“الصلح” يكتب: الأزمة الاقتصادية بين الخيارات السياسية والاقتصادية

66

كتب: الخبير الاقتصادي “علي الصلح”

لقد قام الاقتصاد الليبي بعدة محاولات لتخفيف الأزمة الاقتصادية عقب المفاوضات السياسية التى جرت في العديد من العواصم العربية والعالمية ولكن دون جدوى، بالرغم من مساندة صندوق النقد الدولي لها.

والجدير بالذكر أن محاولات التصحيح الذاتي فشلت في استهداف أهم المؤشرات الاقتصادية وذلك يعزى إلى عجز ميزان المدفوعات، بسبب إيقاف إعادة تصدير النفط، وعجز الميزانية العامة، واستمرار تفشى ظاهرة الفساد بسبب الانقسام السياسى.

وأصبحت ليبيا مادة يسخر منها العالم وذلك جراء فشلهم في تحقيق أهدافهم رغم توافر الموارد الاقتصادية وموقعها الجغرافي، وانشغال الحكومات بالنفقات، وتكوين الفساد للثروات، كما أن كان هناك شئ واحد علمتنا إياه الأزمة هو أن الحكومات ستقترض أكثر فأكثر في كل عام، فبالكاد يمر شهر لا يخلو من إنذار يوجه من قبل المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي أو منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة فيما يخص حال الاقتصاد المحفوف بالمخاطر.

وفي سياق الحديث، فإن مايحدث اليوم ،حالة استمرار الفساد ورغبتهُ القائمة على استمرار الانقسام وذلك للأرباح التى يحققها من تهريب العملات الأجنبية والمحلية والسلع وثروات الليبيين، ويُعد هذا الأمر مخالف للقانون وللأهداف السياسة الاقتصادية، فالاقتصاد الليبي اليوم يدخل دوامة أكثر عنفاً وذلك لأسباب تتعلق باختلال المؤشرات الاقتصادية.

نذكر منها الاتي:· يعاني الاقتصاد الليبي من مشاكل عديدة منها ارتفاع معدلات البطالة والتضخم (التضخم الركودي), وذلك بسبب الحروب والأزمات المتعاقبة التي مرت بها ليبيا وخاصة في الفترة الممتدة بين عام (2014-2020) وإلى حد الآن، وما حصل على هذه المعدلات من زيادة واضحة بشكل كبير وخاصة بعد فترة الانقسام السياسي والاقتصادي، وهذا يؤكد أن هناك خللاً اقتصادياً يؤثر بصورة سلبية على الأداء الاقتصادي الكلي ويمكن ملاحظة هذا الارتفاع في معدل التضخم الركودي من خلال المتابعة في بعض السنوات ففي عام 2011 سجل معدل 30.5) %) واخذ في التزايد إلى أن بلغ معدل التضخم الركودي حده الأقصي (45.6%) وذلك عام 2017و 2018، وهكذا أخذت معدلات التضخم والبطالة بالارتفاع وأصبحت العلاقة بينهما طردية وهذا يدل على وجود مشكلة جديدة في الاقتصاد الليبي وهي التضخم الركودي (Stagflation).

وكذلك يلاحظ أن معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي أخذت تتراجع وتنخفض بشكل ملحوظ بسبب توقف أغلب مواني النفط عن الإنتاج والتصدير، وأيضا اتباع سياسة مالية خاطئة وهي التوسع بالنفقات مقابل التخلي عن التحصيل الضريبي وهذا يؤدي إلى التمويل بالعجز والذي يترتب عليه آثار تضخمية كبيرة.

بالإضافة إلى سياسة نقدية فاشلة من خلال زيادة المعروض النقدي الذي له آثار تضخمية أيضا والتي تدل على وجود فجوة دائمة بين المعدل السنوي لنمو عرض النقد والمعدل نمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي، مع غياب التوازن المطلوب بين سوق النقد وسوق السلع والخدمات.

كما يعاني الاقتصاد الليبي كغيره من الدول النامية من مشكلة زيادة النفقات العامة بصورة غير مدروسة بحيث أدت إلى تزايد نسب عجز الموازنة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي الى اكثر من 3% وذلك منذ عام 2014 واخذ في التزايد الى ان وصل اقصاه عام 2016 بنسبه تقدر ب 91.35%، بينما تجاوز الدين المحلي حدوده الآمنه عند 295% كنسبه من الناتج المحلي الاجمالي عام 2017 مما أثر سلباً على وضع الإستدامة المالية.·

كان من نتيجة اهتمام خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية السابقة والحالية بالبعد الزمني، والبعد القطاعي دون الاهتمام بالبعد المكاني، والمؤشرات الاقتصادية الكمية، أن ظهرت مشكلة بالإضافة إلى التحديات السابقة على درجة كبيرة من الخطورة، وهى مشكلة الفوارق الإقليمية أو الفوارق بين البلديات، بحيث نجد بعض الإقاليم أو بعض البلديات أكثر تقدماً من الناحية الاقتصادية والاجتماعية عن سائر الاقاليم أو البلديات الأخرى.

ولقد ترتب على وجود هذه الفوارق أن تحولت الإقاليم المتقدمة إلى مناطق جذب تتجة اليها رؤوس الأموال، والأيدي العاملة، نظراً لتوافر الخدمات الرئيسية المختلفة، وارتفاع الاجور، وتوافر فرص العمل، وتوافر الاسواق، وغير ذلك من العوامل التى تساعد على جذب الأنشطة الاقتصادية إلى مناطق تلك البلديات او الإقاليم،وعدم استغلال مناطق شاسعة في الدولة الليبية تتوافر بها موارد اقتصادية هامة.

يجتاح الاقتصاد العالمي اليوم اسوء ركود اقتصادي منذ سنوات “الكساد الكبير”، واسوء بكثير من الأزمة المالية العالمية 2008 بسبب “الإغلاق العام الكبير ” الذي تشكل بسبب انتشار فيروس كورونا الجديد، ومنطقة شمال أفريقيا ليست بمنأى عن هذا الركود و ما يُخلّفه من تداعيات في الأجلين القصير والمتوسط.

ومما سبق … يستطيع كل ليبي تحديد إلى من يستمع إليه، فإما سينظف الفساد ويستقر الاقتصاد أو سيطرحنا أرضاً بالضربة القاضية، توحيد المؤسسات هو الموقف الوطني الوحيد الذي يجب تحقيقهُ، فالمحافظة على الاقتصاد هو شكل موازي للحافظ على الوطن ولا ينفك عنهُ مطلقاً.