أبوسنينة يكتب: “وهم تقسيم الثروة”

238

كتب: الخبير الاقتصادي د. محمد أبوسنينة

إن أكبر وهم عاشه ويعيشه الليبيون اليوم هو تقسيم الثروة، وإن أشد خطر يواجه الثروات الليبية هو المطالبة بتقسيمها. الثروة في ليبيا تتكون من احتياطيات النفط والغاز ، ومخزون الخامات ( الحديد والنحاس ورمال السلكا والذهب واليورانيوم …إلى آخره ) في باطن الأرض وكذلك الثروة المائية أو ما يعرف بمجموع الأصول الطبيعية ، وكذلك رأس المال البشري الذي تكون عبر الزمن . ويمكن النظر للثروة على أنها رأس مال يدر دخلًا . والمورد الوحيد الذي يدر دخلًا في ليبيا هو النفط والغاز . هذه الثروات بطبيعتها غير قابلة للتقسيم لا على الأفراد ولا على المناطق أو الأقاليم ، وتتحقق الاستفادة المثلى منها من خلال الاستغلال الجماعي لإيراداتها أو الدخل المتولد عنها . وتكمن خطورة المطالبة بتقسيم الثروات بذريعة تحقيق العدالة ، كما يحلو للبعض ، في ما تدفع إليه من وقت لآخر ، من تعطيل نشاطاتها وما توعز به من صراعات وتهديدات تشهدها وشهدتها ليبيا على مدى التسع سنوات الماضية.

يعتبر تقسيم الثروة وهم لأن هذه الثروات غير قابلة للتقسيم ( أو التوزيع ) في حد ذاتها ، وهي موزعة توزيعًا طبيعيًا في باطن الأرض ولا يمكن تجزئتها أو تقسيمها جغرافيًا في إطار الدولة والأرض الواحدة . وتتناقص مع الاستمرار في استغلالها ، وآيلة للنضوب . وقد يكون الهدف من رفع هذا الشعار ( توزيع الثروة ) في السابق وحاليا هو تلهية الشعب عن ما هو أهم، وصرف نظره عن عجز الحكومات في السابق وفي الوقت الحاضر في تحقيق الاستغلال الأمثل لهذه الثروات وتحقيق الرفاهية للشعب والتنمية المستدامة ، وعن الفساد الذى يعتري أساليب وطرق إنفاق أو التصرف في الدخل المتولد عن هذه الثروات ، حيت يعتبر استغلال موارد ودخل هذه الثروات لصالح الشعب مسؤلية الحكومة التي تعتبر مؤتمنة عليها بحكم الدستور والقانون . و صار الشغل الشاغل للشعب هو المطالبة بتقسيم هذه الثروة ، أو التهديد بقفل الحقول والمواني النفطية وتعطيلها ، عوضا عن اللجوء إلى محاسبة من يديرون إيرادات النفط أو يقصرون في استثمار عوائده وتكليف حكومة وطنية تتولى هذا الأمر . وعندما يكون تصدير النفط هو المورد الوحيد للدخل فإن المساس به يهدد حياة كل الليبيين، ويفوت فرصة الاستفادة منه بأي شكل ، لاسيما وأن الإيرادات السنوية المتأتية من تصدير النفط لم تعد كافية حتى لدفع فاتورة المرتبات ، وهي المصدر الوحيد لتمويل المرتبات ، بالإضافة إلى دعم المحروقات.

فقد بلغ إجمالي الإيرادات النفطية خلال عام 2019 ما مجموعه 31.395 مليار دينار وبلغ إجمالي المرتبات المدفوعة ، غربًا وشرقا ، ما مجموعه 29.5 مليار دينار خلال العام ، فما بالك عند توقف هذه الإيرادات وانقطاعها نهائيًا . و كل يوم يمر دون الاستفادة من استخراج النفط وتصديره يكون على حساب الاستفادة من دخل النفط في إيجاد مصادر بديلة للدخل وتنويع الاقتصاد ، ويلحق بالاقتصاد الوطني مضار ويعرض حاضره ومستقبله لآثار كارثية ، وما أزمة الهلال النفطي خلال عامي 2014- 2015 ببعيدة . إذ قد لا تتأتى أية ايرادات منه في المستقبل وتدخل الدولة في حالة عجز كامل . فقد تتدهور أسعار النفط الخام العالمية ، وقد يفقد النفط سوقه بالاستعاضة عنه بمصادر بديلة للطاقة والتي صارت تغزو الأسواق الدولية في مختلف المجالات . وفوق كل ذلك ، وطالما كان النفط سلعة استراتيجية دولية فإن المساس بإمداداته ، في الوقت الحاضر قد يجر على البلاد تبعات دولية ليس أقلها النفط مقابل الغذاء بذريعة المحافظة على استمرار إمدادات النفط واستقرار سوقه الدولية ، واللجوء إلى ادارة حساباته و تخصيص إيراداته وتوجيهها لتمويل الأمور الحيوية ( الغداء والدواء ).

ولكن من جهة أخرى ، من حق الشعب الليبي الاستفادة من ثرواته المختلفة التى حباه الله بها ، ومن حقه ان ينعم بمستوى معيشي لائق ، وان يطمئن على موارده وثرواته ، وتسخيرها لصالح كل الليبيين ، وينبغي ان تتعالى الأصوات مطالبة بالاستغلال الأمثل لدخل النفط ( استهلاكًا واستثمارًا ) وتوجيهه لتحقيق التنمية المكانية المتوازنة والعادلة ، وتحقيق التنمية المستدامة بمفهومها الواسع ، ومن حق الشعب الليبي ان يطمئن على حسن استثمار احتياطياته المقومة بالنقد الأجنبي والاستفادة من عوائده ، والطريق إلى ذلك اقامة حكومة موحدة ومصرف مركزي واحد و القضاء على الفساد و ايجاد نظام للحكم المحلي تتمكن من خلاله وحدات الحكم المحلي ( المحافظات أو البلديات ) من تنمية مواردها المحلية والاستفادة بشكل مباشر من ايرادات النفط في شكل ميزانيات تسخر لتقديم الخدمات المحلية وتحقيق التنمية المكانية . اما مطلب تقسيم الثروة ، بأي شكل وعلى أية هيئة، بعيدا عن الاعتبارات والدوافع السياسية ، فهو مطلب غير قابل للتطبيق ، لان الثروة غير قابلة للتقسيم ، و ان قفل المواني والمرافئ النفطية ومنع تصدير النفط لن يكون في صالح جميع الليبيين.