كتب المستشار “مصطفى المانع” سويفت Swift ليس مجرد نظام للمدفوعات.
في ظل التحولات التي يشهدها النظام المالي العالمي ، وما يشاع عن إعلان الصين ربط نظام التسوية بالرنمينبي الرقمي مع دول آسيان وبعض دول الشرق الأوسط، تتسارع النقاشات حول مصير نظام “سويفت” الذي شكّل لعقود العمود الفقري للتجارة العالمية. غير أن ما يغيب عن بعض التحليلات هو أن التحول التكنولوجي لا يمكن أن يكون مبررًا لتفكيك النظام المالي والقانوني العالمي أو استبداله بآليات موازية غير خاضعة للرقابة السيادية.
فبينما تقوم الصين بتوسيع نطاق نفوذها المالي عبر “الجسر الرقمي”، اختارت بعض الدول والمنظومات المصرفية المحلية، فتح نقاشات حول أنظمة بديلة للتحويلات المالية بحجة تسريع المدفوعات وتجاوز قيود سويفت. إلا أن هذا التوجه، يمثل انزلاقًا خطيرًا نحو نظام مالي موازٍ يهدد سلامة النظام المصرفي ويضعف ثقة الشركاء الدوليين.
سويفت معيار الأمان والشفافية
بعيداً عن السياسه، فإن نظام سويفت (SWIFT) ليس مجرد نظام للمدفوعات، بل هو منظومة قانونية وتقنية متكاملة تمثل قاعدة البيانات الأضخم والأكثر أمانًا في العالم للرسائل المصرفية.
• يُدار سويفت وفق معايير صارمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT).
• يخضع النظام لإشراف جماعي من البنوك المركزية في الدول الأعضاء، مما يجعل كل عملية موثقة وقابلة للتتبع القضائي.
• أي خروج عنه يعني عمليًا الدخول في منطقة رمادية مالية، تُضعف مصداقية الجهاز المصرفي الوطني وتعرضه للعقوبات الدولية.
سويفت ليس نظام بطيئ
ان ما ينسب لسويفت من بطء في التسويات ليس بالضرورة ضعفًا تقنيًا بل هو جزء من منظومة الحماية القانونية التي تضمن مراجعة المعاملات والتأكد من مشروعيتها. بينما السرعة الخاطفة في الأنظمة الموازية، رغم جاذبيتها التقنية، قد تفتح الباب واسعًا أمام الجرائم المالية وتبييض الأموال تحت غطاء “التحول الرقمي”.
الاحتياطي الفدرالي الأمريكي federal reserve يؤكد بشكل دوري أن أنظمة التسوية الموازية خارج سويفت لا تتماشى مع معايير الامتثال الدولي، وأن أي تعامل معها قد يُعدّ خرقًا لأنظمة الامتثال المالي.

القانون الليبي يرفض الأنظمة الموازية
القانون الليبي، وفق أحكام قانون المصارف رقم (1) لسنة 2005 وتعديلاته، ينص بوضوح على أن مصرف ليبيا المركزي هو الجهة الوحيدة المخوّلة بتنظيم حركة النقد والتحويلات الخارجية، وهي ذات الضوابط التي تؤكدها تشريعات مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الارهاب والتي تمثل التزاماً دولياً قبل أن تكون التزاماً وطنياً.
كما أن منشورات مصرف ليبيا المركزي تؤكد حظر أي تعامل مالي أو مصرفي خارج القنوات الرسمية المعتمدة.
وبالتالي، فإن أي محاولة لإنشاء منظومة تحويل بديلة – مهما كانت نواياها – تمثل مخالفة صريحة للقانون الليبي، وتمس الأمن المالي للدولة.
المخاطر الاستراتيجية للنظام الموازي
1. فقدان التتبع القانوني: لا يمكن لسلطات التدقيق والرقابة تتبع الأموال الخارجة عن قنوات سويفت. 2. تعريض البلاد للعقوبات: أي تعامل موازي مع جهات مدرجة على قوائم العقوبات يعرض المتعامل لذات العقوبات. 3. ضرب الثقة الدولية: المصارف المراسلة وشركات التحويل العالمية تعتمد على سجل الشفافية في سويفت كمؤشر أمان. 4. تهديد السيادة النقدية: الأنظمة الموازية تخلق “اقتصاد ظلّ” خارج سلطة البنك المركزي، وتضعف أدوات السياسة النقدية، وتنمي فايروس خلق النقود الذي يمثل أكبر التهديدات على قوة العملة الوطنية.
الرقمنة ليست بديلاً عن الرقابة
التحول الرقمي المالي يجب أن يتم داخل الأطر القانونية والمؤسساتية، وليس عبر قنوات مستقلة أو رمادية.
وإذا كانت الصين قد طوّرت عملتها الرقمية كجزء من استراتيجيتها، فإن نقل التجربة إلى اقتصادات تشهد تحديات مثل ليبيا يشكّل خطرًا مضاعفًا، إذ يتحول النظام الموازي إلى غطاء للتهريب والتلاعب وانفاذ ابشع الممارسات.
ختاماً
إن سويفت ليس نظامًا احتكاريًا غربيًا بقدر ما هو إطار قانوني ضامن للنزاهة المالية الدولية، وأي مساس به داخل المنظومة الليبية، تحت أي مبرر، هو خروج عن الشرعية النقدية وتهديد مباشر لاستقرار العملة الوطنية ولسمعة ليبيا المصرفية.
التحول الحقيقي لا يكون بخلق أنظمة بديلة موازية، بل بتحديث البنية التحتية داخل النظام القانوني القائم، وإعادة بناء الثقة مع المؤسسات الدولية، لا بإثارة شكوكها، الاقتصاد الليبي اليوم أحوج ما يكون إلى ترميم الثقة مع النظام المالي الدولي لا إلى اختبار الثقه بنماذج موازية محفوفة بالمخاطر “اللهم قد بلغت”.
المستشار مصطفى المانع هو محامٍ ليبي وخبير قانوني واقتصادي منذ أكثر من 23 عامًا، عمل مع عدد من المؤسسات الاستثمارية والصناديق السيادية والبنوك في عدد من دول العالم بالإضافة إلى ليبيا، ويعمل كخبير لمراكز بحثية دولية، وعمل لسنوات كمستشار لمصرف ليبيا المركزي، وعضو مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار والمصرف الليبي الخارجي، كما مثّل ليبيا في اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وساهم في استيفاء ليبيا للمتطلبات الدولية لمكافحة غسل الاموال ومكافحة تمويل الارهاب، كما يرأس الفريق التنفيذي لمبادرات رئيس الوزراء والمشروعات الاستراتيجية، كما انه عضو المجلس الليبس الامريكي للتجارة والاستثمار، عمل ايضاً كمدرب ومحاضر بنقابة المحامين الامريكيه والرابطة الأوروبية للمحامين، وله عدد من البحوث والمقالات المنشورة بالصحف العربية والأمريكية والأوروبية.