Skip to main content
"أبو سنينة" يكتب: المركزي بين مطرقة الالتزام بوظائفه وفقًا لأحكام قانون المصارف في السياسة النقدية واستقرار سعر الصرف وسندان توفير السيولة للحكومة لمواجهة الإنفاق العام المنفلت
|

“أبو سنينة” يكتب: المركزي بين مطرقة الالتزام بوظائفه وفقًا لأحكام قانون المصارف في السياسة النقدية واستقرار سعر الصرف وسندان توفير السيولة للحكومة لمواجهة الإنفاق العام المنفلت

كتب الخبير الاقتصادي “محمد أبوسنينة” مقالاً قال خلاله: لعلّ من أكبر التحديات التي تواجه أي مصرف مركزي، لاسيما عندما يكون هناك مصدر وحيد للدخل بالنقد الأجنبي، هو توفير السيولة اللازمة للحكومة لتغطية الإنفاق العام، مع المحافظة على المستوى العام للأسعار، بما في ذلك استقرار سعر صرف العملة الوطنية، وتزداد حدّة التحدي عندما يضطر المصرف المركزي للتعامل مع حكومتين منقسمتين، بدون ميزانية عامة معتمدة، أو بميزانية عامة لم يُؤخذ رأيه في حجمها وكيفية تمويلها، في أوضاع غير مستقرة.

يد المصرف المركزي وإرادته غير حرة في التصرف في مواجهة التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني، لأنه مسؤول في المقام الأول عن استقرار المستوى العام للأسعار، وعليه الموازنة بين الآثار المترتبة على تلبية طلبات الحكومة في الإنفاق العام، وما يصاحب ذلك من ضغوط على سعر صرف الدينار، وانفلات الأسعار، والآثار التضخمية على مستوى معيشة المواطنين من جهة، وتعرض الاقتصاد الوطني للانكماش وتدني معدل النمو الاقتصادي من جهة أخرى.

وعلى الرغم من أن المصرف المركزي مطالب بالتدخل لمواجهة الاضطرابات التي تعترض الاقتصاد الوطني، إلا أنه، وفي ظل الحالة التي تمر بها الدولة، لا يوجد ما يضمن تحقّق النتائج المرجوة من وراء تدخل المصرف المركزي، دون التضحية بأهداف الاستقرار، في ظل غياب سياسة مالية حصيفة، وسياسة تجارية واضحة المعالم والأهداف، وعدم وجود أية إصلاحات اقتصادية تُذكر، مما يعرض المصرف المركزي لمخاطر أخلاقية (moral risks)، وزعزعة الثقة في إجراءاته، كل ذلك دون الإخلال بمسؤوليته أمام السلطة التشريعية، حيث من المتوقع تزايد التراجع في استقلاليته نتيجة للصراعات السياسية، فضلًا عن تزايد الضغوط، سواء الداخلية أو الخارجية، التي سيواجهها.

وعندما يفتقد المصرف المركزي أدوات السياسة النقدية الكفيلة بالتحكم في عرض النقود وتوجيه حالة الائتمان، تزداد حدّة التحديات التي تواجهه، الأمر الذي يتطلب منه أن يكون أكثر شفافية وحزمًا في إجراءاته، وأن يضع النقاط على الحروف أمام السلطات المختلفة، ويتحمّل مسؤولياته كاملة أمام الشعب.

ويصدق نفس القول عندما يتصدى المصرف المركزي لمعالجة (إصلاح) سعر الصرف، في ظل وجود سوق سوداء للنقد الأجنبي خارج السيطرة، تشتد فيها المضاربة، وتتعدد فيها أسعار صرف العملة الأجنبية الواحدة، وفقًا لفئة الدينار المستعملة في الشراء والبيع، وتتسم بحالة احتكار القلة. عندها يكون الركون لاستعمال الاحتياطيات المتاحة من النقد الأجنبي، كأداة وحيدة لمعالجة المشكلة، من خلال التوسع في عرض النقد الأجنبي، أمرًا محفوفًا بالمخاطر، وعلى رأسها استنزاف الاحتياطيات، وإجهاد قدرات المصرف المركزي في المحافظة على استقرار سعر الصرف، في ظل غياب تقديرات دقيقة وحقيقية لحجم الطلب على النقد الأجنبي لمختلف الأغراض (استيراد السلع ومستلزمات الإنتاج، تحويلات الأفراد المقيمين، تحويلات الأفراد غير المقيمين، تحويلات الشركات الأجنبية، تحويلات الحكومة)، في اقتصاد مكشوف بدرجة كبيرة على العالم الخارجي، وفي ظل تحقيق عجز في إيرادات النقد الأجنبي خلال النصف الأول من العام، مما يتطلب، والحال هكذا، أن يكون التعويل والقياس والانتباه إلى الاحتياطيات الحرة، وليس إلى إجمالي الأصول المقوّمة بالنقد الأجنبي.

مشاركة الخبر