحصار الجائر الذي فرضته علينا أعتي الدول ظلماً وجبروتاً وهي الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة والتي استمر قرابة الثماني سنوات حيث استطاع الجهاز المصرفي في ليبيا المحافظة على الأرصدة الليبية والهروب بها من إجراءات التجميد وانقاد وطننا الحبيب من شبح المجاعة والفقر والأمراض، كما هو في دول أخرى في ذلك الوقت مثل “العراق التى سُلبت منها ثروتها النفطية وفُرض عليها النفط مقابل الغذاء”, هذا بالإضافة إلى استرجاعنا لأموال الشعب الليبي التي جُمدت في أوقات الحصار عن طريق المحاكم الدولية، وبذلك تمكن الجهاز المصرفي في ليبيا وبمساعدة شبكة مساهمات المصرف الليبي الخارجي المنتشرة في معظم بلدان العالم وبما لها من علاقات مصرفية دولية من المساعدة في التقليل من تأثير الحصار الاقتصادي المضروب على ليبيا وذلك بتقديم التسهيلات المصرفية وتعزيز الاعتمادات وتقديم الضمانات للمصارف التجارية والشركات والمؤسسات التي تملكها ليبيا في الداخل والخارج والمحافظة على الأموال الليبية وانسياب السلع التموينية والصناعية والمواد الخام مما حافظ على دوام استمراريتها لتقديم الخدمة المصرفية للاقتصاد الوطني بتكلفة بسيطة.
بالإضافة إلى ذلك لعبت المصارف العامة في ليبيا دوراً اجتماعياً هاماً حيث ساهم الدعم الذي قدمه القطاع المصرفي العام في تمويل مراكز الأبحاث والمستشفيات ودور المعرفة والمراكز الثقافية والاجتماعية في إحياء العديد من المشروعات البحثية والصحية ما كان لها أن تقوم لولا هذا الدعم المصرفي العام , كانت مصارف القطاع العام الخمسة بالإضافة الى مصرف ليبيا المركزي والمصرف الليبي الخارجي والمصارف المتخصصة كانت مثالا للوطنية والتفاني في خدمة الوطن والمواطن.
إلا أنه في هذا الوقت العصيب لم يقتصر الصراع المحموم وأزمة الشرعيات بين الأجسام في ليبيا، على ضياع وإفساد إدارة البلاد فقط ، بل وصل إلى القطاع المصرفي، والذي كان آخر ضحاياه مصارف القطاع العام ومصرف ليبيا المركزي والمصرف الليبي الخارجي وبقية المصارف المتخصصة ، والتي دخلت في دائرة صراع الشرعيات بين الأجسام المختلفة في البلاد والتي تمزقها الأجندات الخارجية والتعنت الداخلي، بعد أن ظل القطاع المصرفي خلال السنوات الماضية ما قبل سنة 2011تحت مظلة إدارة موحدة وبعيدا عن دوامة الانقسامات والصراعات.
للأسف أصبح الفساد واختلاس أموال المودعين والتلاعب بحساباتهم وسرقتها من خلال سحوبات نقدية باستعمال صكوك مصرفية غير مدرجة في بيانات حسابات الزبائن، وإجراء تحويلات مصرفية داخلية دون طلب من مديري الحسابات المفتوحة من طرف المصرف والكثير من جرائم الفساد والمالي والإداري هو الشغل الشاغل لمكتب النائب العام والاجهزة الأمنية بسبب الفساد المستشري في القطاع المصرفي خاصة ومؤسسات الدولة عامة كل هذا نتيجة لعدم تناسب المؤهلات العلمية لكثيرمن شاغلي المناصب القيادية بالقطاع المصرفي الليبي مع متطلبات الوظيفة التي يشغلونها وعدم أو ضعف الرقابة الإشراقية من طرف مصرف ليبيا المركزي المسؤول الاول على هذا القطاع الحساس.
هذا يعنى عدم وجود متطلبات الحوكمة السليمة في القطاع المصرفي الليبي وكما نعلم جميعا ان الحوكمة الضعيفة في قطاعنا المصرفي تسببت له فى مشاكل مالية حادة, كـل هـذا أدى إلى منح الفرص المواتية لبعض أعضاء الادارة التشريعية والتنفيذية وضعاف النفوس من السرقة والتزوير والفساد المالي في الوقت الذى يجب فيه أن يكون مجلس الادارة والادارة العامة يتطلعون بمهامهم بإتباع القوانين والمنشورات الصادرة عن مصرف ليبيا المركزي بالإضافة الى إتباع المعايير الدولية للحكومة.
