كتب: أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي “حلمي القماطي”
الانخفاض في سعر الدولار بالسوق الموازية لا يترجم تلقائياً أو فورياً إلى انخفاض مماثل في الأسعار.
العلاقة موجودة لكن مخنوقة بعدة عوامل:
مدى استدامة الانخفاض، حجم التغطية العملية للاحتياجات المستوردة، سلوك التجار (المرونة غير المتماثلة)، ودرجة اندماج الأسواق والضغوط التضخمية المتأصلة
1.آلية التأثير (Transmission mechanism)
أ/سعر الصرف يؤثر على تكلفة الواردات → تكلفة الاستبدال والإنتاج → تكلفة البيع النهائي.
ب/ معيار الفترة الزمنية مهم: التأثير المبدئي ينتج عنه تغيّر في التكاليف المتوقعة، والتأثير الكامل يظهر تدريجياً مع تجديد المخزونات وتحديث العقود.
2.مفهوم الـ Pass-through (معامل انتقال الأثر)
أ:نعرّف (beta SR) كمعامل انتقال الأثر على المدى القصير (beta LR} على المدى الطويل
أ/ في اقتصاد يعاني من تشوهات في السوق وغياب الثقة (كما هو شائع في حالات عدم استقرار الصرف)، القيم المتوقعة غالباً تكون:
\beta{SR} = 0.1–0.3
و
\beta LR = 0.4–0.7
ب/ هذا يعني: انخفاض مؤقت في سعر الصرف يخفض الأسعار بدرجة ضئيلة وفقط بعد زمن، أما انخفاض مستدام فيعطي أثر أكبر وأطول أمداً.
3/ الفرق بين انخفاضٍ مؤقت وانخفاضٍ مستدام
أ/ مؤقت: ناجم عن ضخ لحظي (فتح اعتمادات/مخصصات قصيرة).
يؤثر على السوق الموازية لفترة قصيرة؛ التجار محتفظون بهوامش ربح مرتفعة ويمتنعون عن خفض الأسعار لأجل انتظار عودة السعر. النتيجة: تأثير ضئيل وغير مستدام على مستوى الأسعار الاستهلاكية.
ب / مستدام: يتطلب استمرارية في العرض الأجنبي (جداول اعتمادات منتظمة، ثبات السيولة الدولارية لدى المصارف، ثقة السوق). هنا يبدأ تجدد المخزونات بالسعر الأدنى، ويظهر انخفاض ملموس في أسعار السلع المستوردة وضمنياً تأثير انكماشي على التضخم العام.
4.سلوك الفاعلين في السوق
أ. التجار: يعكسون ارتفاعات الدولار سريعاً لكن يخفّضون الأسعار ببطء — ظاهرة الـ “asymmetric pricing”.
ب. المستهلكون: يتأخرون في إدراك التحسن ما لم يرافقه انخفاض واضح ومستمر في الأسعار الأساسية.
كالمضاربون/وسطاء السوق الموازية قد يعكسون أي ضخ قصير الأجل كسعر مؤقت ويعيدون الطلب لرفع السعر بمجرد انحسار التغطية.
5.مؤشرات يجب مراقبتها لتقييم استدامة الانخفاض وتأثيره على الأسعار
أ/ وتيرة فتح واعتمادات الاستيراد (كمية وتكرار).
ب/ احتياطيات البنوك من العملات الصعبة المتاحة للتصرف (تدفقات واردات مقابل تدفقات سحب).
ج/ أحجام التداول في السوق الموازية وتذبذب السعر (انحراف معياري يومي).
د/ تجدد المخزون لدى التجار (كمية الأيام المغطاة بالمخزون) وأسعار الشراء الأخيرة.
و/ مؤشر توقعات التضخم (استطلاعات أو أسعار السندات إن وُجدت).
سيناريوهات مُبسطة (نوعيّة، لشرح السلوك المتوقع)
كسيناريو A — انخفاض قصير الأجل: ضخ دولارات لمرة/مرتين. السوق الموازية تنخفض مؤقتاً → معاملات الانتقال قصيرة الأجل ضعيفة → الأسعار الاستهلاكية لا تتغير فعلياً أو تتراجع هامشياً.
سيناريو B — انخفاض مستدام: فتح اعتمادات منتظمة وتغطية للاحتياجات الحقيقية لشهور متتابعة → السوق الموازية تتجه لانخفاض دائم → تجدد مخزونات التجار بالأسعار الجديدة → انخفاض ملموس في أسعار السلع المستوردة وتراجع تدريجي للتضخم.
توصيات سياسية وقياسات عملية
1.الاستدامة أهم من الصدمة المؤقتة: سياسة الاعتمادات يجب أن تكون منتظمة وقابلة للتوقّع.
2.التواصل والشفافية: بيانات منتظمة عن مخصصات الاعتمادات وحجم الاستيراد تُقلل المضاربات.
3.إجراءات تضامنية قصيرة الأجل: حوافز لتخفيض الأسعار (مثلاً: إدخال آليات تحكيم الأسعار أو تخفيض الرسوم على السلع الأساسية عند انخفاض التكلفة).
4.مراقبة المؤشرات: إنشاء لوحة قيادة (dashboard) لمتابعة الاحتياطات، أحجام السوق الموازية، ومستويات المخزون لدى التجار.
ما أردت قوله هو أن انخفاض سعر الدولار في السوق الموازية قد يكون بشرى مؤقتة لكن لن يشعر به المواطنون تلقائياً ما لم يكن الانخفاض مؤسساً ومستداماً عبر سياسات تغطية ومؤسساتية واضحة.
الحل الحقيقي ليس في صدمة سعرية واحدة، بل في بناء ثقةٍ مستمرة في سوق العملة وفي آليات توريد واستيراد شفافة ومنتظمة — عندها فقط يصبح الانخفاض في سعر الدولار سبباً حقيقياً لانخفاض الأسعار اليومية.