| مقالات اقتصادية
“خالد الزنتوتي”: المصرف المركزي والتنمية المستدامة بين براثن الانقسام والجهوية والفساد (التحريم)!!
كتب: المحلل المالي “خالد الزنتوتي” مقالاً
لا أحد ينكر دور البنوك المركزية في تعزيز التنمية المستدامة في أي اقتصاد، فهي المحرك للعملية الاقتصادية من خلال استقرار نقدي ومن خلال سياسات نقدية ناجعة، وعلى خلاف البنوك التجارية التي تسعى للحصول على عوائد ايجابية وذلك من خلال سياسات الإقراض وتحقيق الربح ما بين تكلفة الودائع وعوائد الإقراض.
ولكن البنوك المركزية تسعى لخلق استقرار مالي من شأنه تشجيع الاستثمار ووفق سياسات نقدية تأخد في اعتبارها كل المتغيرات الاقتصادية الكلية والجزئية وانعكاسها على سياسات الإئتمان والنمو الاقتصادي، وكذلك المحافظة على احتياطيات الدولة وتنميتها.
من هنا أتساءل وبشكل بريئ هل مصرفنا المركزي نجح طيلة العقد ونيف الماضي في دعم تنمية مستدامة في ليبيا من خلال سياسات نقدية ناجحة؟ والإجابة ربما لا لا لا، ولكن لما لا !؟
الحقيقة التي يجب أن نتناولها بصراحة وبموضوعية هي أن البنك المركزي كان طيلة السنوات الماضية مُزج به في حلقة صراع مقفلة حلقاتها انقسام وجهوية وفساد، وحتى وأن حاول البعض الإصلاح ( وبغض النظر عن (الإدارة السابقة) والتي اعتبرها الحلقة المفقودة بين تلك الحلقات ولم تستطع أن يكون مستقلة في اتخاذ قراراتها التي غلبت عليها الفردية وعدم وجود مجلس إدارة فاعل، مما جعلها تتخبط بين تلك الحلقات المفزعة من انقسام وفساد وصراع على الدولار، وربما للأسف وللحفاظ على الوظيفة تم التحالف معها، الواحدة تلو الأخرى، إلى أن تضاربت المصالح وحدث ما حدث !!
الجانب الآخر أو الحلقة الأخرى الكبرى والتي سجنت وكبلت كل وظائف المركزي هي منع الفائدة وعدم وجود بديل، المشكلة أن ما يعرف بالسياسات النقدية جميعها وبلا استثناء تعتمد على متغير رئيسي وهو سعر الفائدة، وعندما تكون هذه الأداة معطّلة تماما ولا يوجد بديل لها، هذا يعني أن المصرف المركزي لن يتمكن من تبني أي سياسات نقدية، فمن خلال سعر الفائدة (أو بديله إن وُجد) يتم معالجة التضخم ويتم معالجة القوة الشرائية وفتح آفاق الاستثمار وفتح مجالات للعمالة المنتجة وتعزيزالتنميةالاقتصادية… الخ
المشكلة أن لا المركزي ولا غيره استطاع تطوير أداة بديلة لسعر الفائدة، باستثناء بعض ما قامت به بنوك (تسمي نفسها اسلامية) وفي منتج محدد، لم تساهم أبدا في رفع الاستثمار التنموي، بل باستغلال للمواطن البسيط فاق كل أسعار (الفائدة) السائدة في الأسواق المماثلة!!
أنا هنا لا أناقش (ربوية الفائدة) فهذا موضوع اختلف عليه العلماء والمؤسسات الأكاديمية الإسلامية، إلا أني أنوه إلى أن (الربا) بمفهومه اللغوي والاصطلاحي (USURY ) محرّم في جميع الثقافات والأديان من حمورابي إلى القانون الأمريكي الحالي، والأهم هو ديننا الحنيف الذي حرم بشكل مطلق الربا وهذا لا نقاش فيه، ولكن النقاش يجب أن يتمحور حول هل الفائدة ومكوناتها الاقتصادية والمالية، هل تذخل في مفهوم الربا؟ وهذا يحتاج إلى نقاش ديني اقتصادي تحكمه شريعة القرآن الكريم ومعاني ديننا الحنيف الصالح لكل زمان وكل مكان وذلك من خلال علمائنا الأجلاء ومؤسساتنا البحثية والأكاديمية المختصة.
