Skip to main content
أبوسنينة يكتب: مبادرات الإصلاح والتطوير لماذا لم يتحقق شىء ؟
|

أبوسنينة يكتب: مبادرات الإصلاح والتطوير لماذا لم يتحقق شىء ؟

كتب: الخبير الاقتصادي محمد أبوسنينة

نسمع ونقرأ عن الكثير من المبادرات والأفكار ( غير السياسية ) والتوجهات التي تطرحها أو تقترحها مؤسسات محلية ومنظمات ودول ومؤسسات دولية مختلفة ، أو توصيات تصدر عن مؤتمرات ومنتديات محلية ودولية ، أما لتطوير قطاع معين أو إدخال خدمة جديدة أو استحداث نشاطات اقتصادية مبتكرة في ليبيا ، أو معالجة مشكلة اقتصادية قائمة في الدولة ، أو تصور للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد .

ومن هذه المبادرات والأفكار ماتم الإعلان عنها وتبنّيها من قبل بعض مؤسسات الدولة منفردةً ، دون أن يتم تبنيها على مستوى الدولة بكامل مؤسساتها ، ومبادرات عقدت حولها اجتماعات في داخل البلاد وخارجها ، وصرفت نتيجة لها وبسببها أموال عامة وخاصة وخارجية ، وارتبطت اجنداتها ببعض الأشخاص والكيانات ولفترة طويلة من الزمن ، ومبادرات أخرى وراءها منظمات دولية وحكومات دول أجنبية بعينها ، ومبادرات تقدم بها أفراد وخبراء أو منظمات مجتمع مدني .

والقاسم المشترك بين هذه المبادرات أنها تهدف للتطوير غير إنها غير متكاملة  أو غير مترابطة ، ولم تعد في إطار استراتيجية واحدة لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة  .

ومن بين هذه المبادرات ، على سبيل المثال ، التحول الرقمي ، اتمتت الإجراءات الحكومية ، تنويع الاقتصاد ، تشجيع وتمويل المشروعات الصغرى والمتوسطة ، الإصلاح الاقتصادي  ، الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ، الشباك الموحد لتأسيس المشروعات ، تشجيع الاستثمار الأجنبي ، الانظمام لمنظمة التجارة العالمية ، تأسيس الصناديق الاستثمارية ، شبكات الحماية الاجتماعية ، الشمول المالي ،  الاصلاحات الهيكلية ، استراتيجية الطاقات البديلة والمتجددة ، مبادرة ” مستفيد ” ، الاستثمار   في تنافسية الاقتصاد من منظور جيوسياسي ، نتائج مشروع الحوار السياسي الاجتماعي  الليبي ،  توزيع إيرادات النفط والغاز على الأقاليم .

هذه المبادرات والأفكار والمشروعات ، رغم اختلاف درجة أهميتها ووجاهتها  وجديتها ، وما تحضى به من ترتيب في سلم الأولويات ، ومصداقية من يقفون وراءها ، واختلاف مستوى صعوبة تنفيذها ، والشروط اللازمة لنجاحها ، لم ولن يتجسًد أي منها على أرض الواقع ، وقد مضى وقت طويل على طرح بعضها وتم تناوله على مختلف المستويات ، وظل الكتير منها مجرد أمنيات ، وحبيسة الإدراج ،  باستثناء بعض المبادرات المرتبطة بتقنية المعلومات.

وذلك للعديد من الأسباب من أهمها :
  _ لاتوجد  وراء هذه الأفكار والمبادرات رؤية موحدة أو مشتركة  تجمعها ، ذات اطار زمني واضح ومحدد ، منبثقة عن حوار مجتمعي حقيقي ، تتضمن ربط واضح بين هذه المبادرات  ، وتوضح الروابط الأمامية والخلفية فيما بينها ، وتموضعها ضمن السياسات العامة في استراتيجية تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة .

  _ غياب تصور دستوري بشكل الدولة وتقسيماتها الإدارية ، متوافق عليه ، ينظم العلاقة بين مؤسسات الدولة السيادية  ، ينبثق عنه قانون للحكم المحلي ، ويضع تصور لإدارة موارد الدولة ، متفق عليه ، متوافق ومتطلبات التقسيم الإداري للدولة ، توجه من خلاله الجهود لتنفيذ المبادرات والمشروعات والأفكار التي تخدم مصالح الدولة الليبية وتعزز استدامتها واستقرارها.

_ الثقافة  الريعية والجهوية ، وثقافة الغنيمة ، والمعرفة المحدودة ، والمركزية المقيتة والفساد الإداري والمالي .

  _ بعض من المبادرات ، رغم أهميتها ، تفتقر للقوانين والتشريعات التي تنظمها وتدعمها ، والقدرات اللازمة لتنفيذها .

_ غياب رؤية تحدد ملامح النظام الاقتصادي المنشود وهوية الاقتصاد الليبي ، تنسجم مع المقومات والموارد الاقتصادية الذاتية التي يمتاز بها الاقتصاد الليبي ، وتستثمر في اقتصاد المعرفة ، والمزايا الجيوسياسية للدولة .

  _ غياب الإرادة الحقيقية الحرة لتنفيذ بعض هذه المبادرات والواقع الاقصائي الذي تعمل في ظله بعض مؤسسات الدولة ذات العلاقة بهذه المبادرات .

  _ عدم جدية بعض المبادرات الدولية وافتقارها للنزاهة ، وعدم مراعاتها لخصوصية المجتمع الليبي ، وغياب الحاضنة الوطنية الجامعة لها .

   _  عدم اهلية بعض مؤسسات الدولة ، أثناء المرحلة الانتقالية ، وغياب التوافق المجتمعي حولها ، وتأثرها بحالة الانقسام ، وافتقارها لمقومات التنفيذ وفقاً للقانون ، والاستقرار  المطلوب .

  ودون التقليل من أهمية بعض المبادرات الجادة والحاجة اليها ، فان الخوض في بعض منها ، ومحاولة فرضها أو تنفيذها كأمر واقع ، في ظل  غياب الرؤية والتوافق المجتمعي  عليها ، واستمرار المعوقات والأسباب التي أشرنا إليه ، وانعدام البيئة  المناسبة لها  ، وتدني الكفاءة المؤسسية ، قد يفضي إلى هدر المزيد من الموارد وتعقيد  المشهد السياسي والاقتصادي القائم ويعمق الأزمة التي تمر بها البلاد .
    
إذاً لا مناص من وضع رؤية متكاملة لمستقبل البلاد ، رؤية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية ، تتكامل فيها المبادرات الوطنية المختلفة ، تنتج عن حوار وطني هادف على غرار الرؤى التي وضعتها وتبنتها الكتير من الدول الأخرى التي عبرت إلى بر الأمان ، أو التي قطعت شوطاً نحو اهدافها ، أو تلك الدول التي أدركت خطورة التحديات التي تواجهها ووضعت لنفسها رؤى واستراتيجيات لمواجهة التحديات . 

كما ينبغي العمل على معالجة الأسباب وتدليل المعوقات التي تقف حجر عثرة أمام الجهود التي يبذلها بعض ممن يدركون أهمية وضع رؤية وطنية وينادون بها  ، حتى نشهد نجاحاً وتجسيداً للمبادرات التي ترمي إلى قيام الدولة الليبية والنهوض باقتصادها ورفاهية سكانها .

مشاركة الخبر