“حبارات” يكتب: برنامج الإصلاح الاقتصادي .. ما هي حقيقته وما الذي حققه وما مصيره اليوم؟

305

كتب الخبير والمهتم بالشأن الاقتصادي “نور الدين حبارات” (قراءة تقييمية اقتصادية)

آقر في الثاني عشر من سبتمبر 2018 م كل من الرئاسي و المركزي و مجلس الدولة حزمة من الإجراءات و التدابير الاقتصادية مكونة من اثنى عشر بندا في شكل برنامج متكامل للإصلاح الاقتصادي، هذا وقد لاقى هذا البرنامج استحسان وارتياح من قبل قطاعات وفئات واسعة من المواطنين بما فيهم خبراء وأكاديميين ومهتمين بالشأن الاقتصادي باعتباره يهدف وفق ما أعلن القائمون عنه إلى إصلاح التشوهات في الاقتصاد وتخفيف المعاناة على كاهل المواطنين من خلال تخفيض الأسعار وتوفير السيولة وزيادة الدخل والمساهمة في معالجة الفساد في ملفي الاعتمادات المستندية ودعم المحروقات.

وعلى الرغم من مرور عام و نصف على إقرار هذا البرنامج فإنه لم تجرى له أي مراجعة أو تقييم شامل وموضوعي للتأكد من مدى تحقيقه لأهدافه وفي أي اتجاه يسير كما لم يتم مصارحة الشعب بشأنه خاصة وإن الشعب هو وحده من تحمل عبئه ، ليتضح لنا اليوم و بما لا يدع مجال للشك حقيقة هذا البرنامج و ما الذي حققه بالضبط و ما هو المصير الذي أل إليه، والسؤال هنا ما هو هذا البرنامج وماهي حقيقته ؟

1- هذا البرنامج كان وسيلة ممنهجة لإطالة أمد الأزمة و حالة الإنقسام السياسي التي تعيشها البلاد وذلك عبر انشغال المواطنين بتتبع أسعار الدولار والمتاجرة به وإيهامهم أن الاقتصاد في تحسن وما يؤكد هذه الفرضية توافق مجلسي النواب والدولة المتخالفان سياسيا عليه في حن يرفضون التوافق على أي مسعى لتوحيد مؤسسات الدولة لإنهم يدركون مسبقا إن هذا الإجراء سيعجل في خروجهما من المشهد.

2-هذا البرنامج لم يكن حزمة من السياسات و التدابير الاقتصادية لا على صعيد السياسة المالية ولا النقدية ولا التجارية لإزالة التشوهات في الاقتصاد والمالية العامة أو حتى التخفيف منها بل كان في حقيقته ضريبة مجحفة غير مباشرة فرضت على كافة المواطنين دون اسثتناء بما فيهم أصحاب المعاشات الأساسية بإعتبار البلاد توفر كافة احتياجاتها بالنقد الأجنبي كما طال المرضى و الطلبة الراغبين في العلاج و الدراسة بالخارج على حسابهم الشخصي.

3-هذا البرنامج كان وسيلة أخيرة لتمويل لتمويل العجز في الميزانية العامة (الترتيبات المالية) و ليس لإطفاء الدين العام وتحقيق التنمية وذلك بعد إن أضحت الإيرادات النفطية والسيادية غير كافية لتمويل 0:070 من إجمالي الإنفاق العام و خير دليل على ذلك ما أظهرته بيانات العام 2019 م حيث بلغ الإنفاق العام 45،814 مليار د.ل في حين بلغت إجمالي الإيرادات العامة 33،919 مليار د.ل في حين مولت عائدات ضريبة النقد الأجنبي قيمة العجز البالغ 11،195 مليار د،ل4- هذا البرنامج أو بالأحرى الضريبة أدت إلى إضعاف و تأكل القدرة الشرائية للمواطنين بعد ان أصبحت دخولهم أو مرتباتهم رسميا في المتوسط قرابة 140 دولار شهريا كما أدت من ناحية أخرى إلى إستنفاذ مدخراتهم حيث بلغ إجمالي ما دفعوه بطريقة غير مباشرة في شكل ضريبة على النقد الأجنبي قرابة 42،000 مليار د.ل دون حصولهم على أي خدمات في مقابلها مما جعل المطالب بزيادة المرتبات مبررة ومشروعة.

