كتب: الخبير الاقتصادي “إبراهيم والي”:
إن البنك المركزي ليس مجرد محافظ ونائب محافظ ومجموعة من الموظفين، وإنما البنك المركزي هو مجموعة من العقول ذات المعارف العلمية والخبرة الواسعة في الشؤون النقدية والاقتصادية والقانونية والتي ينتظم عملها في مؤسسة لها صلاحيات واسعة واستقلالية في ممارسة أعمالها لتحقيق الأغراض التي تعارف العالم المتقدم على أنها أغراض البنوك المركزية بهذا الوصف والتعريف يتحدد البنك المركزي القادر والفعال لتحقيق أهدافه التي أنشئ من أجلها.
إنه المراقب والراصد لحركة التطورات في مجال الصيرفة المركزية على الساحة الداخلية والاقليمية والعالمية ليلاحظ أن ثمة نزعة متزايدة نحو الاهتمام باستقلالية البنوك المركزية فعدا المانيا وأمريكا وهولندا وسويسرا والسويد ونيوزيلندا وفرنسا والكثير من الدول المتقدمة التى أقرت مؤخراً تعديلات قانونية تمنح مصرفها المركزي استقلالية عضوية ووظيفية عن السلطة التنفيذية والتي رفعت مصارفها المركزية إلى مصاف الهيئات المستقلة التي تختص برسم السياسات في ميادين النقد وتناقش قرارات ومواقف الهيئات السياسية، في غضون ذلك نلاحظ أيضاً أن برلمانات دول السوق الأوروبية المشتركة قامت بتعديل قوانينها بهدف إقامة تأسيس استقلالية لمصارفها المركزية إزاء حكوماتها.
- وتصاحب نزعة الاستقلالية هذه، نزعة أخرى لا تقل أهمية وهى “المريتوقراسية ” التي تقوم على مبدأ الجدارة في اختيار رجال المصارف المركزية ذوي المعرفة الشاملة والخبرة الطويلة في شؤون الصيرفة، لا سيما الصيرفة المركزية، وكذلك في كافة الميادين الأخرى ذات الصلة بالأمور الاقتصادية والنقدية والمالية وحتى القانونية فرجال البنك المركزي الألماني والبنك المركزي الأمريكي على سبيل المثال يعتبرون إدارة المصرف المركزي من قبيل الفن الذي لا يكتسب بالعلم فقط بل يظهر كموهبة لدى صاحبه يصقلها بالعلم والتجربة، ولا شك أن ذلك هو العامل الحقيقي والرئيسي معززاً باستقلالية كبيرة في العمل وصنع القرارات في نجاح بعض المصارف المركزية العالمية التي يترقب قراراتها وأخبارها يومياً الملايين من الناس في العالم، لا سيما المجالات النقدية والمصرفية.
- إن كل بنك المركزي قادر وفعال من أجل الوصول الى أهدافه، مع تعمقه في أغوار النزعة العالمية نحو استقلالية البنوك المركزية واعتماد مبدأ “المريتوقراسية” في اختيار رجالاتها وموظفيها، فإنه لا يتحرج القول إن كثيراً من الدول العربية لا توجد لديها بعد بنوك مركزية بالمضمون السليم والإيجابي بما تمثله هذه المؤسسات من قدرات فنية تؤهلها للقيام بدور فعًال في إدارة الميادين النقدية والمصرفية وثمة من الشواهد ما يؤكد ذلك.
فعلى الرغم من الاتجاه الأخير (الخجول) لدى بعض الدول العربية لتدعيم استقلالية مصارفها المركزية ضمن حدود معينة إلا إنه على مستوى العالم العربي نلاحظ عدم توفر الاستقلالية المنشودة لكثير من المصارف المركزية العربية وبالذات في مجال رسم وتنفيذ السياسة النقدية ذات التوجهات النقدية والمصرفية فقوانين البنوك المركزية في عدد غير قليل من الدول العربية تشترط موافقة وزير المالية أو وزير الاقتصاد على قراراتها الصادرة في شأن أمور السياسة النقدية بل إن الامر قد يمتد في قوانين بعض الدول إلى ضرورة موافقة الوزير على قرارات البنك المركزي الصادرة بشأن أمور الرقابة على النقد والبنوك وهنا قد تلعب هذه التدخلات الحكومية دوراً في منع أو تعديل قرارات سليمة يرغب البنك المركزي في إصدارها في أمور السياسة النقدية أو في شؤون الرقابة على المصارف وتذهب قوانين بعض المصارف المركزية العربية إلى مدى أبعد في الحد من استقلالية هذه المصارف، إذ تشترط هذه القوانين أن يكون تعيين محافظ البنك ونائيه / نوابه بناء على ترشيح من وزير المالية أو وزير الاقتصاد أو حتى رئيس الدولة. كما أن الأدهى من ذلك أن هذه القوانين لا تترك البنك المركزي حتى حرية وضع لوائحه ونظمه الداخلية التي تخص شؤون الموظفين والمحاسبة والإدارة وغيرها في البنك، واشتراط موافقة الوزير عليها، هذا من جانب.
