أكد الخبير الاقتصادي “محمد الرفادي” حصريًا لصحيفة صدى الاقتصادية أن الاقتصاد الليبي، على الرغم من تسجيله معدل نمو يُقدَّر بنحو 13% وفقًا للتقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية، يظل نموًا هشًا وغير مستدام من حيث جوهره الاقتصادي.
وأوضح أن هذا النمو جاء مدفوعًا بارتفاع نسبي في أسعار النفط العالمية، واستقرار الإنتاج عند مستوى يقارب 1.3 مليون برميل يوميًا، غير أن قراءة المؤشرات الكلية الإيجابية بمعزل عن الواقع الداخلي تعكس صورة مضللة لا تعبّر عن حقيقة الأداء الاقتصادي على الأرض.
وأضاف الرفادي أن التقارير المحلية تُظهر بوضوح وجود عجز مالي مزمن يتكرر بصورة شبه دائمة، وهو ما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحالة الانقسام السياسي وغياب رؤية اقتصادية موحدة في البلاد.
وبيّن أن هذا العجز يُعد نتيجة طبيعية لتراكم إخفاقات امتدت لعقود من سوء إدارة الموارد الاقتصادية، وعلى رأسها المورد النفطي، الذي لا يزال يُدار بعقلية بدائية وببنية رأسمالية متهالكة وغير صالحة للاستخدام في العديد من جوانبها، مشيرًا إلى أن آخر إنشاء نفطي رئيسي يعود إلى عام 1985، في دولة يعتمد اقتصادها بشكل شبه كلي على النفط.
وأشار إلى أن السياسات المالية والنقدية لا تزال تعمل في حالة من العزلة والفوضى، دون تنسيق مؤسسي فعّال، حيث يقابل التوسع غير المنضبط في الإنفاق العام عجز شبه كامل في إدارة السياسة النقدية، وصل إلى حد الشلل.
ولفت إلى أن هذه السياسات تحولت عمليًا إلى أدوات سياسية تُستخدم في إدارة الصراع، بدلًا من كونها أدوات اقتصادية تهدف إلى تحقيق الاستقرار والنمو.
وشدد الرفادي على أن التقييم الحقيقي لأي اقتصاد لا يُقاس بمعدلات النمو الاسمية أو بحجم الإيرادات النفطية، بل بمستوى معيشة الأفراد وجودة حياتهم.
وفي الحالة الليبية، تؤكد المؤشرات تدهورًا مستمرًا في القوة الشرائية والدخل الحقيقي، إلى جانب انهيار تدريجي في الخدمات الأساسية، ما يعكس فشل النمو القائم في التحول إلى تنمية حقيقية يشعر بها المواطن.
وحذّر من أن استمرار هذا الوضع دون معالجة جذرية لن يقود إلا إلى مسار واحد محتوم يتمثل في الانهيار الاقتصادي الكامل.
وفي ختام حديثه، أوضح الخبير الاقتصادي أن جوهر الأزمة الليبية ليس اقتصاديًا بحتًا، بل سياسي بالدرجة الأولى، إذ إن السياسة هي التي تصنع القرار الاقتصادي، بينما يفتقر صناع القرار في ليبيا إلى الخبرة الاقتصادية المتخصصة، في ظل غياب شبه تام للاقتصاديين عن مراكز صنع السياسات، وحلول مجموعات من المحاسبين والمهندسين محلهم، الأمر الذي يُنتج قرارات تقنية مجتزأة تفتقر إلى الرؤية الاقتصادية الكلية، وتؤدي إلى تشوهات هيكلية في بنية الاقتصاد.
وختم الرفادي بالتأكيد على أن الحل النظري يكمن في عزل الاقتصاد عن التجاذبات السياسية، وبناء إدارة اقتصادية مستقلة قائمة على الكفاءة والخبرة، إلا أن هذا الحل، رغم وضوحه، يظل صعب التحقيق في ظل الظروف الراهنة، ما لم يسبقه تحول سياسي عميق يعيد ترتيب أولويات الدولة، ويضع الاقتصاد في موقعه الصحيح كأداة للاستقرار لا كسلاح في الصراع.