“الترهوني” يكتب: أين يجد المصرف الليبي الخارجي نفسه بعد رحلة نصف قرن!

1٬698

كتب: دكتور عبدالله ونيس الترهوني مقالاً

تناقلت وسائل الإعلام المختلفة عشية أول أيام شهر رمضان المبارك من العام 2023 خبر إفتتاح مكتباً للمصرف الليبي الخارجي في المنطقة الحرة مصراتة، ويأتي افتتاح هذا المكتب ليكون هو الأول خارج العاصمة طرابلس وبما يمكنه من تقديم خدماته للمستثمرين والجهات العاملة بالمنطقة الحرة بمصراتة وماحولها، وكون أن هذا المكتب هو الأول خارج المقر الرئيسي للمصرف في مجمع ذات العماد بطرابلس فلسائل أن يسأل عن نشأة المصرف ومساهماته وماذا حقق من أهدافه ؟

إن بعض الإجابات عن هذا السؤال يحويها الموقع الالكتروني للمصرف الليبي الخارجي، وأن البيانات  المنشورة Data  بالموقع هي نقطة تًحسب للمصرف ، كما أن نشر القوائم المالية بذات الموقع هي نقاط قوى أخرى تضاف له، بل وتمثل جانباً مهماً من شروط الحوكمة في ادارة هذا النوع من المؤسسات.

يُعرف المصرف أو البنك Bank إصطلاحاً بأنه مؤسسة مالية تُّدار بأسلوب علمي وتتعامل مع كافة وسائل الدفع: حيث تقبل الودائع، وتمنح القروض وتوظف الاستثمارات، ويؤدي المصرف مجموعة من الخدمات وفقاً لقواعد وأعراف وعادات متداولة في الأسواق المصرفية وذلك من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المحددة سلفاً، وتقوم المصارف إجمالاً بتحقيق مجموعة من الغايات كتخفيض العجز في الموازنة العامة في الدولة وتخفيض العجز المالي في الميزان التجاري وتخفيض معدلات التضخم، وبالتالي فإن المصارف هي أحد دعامات التنمية كما أنها عاملاً حاسماً في رفع مستوى رفاهية أفراد المجتمع.

كما هو معلوم لدى الجميع فإن إعداد وبناء هياكل ومؤسسات الدولة الليبية بما فيها الجبش والشرطة والدستور وبعض الإدارات المدنية قد بدأ بالفعل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى قبل نيل البلاد لاستقلالها الرسمي مع نهاية العام 1951، وفي هذا الإطار فقد تم إنشاء لجنة النقد الليبية في العام 1951 لتكون هي السلطة النقدية في ليبيا، ثم جاء القانون رقم 30 لسنة 1955 ليؤسس للمصرف الوطني الليبي أو المصرف المركزي الذي بدأ نشاطه في 1 أبريل 1956، وتجدر الإشارة هنا إلى أن البنك المركزي الليبي هو أقدم البنوك المركزية في منطقة شمال أفريقيا، ثم تغير إسمه إلى مصرف ليبيا المركزي منذ العام 1963 وذلك بموجب قانون البنوك الصادر في ذلك العام.

