كتب الخبير الاقتصادي “د.عبد السلام نصية”: مخصصات التنمية بين التعلية والصريرات.
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مصطلح التعلية، ودار حوله كثير من الجدل المالي والاقتصادي فالتعلية تعني أنه في نهاية السنة وعند قفل الحسابات يتم ترحيل بواقي الاعتمادات التي لم يكتمل تنفيذها خلال السنة إلى السنة التالية في حدود التكاليف الكلية المعتمدة للعمل مع حصرها فقط في باب الأعمال الجديدة وفقاً للقانون المالي للدولة حيث نصت المادة 7 منه على ” تلغى الاعتمادات المدرجة في الميزانية أو الاعتمادات الإضافية التي لم تصرف إلى آخر السنة المالية، أما الاعتمادات الخاصة بالأعمال الجديدة التي لا يكتمل تنفيذها خلال السنة المالية فترحل بواقي الاعتمادات المقررة لها إلى ميزانية السنة التالية حتى يتم انجاز العمل في حدود التكاليف الكلية المعتمدة له”.
وقد عرفت لائحة الميزانية والحسابات والمخازن باب الأعمال الجديدة بأنه باب المصروفات المتعلقة بالمصروفات غير المتكررة وتشمل المصروفات الرأسمالية ومصروفات المشروعات غير الواردة في ميزانية التنمية سواء تم إنجازها في ذات السنة المالية أم إمتد تنفيذها لأكثر من سنة.
كما جرى العرف على ترحيل بعض المصروفات المؤكدة وفي حدود ضيقة جداً والتي لم يتمكن من سدادها على السنة على أن يتم تسويتها مع بداية السنة الجديدة.
وتجدر الإشارة إلى أن القانون رقم 13 لسنة 2000 بشأن التخطيط أورد في المادة 12 ما يلي “يفتح بمصرف ليبيا المركزي حساب خاص بالتحول يسمى (حساب التحول) يتم من خلاله تمويل مشاريع التحول وفق ميزانية التحول السنوية على أن ترحل المبالغ التي لا يتم إنفاقها خلال السنة إلى التالية حتى تنتهي سنوات الخطة…..”
وبناءً على ذلك نلاحظ أن الترحيل يتم لبواقي الاعتمادات وبشرط وجود خطة محددة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن ترحيل مليارات من الدينارات وتحويلها لحساب العهد ومن ثمة صرفها فيما بعد في ظل عدم وجود خطة واضحة محددة بمشاريع.
لذا فإن ما حدث من ترحيل لمخصصات التنمية الباب الثالث والبالغ قيمتها 16 مليار دينار تقريباً هو مخالف للقانون المالي للدولة وقانون التخطيط والأعراف المحاسبية وقواعد المالية العامة ومبادئ الميزانية.
وبالنظر إلى المبررات التي سيقت في هذا الصدد والتي يمكن تلخيصها في نقطتين جوهريتين: –
1- إن مخصصات التنمية جمدت من المصرف المركزي بناء على رسالة رئيس مجلس النواب والتي تم تجاوزها أخيراً من خلال فتوة صادرة عن إدارة القانون.
2- الحرص على استخدام مخصصات التنمية في المشاريع التنموية وإن إعادتها لحساب الاحتياطي العام سوف يؤدي إلى إستخدامها في مصارف إستهلاكية.
ووجاهتهما على المستوى النظرية إلا أنه عند التعمن فيهما جيداً نرى أنها حجج واهيه هي أقرب للمناكفات السياسية واستخدام المال العام فيها إلى حجج اقتصادية ومالية لإدارة المال العام.
فالنقطة الأولى والتي تتحدث عن رسالة إيقاف الباب الثالث من قبل رئيس مجلس النواب وإلتزام المصرف المركزي بها مما عطل صرف مخصصات التنمية إلى أن صدرت فتوة إدارة القانون بعدم الاعتداد بها، يمكن الرد عليه بأن رسالة رئيس مجلس النواب ألغيت بمجرد صدور قانون الميزانية لسنة 2022 من قبل مجلس النواب خلال شهر يونيو 2022 وكان على المصرف المركزي أن يلتزم بهذا القانون ويعمل به، بالإضافة إلى أن فتوة إدارة القانون أوقفت رسالة رئيس مجلس النواب فهل تستطيع إدارة القانون أن توقف قانون صادر عن مجلس النواب؟؟ مع العلم بأن القانون قد تضمن ترتيبات للباب الثالث.
أما النقطة الثانية والتي تتحدث عن الحرص الشديد على مخصصات التنمية والتي لا نعتقد بأن أحد يعارض ذلك ولكن كما يقال قد يكون الأمر كلمة حق أريد بها باطل، فهل 16 مليار دينار كلها هي لدفعات جاهزة تم إنجاز أعمالها حتى يتم ترحيلها للمحافظة على إستمرارية المشاريع إما هي مخصصات وزارات ومشتريات لسيارات ومعدات وتجهيزات ما إطلعنا عليه من مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن وصفه بمشروعات تنموية بإستثناء القليل منها وورد بصفة عامة وغير محددة.
وفي جميع الأحول لا يمكن تخيل ترحيل 16 مليار دينار في ظل انقسام مؤسساتي وفساد مالي وإداري وفوضى السلاح، بالإضافة إلى ما سوف تسببه من تضخم في الأسعار إذا ما تم إقرار ميزانية تنمية لعام 2023 بنفس القيمة أو أكثر ،والسؤال هنا هل يستوعب الاقتصاد الليبي في هذه الظروف المحلية والدولية والإقليمية هذه المبالغ!؟.
وأخيراً، إذا كانت النوايا صادقة للمحافظة على مخصصات التنمية وقطع الطريق على إهدارها سواء في مصروفات إستهلاكية أو مشروعات عبثية فإننا نقترح تحويلها إلى حساب خاص بمصرف ليبيا المركزي يصدر بشأنه قانون خاص أو (صندوق) أو وفقاً لما ورد في قانون التخطيط ويتم الإنفاق من هذا الحساب على مشاريع إستراتيجية محددة وفقاً لإجراءات محددة وأن يحال للحساب فائض للتنمية عن كل السنوات القادمة إلى حين إستقرار البلاد لتنطلق بعدها خطة إعمار شاملة تلعب فيها الدولة دور التهيئة والمساعدة وتنفيذ البنية التحتية وتقودها المصارف والقطاع الخاص.