ومن جانب آخر هناك نقص واضح، في كثير من البنوك المركزية العربية في كوادر الموظفين ذوي المؤهلات العالية والخبرات الواسعة في شؤون الصيرفة المركزية، ويرجع ذلك بصفة رئيسية إلى أن مميزات العمل في المصارف المركزية غير متكافئة مع مثيلاتها في البنوك التجارية والمؤسسات المالية الأخرى ولا شك أنه من غير المستساغ أن تكون الكوادر الوظيفية التي يعتمد عليها البنك المركزي في إصدار القرارات وتشكيل سياسات مصيرية، أقل خبرة ومعرفة من مثيلاتها لدى البنوك التجارية والمؤسسات المالية، والا فكيف يتسنى للبنك المركزي ممارسة رقابة فعالة وتوجيه سليم للبنوك والمؤسسات المالية في شؤون المهنة المصرفية.
لقد وضع لنا خبرائنا الاقتصاديين والماليين والقانونيين والمتمكنين في الصناعة المصرفية القانون رقم (1) لسنة 2005 وملحقاته بشأن المصارف، تؤكد مادته الاولى: (مصرف ليبيا المركزي مؤسسة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والدمة المالية المستقلة) حسب قانون المصارف المشار اليه ولكن الذى نراه على أرض الواقع غير ذلك
للأسف الشديد مند اقتحام مصرف ليبيا المركزي من طرف قوة عسكرية حينها تم وضع فوهة البركان أمام أبوابه لتصبح مفتوحة على مصرعيها لكل المستغلين والمتنفذين والمحتالين يسرحوا ويمرحوا وكأن المصرف لا أبواب له ، حتى أنه قلت هيبته كمصر للمصارف وأصبح لا يُقام له وزن ولا اعتبار ، وعندما نقول مصرف ليبيا المركزي نقصد المحافظ ومجلس الادارة والموظفين كل هؤلاء يواجهون ضغوط وتهديدات من هؤلاء الذين لا يعرفون قانون المصارف وأهداف مصرف ليبيا المركزي، لقد أن الأوان لتحقيق انعتاق تحرر مصرف ليبيا المركزي من هؤلاء المتطفلين وكذلك من المعرقلين مثل مجلس النواب والدولة والتدخلات الحكومية في أموره وشؤونه، والقضاء على الانفاق الموازي الذى عرقل مصرف ليبيا المركزي من تحقيق أهدافه الذى كفلها له قانون المصارف مع ثبات الإقرار بضرورة ضمان الانسجام والتنسيق بين السياسات الثلاثة النقدية والمالية والتجارية وهى وزارة الاقتصاد النائمة ومراعاة السياسة النقدية للأغراض والأهداف الاقتصادية العامة، لقد آن الأوان لترك مصرف ليبيا المركزي يتخذ بحرية واستقلالية تامة قراراته في تنظيم المهنة المصرفية وضمان مسيرته السليمة ووضع حلا عاجلا لمشكلة السيولة ومراقبة سعر الصرف واستحثاث خدمات مصرفية للمواطن الغلبان، لقد آن الأوان لتعديل نظم الموارد البشرية الموظفين في مصرف ليبيا المركزي لتشتمل على مميزات نقدية وعينية للعمل وتكون مصدر جذب الخبرات والكفاءات العالية وليس عامل طرد لها…. وإذا ما أستمر هذا الحال كما هو عليه فلن تجد محافظ ولا مجلس إدارة وبالتالي لن تجد موظفين، ولا قطاع مصرفي ليبي ونرجع إلى المربع الأول لا سامح الله.