تأسيساً على ماتقدم، يمتلك مصرف ليبيا المركزي المصرف الليبي الخارجي بالكامل وبحصة قدرها 100%، فالمصرف الخارجي حسب قانون الانشاء هو شركة ليبية مساهمة ويمارس نشاطه كمصرف خارجي (Offshore) بموجب القانون رقم 18 لسنة 1972 والمعدل بالقانون رقم 66 لسنة 1972، و برأس مال عشرون مليون دينار عند التأسيس، ولديه مساهمات في 48 مؤسسة مالية ومصرفية في أكثر من 23 دولة حول العالم بهدف دعم عمليات التجارة الدولية ولتعزيز مكانة ليبيا المالية والمصرفية عالمياً، بالإضافة إلى أعماله الخارجية أجاز القانون رقم 66 لسنة 1972 للمصرف الخارجي القيام ببعض الأعمال المصرفية داخل ليبيا كعمليات التمويل الإنمائي والتي تتم من خلال حساب منفصل عن حساب العمليات المصرفية الأخرى، ويبقى العام 2010 عاماً هاماً ومفصلياً في تاريخ المصرف حيث أقرت الجمعية العمومية زيادة رأس المال بقيمة مليار دولار أمريكي ليصبح إجمالي رأس المال المدفوع هو 3 مليار دولار أمريكي ، كما تم في نفس العام تأسيس وحدة الدينار الليبي كذراع محلي والتي تُمكن المصرف الليبي الخارجي من خدمة زبائنه بالدينار الليبي بعد أن كان العمل مقتصراً على العملات الأجنبية، وهي خطوة صحيحة وإن جاءت بعد 38 سنة من اقرارها بقوة القانون، وأن من بين 48 مساهمة خارجية فإن المصرف يمتلك أغلب الاسهم في المصرف العربي البريطاني وبنك اليوباي وبنك شنقيط والبنك الاستوائي وبنك شمال إفريقيا التجاري ومصرف اريسبنك والشركة المصرفية عبرافريقيا والمصرف العربي التركي وغيرها، ناهيك عن حصص أغلبية في باقي مساهمته.

المصرف بدأ في التسويق لنفسه في السنوات الأخيرة (ولكن على استحياء)، وذلك من خلال المشاركة في المحافل المهمة والندوات وورش العمل، وهو في الحقيقة مُجبر على ذلك إذا أراد الاستمرار والمنافسة في السوق، وبالطبع يسعى المصرف لتوسيع نطاق عمله في الداخل والخارج مستفيداً من مكانته التي منحها له القانون 18 لسنة 1972 وتعديلاته بالقانون 66 لسنة 1972.

بالعودة إلى القانون رقم 66 لسنة 1972 والذي زاد رأس مال المصرف ووسع رقعة نشاطه، وبعبارة أخرى فقد أُجاز هذا القانون في مادته الثانية للمصرف الخارجي القيام ببعض الأعمال المصرفية داخل ليبيا، وبنظرة خاطفة على نشرة الاعتمادات المستندية والحوالات بنهاية الربع الاول من العام 2023 والمنشورة بموقع مصرف ليبيا المركزي فإننا نجد أن المصرف الخارجي قد حل في مرتبة متدنية: حيث حل في المرتبة ما قبل الأخيرة في عدد الاعتمادات المستندية والحوالات خلال الفترة المذكورة، وبالتالي فالسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف للمصرف الخارجي من سبيل وفقاً لإمكانياته المالية ومساهماته وإنتشاره خارج ليبيا من التحول من وضعه الحالي إلى شعلة من التوهج والنشاط  بهدف كسب عدد اكبر من الزبائن والمتعاملين في داخل ليبيا، والذي سيؤدي إلى زيادة حصته في السوق؟

قد لايكون الجواب شافياً إذا قلنا أن إتباع سياسات تسويقية حديثة ومبتكرة من شأنه أن يبعث الحياة في شرايين المصرف لأن هذا جزء من سياسات المصرف وواجباً أصيلاً لمجلس الإدارة ، ويبقى على الادارة التنفيذية العمل على تسويق المصرف بالشكل المطلوب في داخل ليبيا وذلك من خلال إستقطاب وكسب رضا المزيد من الزبائن والمتعاملين، وأن على الإدارة التنفيذية أيضاً توطيد علاقات المصرف الخارجي بالمصارف الليبية والدخول معها في شراكات، وأن على المصرف أيضاً دعم بعض الأنشطة الاقتصادية، وتمويل بعض العمليات التجارية وتعزيزها، ويبقى أمام الإدارتين عمل مُضني وطويل ليشق المصرف طريقه وسط الزحام!