5-هذا البرنامج أدى إلى إستنزاف إحتياطي البلاد من النقد الأجنبي بدلا من العمل على تنميته وإستقطاب المزيد منه حيث بلغت واردات البلاد الدولارية (إيرادات النفط ) خلال العام 2019م قرابة 23،429 مليار دولار في حين بلغت المدفوعات الدولارية 24،602 مليار دولار أي بعجز نقدي قدره 1،177 مليار دولار دون إحتساب قيمة مستحقات أرباب الأسر البالغة 3،500 مليار دولار و باقي الإلتزامات الخارجية الأخرى و اليوم هذا الإحتياطي في تراجع مستمر بسبب توقف تصدير النفط .

6- هذا البرنامج كان دعم مجاني غير مشروط لاقتصاديات الدول الأجنبية التي شهدت انخفاض في قيمة عملتها المحلية بسبب انخفاض إحتياطياتها من النقد الأجنبي سيما تونس و مصر و تركيا بإعتبار هده الدول هي الوجهة التي يقصدها الكثير من الليبيين لإغراض التجارة و السياحة و العلاج و الدراسة فضخ مبالغ مالية تصل إلى قرابة 18 مليار دولار في شكل إعتمادات مستندية وحولات شخصية وارباب أسر في شرايين اقتصاديات تلك الدول كفيلة بالمساهمة في في إنعاشها أو على الأقل تعافيها وإنتشالها من الركود و تجنيبها أعباء القروض والفوائد والشروط المجحفة التي عادة ما يفرضها صندوق النقد و البنك الدوليين و التي تصل احيانا الى حد المساس بسيادة الدول و التدخل في شؤونها الداخلية.

7-هذا البرنامج كان وسيلة يائسة غير مسبوقة لمعالجة أزمة السيولة بعيدا عن أدوات السياسة المالية والنقدية المتعارف عليها لإن لا يمكن معالجة هذه الأزمة من خلال التفريط في عملة دولية إحتياطية في سبيل الحصول على عملة محلية.

8- هذا البرنامج أدى إلى شرعنة و تطبيع السوق الموازية وإزدهارها وليس للقضاء عليها أو الحد منها حيث بلغ إجمالي حجم هذا السوق خلال العام 2019 م قرابة 40 مليار د.ل و السؤال هو كم حجم هذه السوق من الناتج المحلي للبلاد .أما فيما يتعلق بما حققه هذا البرنامج و ما نتائجه اليوم فإن هذا الأمر لا يحتاج منا إلى تعليق.

فإذا كانت حكومات دول العالم سيما النامية منها تهدف من برامج الإصلاحات الاقتصادية إلى تنشيط وتنويع الإيرادات وترشيد الإنفاق العام بإقتصاره على الجانب التنموي وتقليص العجز في الميزانية العام ميزان المدفوعات وإطفاء الدين العام إلى جانب تقليص معدلات البطالة والتضخم ودعم عملاتها المحلية وتنمية إحتياطياتها الأجنبية فإن برنامج الإصلاح الاقتصادي لدينا أتى بنتائج عكسية مغايرة تماما، أما ماذا عن مصير هذا البرنامج اليوم فهو الإنهيار رسميا بعد أن إنهارت ركيزته الأساسية الوحيدة العائدات النفطية الدولارية أي البترودولار في حين يبقى الحديث عن عن السعر التوازني عند 2،50 أو 2،75 دينار للدولار كما سوق له حينها جزء من الماضي و ضربا من الخيال.