كتب الخبير المالي “خالد الزنتوتي” مقالاً
نتابع هذه الأيام هذا الصراع المحموم على المصرف المركزي والسيطرة عليه بين مختلف الأطراف، والذي يعتبره (البعض منهم) الغنيمة الكبرى، ومن خلال السيطرة عليها، يتم إشباع نهمهم في السيطرة على ليبيا أرضاً وشعباً،!!
وبغض النظر على ذلك الصراع المقيت وأبطاله، فإن المصارف المركزية في الدول ما هي إلا بيت مال الشعب والذي تتم ادارته بشكل منظم شفاف يمكن من خلاله المساهمة في معالجة المتغيرات الاقتصادية الكلية والحزئية عن طريق جملة من السياسات والإجراءات اهمها ما يعرف بالسياسات النقدية وإصدار النقد والتحكم في عرضه.
مشكلتنا اننا طيلة السنوات الماضية لم نشاهد إلا مؤشرات سلبية تعصف باقتصادنا الوطني في طريق الانهيار، وخاصة فيما يتعلق بسعر صرف عملتنا الوطنية ونسب التضخم العالية ونقص السيولة الحاد والذي جعل الليبيين والليبيات يصطفون في طوابير طويلة وبأوقات أطول لسحب مرتباتهم، في وقت كان الكاش هو المسيطر تقريبا على كل المعاملات التجارية سواء الاستهلاكية أو السلع الأخرى، يحدث هذا في وقت أصبح استخدام الكاش في معظم دول العالم ضربا من الماضي.
ناهيك عن انخفاض احتياطياتنا النقدية بالنصف أو اكثر خلال العقد الماضي إذا ما اخذنا في الاعتبار الفرصة البديلة لاستثمار تلك الاحتياطيات في السوق الدولي وطبقا لمعايير ادارة أموال البنوك المركزية المتعارف عليها دوليا .
زد على ذلك ( وطبقا لبعض المعلومات المنشورة أخيرا ) فان ودائع المركزي للأسف مودعة في دول ذات تصنيف ائتماني منخفض وفي مصارف أن هي غير مصنفة أصلا، فهي ذات تصنيف ليس investment grade مما يخل بالمعايير الدولية بالخصوص .
هناك الكثير من الاختلالات الأخرى الفنية التي لا مجال لاستعراضها في هذه المداخلة المحدودة، كل هذا يتم تتويجه بانعزال تام لدور القطاع المصرفي في التنمية وأصبحت جل مصارفنا، مصارف مرتبات، مهمتها فقط توزيع المرتبات والقيام بفتح بعض الاعتمادات والعمليات المصرفية الأخرى المحدودة ووفق عمولات عالية وذلك لتسديد مرتبات موظفيها الكُثر.
للأسف لم يستطيع المركزي القيام بدوره في القيام برقابة فاعلة على المصارف التجارية وخاصة في ظل حقيقة أنه المالك والمراقب في نفس الوقت والذي يتعارض تماما مع أبسط قواعد الحوكمة .
بل أن المصرف المركزي أُتهم ( باعتمادات مشبوهة ) لشركات وعائلات محددة استفادت كثيرا عندما كان هناك ازدواج في سعر الصرف، وحصُلت على مزايا وفرص ( خاصة ) نظرا لعلاقتها بذي نفوذ وذي الايدي الطوال!
أنا هنا لا القي اللوم الكلي على المحافظ وعلى موظفي المركزي الكبار وحدهم لأن أيضًا الظروف القائمة ( السلبية ) جعلتهم ينسجمون معها أحيانا رغما عنهم فلا احملهم المسؤولية وحدهم، بل للضرورة أحكامها ،!
الذي راعني أيضًا خلال السنوات الماضية هو نفاق الولاءات لبعض الأطراف ( ومنها المركزي والذي يجب أن يكون مستقلا تماما ) وعلى حساب مصلحة الوطن ككل، فتجد أحيانا X يتوافق مع Y ضد Z وأحيانا تنقلب معادلة التوافقات بشكل جذري وفجائي، فتصدر قرارات تم تُلغى ثم تُعاد ثم تُلغي، وهكذا للأسف طبقا للمنافع والمصالح المشتركة وبدون الاخذ في الاعتبار مصالح صاحب الحق، الشعب !
هذا الصراع المحموم الذي نشاهده هذه الأيام يقع فقط في إطار الولاءات المصلحية الزائفة، ولعله حق ولكن أخاف أن يكون هدفه غير ذلك .
أنا لا ابرئ أحدا ولا اتهم أحدا،وفهذه مسؤولية القضاء، ولكن لم نسمع اطلاقا أن بنك مركزي في العالم لا يوجد به مجلس إدارة، حتى وإن كان محافظه، شاكتيكانتا داس محافظ البنك المركزي الهندي، والذي تم تصنيفه ( من قبل جلوبال فاينانس ) كأفضل محافظ بنك مركزي في العالم للعام الثاني على التوالي، وقد كان السيد ( ولد داس ) هذا رئيسا لمجلس ادارة متكامل كل قراراته بالإجماع .
فلماذا السكوت طيلة هذه السنوات عن عدم وجود مجلس إدارة، ولماذا الآن فقط، حتى الامم المتحدة وممثلي الأمين العام ومجلس الأمن لم يتطرقوا إلى هذه الحالة إلا أخيرا !؟
المهم ، وبغض النظر عن الأشخاص، مصرفنا المركزي هو بيت مال المسلمين، يجب أن يقوده محافظ ومجلس إدارة متخصص ونزيه، أهدافه تتمحور، حول ارساء سياسة نقدية ناجعة وفي انسجام متكامل مع سياسات مالية وتجارية ،تحارب التضخم وتحافظ على قوة العملة المحلية واستقرارها، كذلك تفعيل وتنظيم القطاع المصرفي ومن خلال ضرورة تطبيقات المعايير الدولية المتركزة في بازل 1,2,3,4، وتطوير وفتح آفاق مساهمة القطاع المصرفي في التمويل والتنمية المستدامة، كذلك العمل على استثمار أموال بيت مال المسلمين بشكل يدعمها في ظل مؤشرات التضخم وفي اطار استثمار خالي من المخاطر وبعائد مقبول… الخ
نرجو من الله التوفيق لمن يحمل هذه الأمانة، فتالله أنها أمانة صعبة بالذات في ظل ظروفنا الصعبة، وصدق الله إذ قال، إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) .