فقدان هذه الأداة وعدم وجود بديل، جعل مصرفنا المركزي يركز عل عرض النقود والكتلة النقدية وطباعة النقود لمعالجة بعض الاختناقات اللحظية والتي فرضتها ظروف الانقسام والصراع القائم، مما رتب التزامات كبيرة على المواطن وظروف معيشته ومما جعل المصرف المركزي يسحب عملات قديمة ويضخ جديدة مع اتهامات بالتزوير ،،،، الخ، وخلق مشكلة سيولة يعاني منها الجميع .
لا اعتقد أنه تحت مثل تلك الظروف يستطيع حتى مجلس إدارة الاحتياطي الڤيدرالي ورئيسه جيروم بأول، العمل في إطارها، فما بالك ( بجماعتنا ) كان الله في عونهم .
لعل تاريخ أدارت مصرفنا المركزي يشير إلى اتجاهاتها غالبا لبعض الحلول التلفيقية الأنية للتعامل مع متغيرات لحظية ومفروضة عليها من (أطراف) مصلحية معينة وذلك مثل طباعة العملة وانفاق الاحتياطي وسحب بعض الإصدارات واستبدالها ،،، الخ، ولعل بعض هذه الحلول الأنية رتب وخلق مشاكل كبيرة تمس المواطن بشكل مباشر وغير مباشر مثل السيولة والدين العام .
حتى عندما حاولت (الإدارة الجديدة بالمصرف) معالجة بعض المشاكل الجذرية مثل توحيد الميزانية والسيطرة على الإنفاق، للأسف لم تجد أذان صاغية من (أصحاب النفوذ التشريعي والتنفيذي) والكل يعزف على ليلاه!!
حتى ما تم طرحه أخيراً بخصوص تكوين شركة قابضة وبرأسمال من الاحتياطي (وحسب ما نُشر في وسائل الإعلام)، ومع احترامي لأصحاب هذا الطرح، أرى أنها أيضا حل له محاذيره وربما من شأنه مخالفة كل المعايير الدولية المتعلقة بوظائف البنوك المركزية والتي لا تسمح للمصارف المركزية بتكوين شركات لا قابضة ولا غيرها أو الاستحواذ على حصص مؤثرة، ناهيك عن مخالفتها لقواعد استثمار احتياطيات الدول والتي من أهمها عدم المخاطرة بها والاستثمار فقط في أدوات سيادية مضمونة وذات investment grade عالي الجودة ومحدودة المخاطر، بل أن كل المعايير الدولية أو معظمها لا تجيز ملكية المصارف المركزية لمصارف تجارية وذلك انطلاقا من مبدأ استقلالية المصارف المركزية بشكل تام، هذه المشكلة التي يقع مصرفنا المركزي فيها وبشكل واضح من خلال ملكيته بحصص مؤثرة وغير مؤثرة في أكبر مصارفنا التجارية، وبذا ينتفي تماما دور المركزي في الرقابة على الجهاز المصرفي واستقلاليته، إذ لا يمكن الجمع بين الملكية واستقلالية الجهة الرقابية! .
في إطار المحاذير التي تم ذكرها أعلاه فإني أتمنى وأمل من المصرف المركزي أن يهتم بالملاحظات التالية.
