حبارات: رغم الانخفاض الحاد للإحتياطي الأجنبي لتونس فالدينار التونسي أقوى من الدينار الليبي أمام الدولار والسبب ؟

1٬087

كتب: نورالدين حبارات المهتم بشأن الاقتصادي مقالاً

ذكر البنك المركزي التونسي مؤخراً إن احتياطياته من النقد الأجنبي تهاوت إلى نحو 7 مليار دولار وهو الأدنى منذ ثلاث سنوات، حيث يكفي هذا الرصيد إلى تغطية واردات تونس لمدة 100 يوم فقط وذلك بسبب إرتفاع العجز في الميزان التجاري إلى 5 مليار دولار .

وصحيح حجم الإحتياطي الأجنبي عامل مهم و مؤثر في تحديد سعر صرف العملة المحلية للدول أمام العملات الأجنبية لكن هذا يبقى غير كافي فهناك عوامل أخرى مهمة سبق وأن تتطرقنا إليها لا تقل أهمية ولعل الحالة الليبية لخير دليل على ذلك ، فعلى الرغم من أن الإحتياطي الأجنبي لليبيا يعادل قرابة من 7 إلى 8 أضعاف إحتياطي تونس فأن الدولار الأمريكي يعادل قرابة 5 دينار ليبي في المتوسط في حين يعادل قرابة 3.20 دينار تونسي .

فاليوم الدينار التونسي يعادل 1.530 دينار ليبي .
ومن أهم تلك العوامل .
1- حجم الانفاق العام ، فميزانية تونس للعام الحالي 2022 م لا تجاوز 52 مليار دينار تونسي قرابة 60 إلى ‎%‎70 منها يخصص للتنمية في حين حجم الإنفاق العام في ليبيا لهذا العام قد يناهز 95 مليار دينار معظمه إنفاق إستهلاكي وتسييري .

2- حجم الإيرادات السيادية من ضرائب وجمارك واتاوات ورسوم وفوائض شركات ، فحجم هذه الإيرادات في تونس تناهز من 43 مليار دينار تونسي و بما نسبته ‎%‎80 من إجمالي إيرادات الميزانية ومصدر رئيس في تمويل ميزانيتها ، في حين في ليبيا حجم هذا النوع من الإيرادات لا يتجاوز في العادة 2 مليار دينار وبما نسبته ‎%‎02 من إجمالي حجم الإيرادات العامة فالنفط هو الممول الوحيد تقريباً لميزانيتها ولحصيلتها من العملات الأجنبية .

3- حجم الدين العام ونسبته من الناتج المحلي ، فحجم هذا الدين في تونس يقارب من ‎%‎82 من ناتجها المحلي رغم إن جزء منه قروض خارجية ، في حين يعادل الدين العام في ليبيا ما نسبته ‎%‎300 من ناتجها المحلي جله دين محلي مع ملاحظة إن هذا الدين يمثل قيمة السلف الممنوحة من قبل المركزي والمقدر ب 153 مليار دينار ولا يشمل الإلتزامات المالية التي رتبتها الحكومات السابقة والمتعاقبة خلال السنوات الماضية بالمخالفة للقانون .

4- مدى كفاءة القطاعي العام والخاص ونسبة مساهمتهما في الناتج المحلي للبلاد وهذا الأمر واضح فكافة القطاعات في تونس تشتغل ولها مساهمة معتبرة خاصةً في الصادرات والتي أبرزها قطاعات الصحة والزراعة والصناعات والنقل والاتصالات في حين هذه القطاعات في ليبيا وللاسف ضعيفة ومساهمتها شبه معدومة.

5- حجم الجهاز الإداري ، فالجهاز الإداري بتونس صغير مقارنةً بليبيا فأعداد العاملين في تونس لا تتجاوز 650000 عامل في حين تناهز اعداهم في ليبيا قرابة 3000000 عامل بالجهات الممولة وغير ممولة من الخزانة العامة.

6- حجم فاتورة الواردات ، ففاتورة الواردات في تونس أقل رغم إن سكان تونس قرابة ضعف سكان ليبيا وهذا يعني إعتماد تونس بشكل كبير على الإنتاج المحلي في توفير معظم احتياجاتها وتتمثل أغلب واردات تونس في الوقود والقمح و مواد الخام ومستلزمات التشغيل والآلات والماكينات الإنتاجية ، في حين تستورد ليبيا تقريباً في كافة احتياجاتها إلى أن تحولت سوق إستهلاكية للسلع التونسية والمصرية والتركية.

7- حجم الإنفاق الخارجي على البعثات الدبلوماسية ، فأعداد السفارات التونسية بالخارج وعدد العاملين بها قليل جدا مقارنةً بأعداد السفارات الليبية بالخارج وبأعداد العاملين لها ، فليبيا لديها تقريباً سفارات في معظم دول العالم بما فيها الدول التي ليس لديها معها علاقات أو تبادل تجاري واقتصادي وثقافي .

8- حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة ، فهذه الاستثمارات تتدفق على تونس في عدد من المجالات في حين تبقى شبه معدومة في ليبيا وذلك إذا ما أستثنينا قطاعي النفط والغاز.

9- مدى كفاءة النظام المصرفي ، فالنظام المصرفي في تونس جيد بل ومتطور إلى حداً ما ، فأدوات السياسة النقدية لديه مفعلة وتسهم وتؤثر إيجاباً في دعم الدينار التونسي في حين في وللأسف النظام المصرفي في ليبيا مترهل وأدوات السياسة النقدية لديه شبه معطلة بشكل كامل.

10 – معدلات الفساد الإداري والمالي ، فالفساد في تونس بالتأكيد موجود لكن يبقى عند معدلات محدودة قياساً بما هو في ليبيا وفمعدلات الفساد لدينا بلغت مستويات مرتفعة جداً و غير مسبوقة بشهادة تقارير لمنظمات دولية مستقلة .

11- حولات المقيمين  بالخارج ، فأعداد التوانسة المقيمين بالخارج كبيرة جداً مقارنة بليبيا و تشكل تحويلاتهم من العملات الأجنبية إلى تونس رافد مهم لإحتياطي البلاد من النقد الأجنبي حيث تقدر تلك التحويلات بمليارات الدولارات سنويا ، وبالتأكيد ساهمت سياسة سعر الصرف المتبعة في تونس في تحفيز التوانسة المقيمين بالخارج على تحويل مدخراتهم فالسعر في المصرف تقريباً نفسه في السوق أو في مكاتب الصرافة .

وفي الختام بالتأكيد هناك عوامل وأسباب أخرى لا يسعنا الوقت للخوض فيها لكن تبقى حالة الانقسام المؤسسي والانسداد السياسي وهشاشة الأوضاع الأمنية في ليبيا مشكل وسبب مباشر يضاف إلى تلك الأسباب رغم إن تونس أيضاً تعيش أزمة سياسية منذ قرابة ثلاث سنوات لكن أثارها أقل ، فمؤسساتها موحدة وأوضاعها الأمنية شبه مستتبة .