Skip to main content
المانع يكتب: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي "تأثير سياسات ترامب وفرص التعاون مع ليبيا لتعافي الاقتصاد"
|

المانع يكتب: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي “تأثير سياسات ترامب وفرص التعاون مع ليبيا لتعافي الاقتصاد”

كتب المستشار مصطفى المانع مقالاً بعنوان: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي “تأثير سياسات ترامب وفرص التعاون مع ليبيا لتعافي الاقتصاد”

مع بداية الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام 2025، تصاعدت الأصوات التي تطالب بإعادة تقييم دور الولايات المتحدة في مؤسستي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ وهما الركيزتان الأساسيتان في دعم الاستقرار المالي وتعزيز التنمية على الصعيد الدولي، باعتبار أن صندوق النقد الدولي IMF مؤسسة مالية تُعنى باستقرار الاقتصاد الكلي العالمي، عبر تقديم المشورة بشأن السياسات النقدية والمالية، ودعم استقرار أسعار الصرف، وتعزيز الانضباط المالي للدول الأعضاء, في حين يركز البنك الدولي WB على التنمية الاقتصادية طويلة الأجل، بتمويل مشروعات البنية التحتية، وتعزيز الإنتاجية، وتحسين مناخ الاستثمار لدعم النمو المستدام.

“واقع الاقتصاد الدولي والوطني”

وتتنامى أهمية المؤسستين الدوليتين بالنسبة للدول النامية، ومنها ليبيا، التي تحتاج بشدة إلى الخبرة والدعم الفني لمواجهة تحدياتها الاقتصادية المتراكمة، وفي ظلّ أوضاع عالمية تتسم بتضخم عالٍ وتباطؤ في الاستثمارات الأجنبية، بات معه من الضروري بحث فرص التعافي الاقتصادي لليبيا وإمكانية الاستفادة من دور المؤسستين الدوليتين.

واذ يواجه الاقتصاد العالمي في عام 2025 حالة من الاستقرار “النسبي” مصحوباً بالتحديات الاقتصادية، فبعد تأثيرات الحرب في أوكرانيا وغزة وقبل كل ذلك جائحة كورونا ومشاكل سلاسل النقل، وما تبع كل ذلك من زيادة معدلات التضخم في العديد من الاقتصادات الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، عانت  الاقتصادات الناشئة من تباطؤ في معدلات النمو، إضافة إلى ذلك،انعكس ارتفاع معدلات الفائدة في البنوك المركزية الكبرى سلبيًا على تدفقات الاستثمارات الأجنبية، مما يعقد التوقعات الاقتصادية العالمية، ومع ذلك، تبقى الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين في حالة نمو نسبي، نتيجة للاستثمار في قطاعات مستدامة مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الرقمية، بالإضافة إلى استفادتها من متانة اقتصاداتها من الاساس واحتكارها لبعض الأسواق والمنتجات، وأيضاً عوائد الهيمنة السياسية على دول العالم.

أما بالنسبة للاقتصاد الليبي، فبالرغم من التحديات التي يواجهها، فقد أظهرت المؤشرات تحسنًا ملحوظًا في معدلات النمو، اذ وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي لعام 2024، من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الليبي نموًا بنسبة 7.8% بعد انكماش في عام 2022، وبالنسبة لعام 2025، لا توجد تقديرات دقيقة محددة، ولكن يُتوقع أن يستمر النمو في النطاق الإيجابي، مدفوعًا بتحسن إنتاج النفط وأسعار النفط العالمية.

ورغم ذلك، يبقى هذا النمو عرضة للتقلبات الناتجة عن تغييرات أسعار النفط العالمية، والتحديات السياسية والاقتصادية المحلية التي بدأت بوادرها تظهر في الانخفاض النسبي لقيمة الدينار الليبي أمام العملات الاجنبية.
 