⁃ التأكيد على الاستقلالية المطلقة للمصرف المركزي في القيام بوظائفه وعلى رأسها تطوير السياسات النقدية. ⁃ المصرف المركزي يجب أن لا يكون طرف في هذا الانقسام المقيت بأي شكل . ⁃ المصرف المركزي لا يتبع أي سلطة تشريعية أو تنفيذية من الناحية الفنية، وهو ملزم فقط بالمشورة والتقارير الفنية للحكومة ومجلس النواب ومساءلته من الجهة التشريعية. ⁃ مجلس إدارة المركزي له الحصانة التامة فيما يتعلق بتنفيذ مهامه خلال مدته القانونية وغير قابل للعزل من أي جهة إلا بحكم قضائي نافذ ⁃ المصرف المركزي لا يتعامل إلا مع ميزانية واحدة معتمدة من السلطة التشريعية وبالتنسيق الكامل معه. ⁃ أهمية دور المركزي في التنسيق مع الجهات التنفيدية فيما يتعلق بالسياسات النقدية ومواءمتها مع السياسات المالية والتجارية. ⁃ ضرورة قيام المركزي بتحديد سعر الصرف العادل للدينار الليبي وقدرته على الدفاع عنه وفي أي وقت مع ضرورة تعديله طبقا للمعطيات الاقتصادية للدولة وتطورها . ⁃ ضرورة تقنين ومتابعة كل تعاملات النقد الأجنبي من اعتمادات وأغراض شخصية وغيرها والتأكد من توريد كل سلع الاعتمادات إلى الوطن وبأسعارها الحقيقية وفي اطار موازنة سلعية معتمدة من السلطة التنفيذية . ⁃ ضرورة توجيه المصارف التجارية بضرورة مساهمتها في الإقراض التنموي وفق مصفوفة مخاطر وسياسات وضمانات ولوائح معتمدة من اللجان المتخصصة في المصارف، وبالطبع هذا يتطلب ايضا التنسيق مع السلطة التنفيذية فيما يتعلق بتهيئة الظروف الملائمة للائتمان بأنواعه وعلى رأسها التسجيل العقاري والمحاكم المالية المتخصصة والمستعجلة ،،،الخ. ⁃ أهمية وضرورة نقاش موضوع الفائدة أو بديل له، وهذا يترك لأهل الاختصاص وعلماء فقه المعاملات والاقتصاديين، لأنه لا يمكن ائتمان بدون تكلفة وبدون عوائد . ⁃ على كل المصارف التجارية العامة والخاصة تحديد هويتها، هل هي بنوك تقليدية أو غير ذلك ⁃ تكوين شركة قابضة تملكها الخزانة العامة وتؤول إليها كل مساهمات المصرف المركزي في المصارف التجارية وفصلها عن ملكية المصرف المركزي حتى يمكن له ممارسة دوره الرقابي بكفاءة واستقلالية كاملة، على أن يتم بعد ذلك طرح اكتتاب عام وبيع أسهم هذه الشركة القابضة للمواطنين والقطاع الخاص وفق اسعار عادلة .
وإذا لم تتحقق هذه الملاحظات، فعلى المعنيين الاستقالة بشرف، وعدم الانصياع لعوامل الانقسام وعوامل الجهوية وعوامل الفساد، وأي عوامل من شأنها المساس باستقلالية المصرف المركزي بأي شكل.
الملائمة للائتمان بأنواعه وعلى رأسها التسجيل العقاري والمحاكم المالية المتخصصة والمستعجلة، وكذلك أهمية وضرورة نقاش موضوع الفائدة أو بديل له، وهذا يترك لأهل الاختصاص وعلماء فقه المعاملات والاقتصاديين، لأنه لا يمكن ائتمان بدون تكلفة وبدون عوائد .
على كل المصارف التجارية العامة والخاصة تحديد هويتها، هل هي بنوك تقليدية أو غير ذلك، وأيضاً تكوين شركة قابضة تملكها الخزانة العامة وتؤول إليها كل مساهمات المصرف المركزي في المصارف التجارية وفصلها عن ملكية المصرف المركزي حتى يمكن له ممارسة دوره الرقابي بكفاءة واستقلالية كاملة، على أن يتم بعد ذلك طرح اكتتاب عام وبيع أسهم هذه الشركة القابضة للمواطنين والقطاع الخاص وفق اسعار عادلة.
إذا لم تتحقق هذه الملاحظات، فعلى المعنيين الاستقالة بشرف، وعدم الانصياع لعوامل الانقسام وعوامل الجهوية وعوامل الفساد، وأي عوامل من شأنها المساس باستقلالية المصرف المركزي بأي شكل.