Skip to main content
“الحضيري”: جمعيات عمومية (جعجعة بلا طحين)
|

“الحضيري”: جمعيات عمومية (جعجعة بلا طحين)

كتب الخبير القانوني في مجال النفط عثمان الحضيري مقالًا:

بمناسبة انعقاد ما يُسمّى بانعقاد الجمعيات العمومية للشركات النفطية، يسعدني أن أقدم للقارئ ما يلي:

أولًا: ما هي الجمعية العمومية بقطاع النفط؟ (ببساطة)
الجمعية العمومية هي أعلى سلطة في الشركات النفطية، تمثل المالك (الدولة عبر المؤسسة الوطنية للنفط)،
وتُعقد لمحاسبة الإدارة واتخاذ قرارات مهمة تخص المال العام وأداء الشركات النفطية (فنيًا وماليًا).

بمعنى أوضح:
هي الاجتماع الذي يُفترض أن يقول للإدارة: ماذا فعلتم؟ وماذا ستفعلون؟ وهل التزمتم بالقانون والتشريعات المنظمة للصناعة النفطية؟

ثانيًا: لماذا تُعقد في الواقع؟
نظريًا تُعقد من أجل: مراجعة الأداء، واعتماد الميزانيات، ومحاسبة المقصرين.

لكن في الواقع النفطي الليبي الحالي تُعقد غالبًا:
• لرفع العتب القانوني فقط
• لتسجيل أن الاجتماع “انعقد” دون تأثير حقيقي
• لتنفيذ تعليمات شكلية من جهات أعلى، وفي كثير من الأحيان تتحول إلى إجراء شكلي لا أكثر

ثالثًا: ما دورها المفترض؟ وما الذي يحدث فعليًا؟
الدور المفترض:
• رقابة حقيقية على الإدارة
• اتخاذ قرارات تصحيحية
• حماية المال العام

أما ما يحدث فعليًا فشيء آخر:
• تمرير التقارير دون نقاش جدي
• اعتماد ميزانيات رغم الملاحظات الجسيمة
• تجاهل تقارير المراجعة الداخلية والخارجية للشركة، ناهيك عن تجاهل تقارير ديوان المحاسبة، أما الرقابة الإدارية فلا وجود لها في قطاع النفط لأسباب معروفة سلفًا
• وفي الكثير من الأحيان انعدام المحاسبة لأي إدارة فاشلة بالشركات النفطية، والكثير منها لم يحقق المستهدف لا على المستوى الفني (زيادة الإنتاج، تحقيق معدلات الصيانة، أو أي اكتشافات نفطية)

والنتيجة: لا رقابة، ولا محاسبة، ولا تصحيح مسار.

رابعًا: لماذا تفشل الجمعيات العمومية؟

غياب الاستقلالية
أعضاء الجمعية العمومية في الغالب:
• مُعيَّنون إداريًا إما جهويًا أو قبليًا أو سياسيًا، كما أنهم يخضعون لتعليمات سياسية أو إدارية، والأكثر من ذلك غير قادرين على اتخاذ قرار مستقل، وبالليبي (أكل عيش وارتزاق)

وبالتالي يصبح العضو ممثلًا لجهة وليس لمصلحة الشركة أو الدولة.

ضعف الكفاءة والخبرة
• بعض الأعضاء لا يمتلكون خبرة نفطية أو مالية
• عدم فهم التقارير الفنية والمالية المعقدة
• الاعتماد الكامل على ما تقدمه الإدارة نفسها

كيف بالإمكان أن تُحاسَب إدارة بلغة لا يفهمها من يحاسبها؟

تضارب المصالح
• أحيانًا تكون العلاقة بين الإدارة وأعضاء الجمعية إما شخصية أو قائمة على المجاملة

فتصبح الجمعية شريك صمت بدلًا من جهة رقابية.

غياب المتابعة والتنفيذ
حتى عندما تصدر قرارات جيدة:
• لا توجد آلية متابعة
• لا جدول زمني للتنفيذ
• لا عقوبة عند التجاهل

وغالبًا تُكتب القرارات ثم تُنسى وتبقى رهينة الأدراج.

ثقافة الخوف أو اللامبالاة
• الخوف من المساءلة أو الإقصاء
• أو القناعة بأن “لا شيء سيتغير”

فيسود الصمت بدل المواجهة، بل النفعية والانتهازية للحصول على مزايا.

وهنا أؤكد: يُمنع التعليق أو الانتقاد لرئاسة الجمعية العمومية للمؤسسة، وفي كثير من الأحيان يتم لفت نظر المنتقد أو إجباره على الصمت.

خامسًا: النتيجة النهائية
الجمعيات العمومية للشركات النفطية في وضعها الحالي:
• لا تحمي المال العام
• لا تُصلح الإدارة
• لا تمنع الفساد
• لا تطور الأداء

وتتحول من أداة إصلاح إلى غطاء قانوني لاستمرار الخلل، وربما تغطيته ومداراته.

في النهاية، تبدو المشكلة ليست في فكرة الجمعية العمومية، بل في:
• من يُمثلها
• كيف تُدار
• ولمصلحة من تعمل

وبإصلاح ما تقدم من أخطاء فادحة، يجب اعتماد معايير واضحة للاختيار (خبرة نفطية، مالية، قانونية)،
• منع تعيين من ليست له علاقة مباشرة بطبيعة نشاط الشركة
• تحديد حد أدنى من المؤهلات والخبرة

وفي الأخير، بدون أعضاء مؤهلين لا معنى لأي رقابة.

ولو استمرت بنفس الشكل الحالي، ستبقى مجرد إجراء ورقي لا أثر له، ويستمر القطاع بلا رقابة، ويتحول إلى سوق لاستنزاف المال العام وإهدار ثروات الشعب الليبي.
والحل في التغيير العاجل بكفاءات وخبرات وطنية، وإلا سينتهي بنا الأمر إلى الإفلاس.

مشاركة الخبر