أهمها :- 1- يجب على المصرف أن يكون ملتزماً بشكل صادق بالحكومة المصرفية.
2- يجب على مجلس الإدارة أن يحدد بوضوح أهداف المصرف، والمسؤوليات لتسهيل المحاسبة والمتابعة.
3- يجب أن تكون مهمات أعضاء المجلس محددة بشكل واضح ومعلنة حسب النظام الأساسي للمصرف.
4- يستطيع المجلس أن يُفوض بعض صلاحياته لكنه لا يستطيع أن يفوض أي من مسؤولياته المطلقة، ويجب أن تكون الرقابة وقيادة المصرف بين يديه وهذا لم يُطبق الا عند القليل من المصارف.
5- يجب أن يملك المجلس تركيبة ملائمة وهيكلية بحيث يكون هناك توازن وفصل بين الوظائف التنفيذية وغير التنفيذية (ومن الأفضل أن لا يكون رئيس مجلس الإدارة هو نفسه الرئيس التنفيذي وهذا من إختصاص مصرف ليبيا المركزي.
6- يجب على المجلس أن يشكل اللجان الملائمة ويحدد أعمالها( لجنة التدقيق- لجنة المخاطر – لجنة التعيينات والمكافآت – لجنة الحوكمة , ويجب على هذه اللجان أن تقوم بدورها كاملا.
7- يجب تبني رقـابـة داخـلـيـة فـعًـالـة وتطبيقها على أرض الواقع مع استقلالية إدارة المراجعة الداخلية من الناحية الهيكلية بالمصرف، بحيث لا تقع تحت سلطة المدير العام تطبيقا للمادة (81) من القانون (1) السنة 2005 بشأن المصارف والمعدل بالقانون رقم (46) لسنة 2012م.
8- يجب أن تكون هناك إدارة مخاطر فعًالة تتبع لجنة المخاطر التابعة لمجلس الادارة ، لقياس وإدارة المخاطر التشغيلية بالإضافة إلى مخاطر الائتمان والسوق وأن تكون ضمن أقسامها قسم أو وحدة للامتثال , كما يجب على المصرف أن يتبنى آلـيـات ملائمة للشفافية والافصاح.
إن غياب الحوكمة وغياب الشعور بالوطنية وتدنى المؤهل المهني والإداري جعلت المصارف التجارية غير قادرة على تحريك أرصدتها بحرية وأنا نستغرب من صمت السلطات التشريعية والرقابية من إستمرار صمتها على المصرف المركزي الذى يُجرى عملياته بطريقة أُوحادية الجانب ولا يعمل من خلال مجلس الادارة الذى لم يجتمع لأكثر من سنة وبسببه لا تزال المقاصة مقفلة والمنظومة مقفلة , وعليه يجب تفعيل كل أدوات وإختصاصات مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي, والا سوف نرى وأمام أنظارنا إنهيار القطاع المصرفي الليبي نتيجة هذا التسيب والاهمال ليسود الفساد وإهدار المال العام وإتاحة الفرصة لسراق المال العام والمهربين عنده لا يمكن معالجة ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض عرض النقود بأكثر من 20%، وتدهور قيمة الدينار الليبي أمام العملات الاجنبية وطغيان السوق الموازية والتي من المفترض أن يسيطر عليها مصرف ليبيا المركزي بدل العكس , وأن يكون فيه سياسة مالية وسياسة نقدية متفق عليها بحيث يكون فيه تناغم بين الدولة والمصرف المركزي يعملان كجهاز واحد , المصرف المركزي يسيطر على سعر الصرف والسيولة والحد من التضخم , والدولة تقوم بضبط إنفاقها وهذا الانفاق يجب أن يكون موجها لخلق فرص عمل في القطاع الإنتاجي وليس خلق وظائف جديدة في الكادر الوظيفي , الذى هو أصلا يمثل عبأ كبيرا على ميزانية الدولة.
وأخير العملية وضحت بأننا لدينا مشكلة خطيرة وهى:- الزيادة في الصرف يقابلها ضعف في الدينار الليبي مقابل الدولار, وهنا يجب أن يكون الصرف منتجا ولا يكون استهلاكيا ويجب أن نعمل على تقوية الدينار الليبي بحيث يكون المواطن الليبي المسكين يغطي حاجياته الاساسية .