“فرص لتعافي الاقتصاد الليبي”

ليبيا، التي تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط، تواجه تحديات اقتصادية هيكلية عميقة مثل ضعف التنوع الاقتصادي، إضافةً إلى تراكمات سوء الادارة في المالية العامة، والخلل القائم في النظام المصرفي، ومع ذلك هناك فرص حقيقية لتعافي الاقتصاد إذا تم تبني سياسات إصلاحية شاملة تعالج هذه المشكلات من جذورها، عبرتحسين إدارة الإيرادات النفطية، وتوسيع قاعدة الإيرادات غير النفطية، وإجراء إصلاحات هيكلية في النظام المصرفي. وفي هذا السياق، تبدو الحاجة ملحّة للتعاون مع المؤسسات المالية الدولية، وخاصةً صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، للاستفادة من خبراتهما الفنية وبرامجهما الداعمة في مسار تحقيق الإصلاحات الاقتصادية وتحقيق تنمية مستدامة.

“الاستفادة من الدعم الفني والخبرات الدولية”

خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي اخرها في أكتوبر 2024، وخلال لقاءاتنا مع رئيس صندوق النقد الدولي، السيدة كريستالينا جورجييفا، ورئيس البنك الدولي، السيد ديفيد مالباس وكبار مدراء المؤسستين، تم التأكيد على أهمية الدعم الفني الذي تقدمه المؤسستان لمساعدة ليبيا في تحقيق إصلاحات اقتصادية شاملة، وتحسين الحوكمة، وتطوير البنية التحتية الرقمية، من خلال التعاون مع مؤسسات مثل مؤسسة التمويل الدولية (IFC) والوكالة الدولية لضمان الاستثمار (MIGA)، لتعزيز جاذبية ليبيا أمام الاستثمارات الأجنبية وتنمية القطاعات غير النفطية وتوفير فرص العمل.

وفي اطار سعي السيد عبدالحميد الدبيبه رئيس حكومة الوحدة الوطنية للاستفادة من جهود الدعم الفني والاستشاري لهذه المؤسسات الدولية لتحسين واقع اقتصادنا، استقبل في فبراير 2025 وفدًا رفيع المستوى من البنك الدولي برئاسة نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، السيد عثمان ديون، حيث تمت مناقشة سبل تعزيز التعاون بين ليبيا والبنك الدولي في مجالات اهمها التحول الرقمي، وزيادة الشفافية المالية ، و تعزيز بيئة الأعمال،وتحسين كفاءة المؤسسات العامة، وتصحيح هيكل الانفاق العام، وقد تكللت هذه الاجتماعات بالاتفاق على إعادة افتتاح مكتب البنك الدولي في ليبيا بعد سنوات من الإقفال، بما يعكس رغبة الطرفين في تعزيز التعاون ودعم مسار الإصلاح الاقتصادي الليبي.

ختاماً، لا تزال ليبيا تمتلك فرصًا حقيقية للتعافي الاقتصادي، ولكن تحقيق ذلك يستلزم الابتعاد عن الرهان على قدراتنا الذاتية وحدها، والتخلي عن الأنا الليبية الموروثة التي تمنعنا من اللجوء إلى الخبرات الدولية، فتنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة يحتاج إلى دعم فني متخصّص يمكن الاستفادة منه عبر التعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرها من المؤسسات الدولية المتخصصة ، الأمر الذي يُعزّز الاستدامة الاقتصادية ويقلّل الاعتماد المفرط على عائدات النفط، ورغم أن ملفات التعافي الاقتصادي متاحة، فإن نجاحها يتطلب عملًا احترافيًّا مهنيًّا مستمرًّا، وهو ما يفتقر إليه الجهاز الإداري الليبي نتيجة تراكمات عقود من الأزمات والقصور.

إن المشورة الفنية التي تقدمها هذه المؤسسات والاستفادة من خبراءها وبرامجها هي فرصة لم تضيعها دول تتمتع بإمكانات اقتصادية كبيرة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية وكوريا الجنوبية واليابان وغيرها، ولم يرتبط التعاون بالاستدانة بل بالمشورة وتعزيز الاستقرار المالي.

مشاركة الخبر