كتب: د. عبدالله ونيس الترهوني
يشهد قطاع البنوك في الولايات المتحدة وأوروبا إفلاس العديد من البنوك الصغيرة بشكل مستمر، ولا يوجد أي بنك بمنأى عن الإفلاس وبالأخص عندما تغيب الحوكمة ويتم إتخاذ قرارات استراتيجية خاطئة، والتي تؤدي لتعرض المصرف لمخاطر جسيمة تهدد سلامة مركزه المالي ، وعندما يعجز عن تلبية طلبات أصحاب الودائع في سحب ودائعهم الجارية أو تسييل ودائعهم الزمنية.
جميعنا يعلم أن الأزمة المالية العالمية بدأت منتصف العام 2008 عندما طلب المودعون سحب مدخراتهم من بنك Lehman Brothers والذي يعد من أكبر بنوك أمريكا وبأصول تتجاوز 300 مليار دولار في حينها، وفي غضون أيام أفلس هذا البنك ليكون أكبر البنوك المنهارة في تاريخ أمريكا ، ويبقى الدرس المستفاد من هذا الإفلاس هو أن الخلل كان في الائتمان أو بالأحرى القطاع العقاري في الولايات المتحدة.
خلال العام 2022 تم إبلاغ المسؤلين في بنك SVB بخطورة وضع البنك وأن عليهم تصحيح الأوضاع قبل فوات الأوان ، والبنك يقع في المرتبة السادسة عشر في أمريكا وبأًصول تتجاوز 209 مليار دولار أمريكي ، ومع ذلك حدث ماحدث في ظرف 48 ساعة فقط وأن السبب الرئيسي لانهيار SVB كان بسبب إستثمار 55% من أصوله الجارية في سندات حكومية عائدها السنوي 1% فقط، وعندما رفع الفيدرالي سعر الفائدة إلى 4.75% أدى ذلك لخسائر دفترية لأسهم الـ SVB، وهي في النهاية خسائر غير محققة، ولكن إذا باع البنك السندات الآن فإن القيمة الأسمية لسندات عائدها 1% لن يكون بذات القيمة الاسمية لسندات عائدها 4.75% ومن هنا حدثت الخسائر والتي تتجاوز 20 مليار دولار، ويبقى الدرس المستفاد من هذا الإفلاس هو أن الخلل كان في عدم مجاراة البنك للتغير في سعر الفائدة وهو خلل تتحمله إدارة المصرف، وهذا مادفع العديد من الدول لشراء كميات من الذهب لتعزيز ارصدتها وتقوية عملاتها، ومع ذلك يبقى النظام المالي العالمي متماسك على الرغم من إنهيار عدد من البنوك في أمريكا وأوروبا وتراجع قيمة بعضها لاكثر من 60%.
بعيداً عن كل هذا فإننا في ليبيا لانتأثر كثيراً بما يدور حولنا والسبب هو أننا اقتصاد بسيط جداً يقوم على بيع البترول الخام لنقايض بثمنه كل شئ من الأكل والدواء وحتى المشتقات البترولية، وأن دور المصارف الليبية يقتصر على الإيداع والسحب واخذ العمولات من المواطنين نظير بعض الخدمات المصرفية، وأن الحديث عن دور المصارف والقطاع الخاص في التنمية في ليبيا يُعد نوعاً من الترف أن لم نقل سراباً، ولازال المواطن يبيت أمام المصارف ليسحب مبلغ 1000 او 2000 دينار من مدخراته في أحسن الأحوال .
إن الدروس المستقاة من إنهيار البنوك المذكورة والتي تعد من أهم شرايين قطاع الخدمات في كل الدول يجعلنا نعيد التفكير في سياساتنا المالية والنقدية، وأنه وجب علينا في الوقت ذاته التركيز على الاقتصاد الأصيل لنؤمن به قوتنا وقت أبنائنا وإن نلبس من إنتاج مصانعنا.