نصية لصدى: طباعة العملة يرفع التضخم والحروب تؤدي إلى الإفلاس.. وإيرادات بيع العملة ينبغي أن تصرف في علاوات الأبناء

641

“عبد السلام نصية” قامة أكاديمية اقتصادية قبل أن يصبح أيضاً شخصية سياسية بصفته نائباً بالبرلمان له آراء اقتصادية معينة بحكم اختصاصه ، ومن هذا المنطلق رأينا محاورته فسألناه عن مواضيع اقتصادية تشغل بال الكثيرين، لم يراوغ ولم يتهرب وكانت إجاباته متعمقة تتضمن الرصد والتحليل واستخلاص النتائج، وإليكم نص حوارنا معه:

س/ طباعة العملة موضوع اقتصادي احتل حيزاً فيما سبق وحالياً عاد للواجهة، كيف تنظرون للآثار الاقتصادية المترتبة على اعادة طباعتها من قبل مركزي البيضاء؟

ج/ -إن طبع وضخ العملات النقدية من قبل الدولة يجب أن يتناسب مع حجم الاقتصاد و مع حجم النمو الاقتصادي، فإذا تم ضخ عملات نقدية أكبر من حجم الاقتصاد فإن القيمة الشرائية للعملة تقل و ترتفع الأسعار و يرتفع معدل التضخم معها.

لكن الوضع في ليبيا مختلف حيث تعاني البلاد من انقسام مؤسساتي كبير أدى إلى وجود مصرفين مركزيين ، أيضاً جزء من العملة المطبوعة لا يدخل في الدورة الاقتصادية و إنما يذهب للتخزين الشخصي نتيجة لأزمة السيولة الحادة و بالتالي هذا الجزء بمجرد خروجه من المصارف لا يعود إليها ولكن هناك جزء آخر مهم جداً يستخدم في شراء النقد الأجنبي من السوق الموازي الآمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار الصرف نتيجة لعدم التوازن بين العرض و الطلب مما يؤدي الي ارتفاع اسعار السلع و الخدمات كما حدث في السنوات الماضية عندما وصل سعر الصرف مقابل العملة الاجنبية معدلات غير مسبوقة.

أي أن طبع وضخ العملة لمواجهة أزمة السيولة تسبب في جزء منه في إحداث تضخم نتيجة لارتفاع أسعار الصرف في السوق الموازية وعدم ضخ العملات الأجنبية عبر المصرف المركزي لمقابلة الطلب عليها. للأسف لا يمكن منع عملية طباعة العملة و ضخها ولا يمكن حل مشكلة السيولة بصورة فعالة إلا بإنهاء الانقسام في المؤسسة المصرفية واقرار سياسات نقدية موحدة .

س/ قرار الرئاسي بتخفيض مرتباته ومرتبات الوظائف القيادية، هل هو ذر للرماد في العيون؟ وما المقصود من ورائه؟ ولماذا الآن بالذات؟ وهل سيحقق وفرا للخزانة؟ أم أنه اسكات للأصوات المنادية بزيادة مرتبات بعض الفئات المهنية؟

ج/ بالتأكيد قرار الرئاسي بتخفيض مرتبات الوظائف القيادية هو قرار رمزي ولن يكون له تأثير على فاتورة المرتبات في الدولة و التي تعاني من تضخم كبير جداً لا يتناسب مع دخل البلاد الريعي و حجمها و الذي يجب أن يتم استغلاله في التنمية و تنويع مصادر الدخل، ولكن هذه الرمزية قد تكون مهمة لتحفيز باقي الوحدات الإدارية السياسية و التشريعية و الرقابية و التنفيذية و العسكرية و الأمنية لاتخاذ اجراءات مماثلة ، كما أنها مهمة لتهيئة المناخ لاتخاذ خطوات اصلاحية حقيقية علي فاتورة المرتبات من خلال اعادة هيكلة المرتبات في القطاع العام وربطها بالإنتاج و تشجيع القطاع الخاص وتنظيمه.

س/ هل انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الدينار بالسوق الموازي هو نتيجة الاصلاحات الاقتصادية؟ أم أن هناك أسباب أخرى؟ وهل بإمكان المركزي الحد من تفاقم أسعار السلع والخدمات عن طريق انتهاج سياسات نقدية معينة؟

ج/ اولاً ما حدث ليس بإصلاحات اقتصادية وانما معالجة سعر الصرف عن طريق فرض رسوم بيع عليه و صرف مخصصات ارباب الاسر والاغراض الشخصية بالعملة الاجنبية، بالتأكيد هذه المعالجة أعطت نتائج ايجابية من خلال انخفاض سعر الصرف في السوق الموازي إلا أنها لم تمكن المصرف المركزي من قيادة سوق بيع العملات الاجنبية بعد.

أيضاً استمرار المصرف المركزي بصورة منظمة في ضخ العملة الاجنبية في السوق من خلال الحوالات و الاعتمادات و الاغراض الشخصية و ارباب الأسر أدى إلى انخفاض سعر الصرف و استقراره نوعاً ما خلال الفترة القريبة الماضية، ومع استمراره في ذلك فإنه سوف يساهم في استقرار السوق و مزيد من الانخفاض في أسعار الصرف.

ثانياً رسوم بيع العملة الاجنبية حققت إيرادات كبيرة جداً يجب أن يتم استخدامها الاستخدام الأمثل بعيداً عن الفساد لتسديد جزء من الدين العام و صرف علاوة الأبناء المتراكمة و معالجة فاتورة المرتبات عن طريق برامج محدده لتشجيع المشاريع الصغرى و المتوسطة.

س/ هل ترون ان رفع الدعم السلعي واستبداله بالدعم النقدي آمر ذو جدوى؟ ولماذا التباطؤ في تنفيذه؟

ج/ بالتأكيد الدعم السلعي يعتبر تشوه للاقتصاد ويجب أن يعالج في أقرب وقت ، هو أشبه بشخص مصاب بمرض مزمن إذا لم يذهب إلى الطيب بنفسه للعلاج يتدرج بالعلاج إلى حين الشفاء فسيأتي يوم يذهب فيه إلى الطبيب وهو فاقد الوعي، لذا فإن معالجة الدعم السلعي الآن أفضل من غداً لأن العلاج قد يتم استخدامه بالتدريج في ظل وجود امكانية لذلك، فرفع الدعم السلعي يحتاج إلى إرادة سياسية و خطة واضحة و منظومة أمان اجتماعي ، للأسف الشديد في ليبيا الدعم السلعي هو عبارة عن دعم الفقراء للأغنياء .

س/ هل ترون أن فاتورة الحرب الدائرة بليبيا حالياً يمكن أن تؤدي إلى افلاس الخزانة الليبية؟

ج/ نعم الحرب تعني الدماء و الاشلاء و الدمار ، وبذلك هي أولاً تدمر الانسان المحور الأساسي للاقتصاد و التنمية وكذلك تدمر الاقتصاد ، فتكلفة الحروب دائما باهضة سواء خلال الحرب أو بعد انتهاؤها وذلك من خلال معالجة اثارها. وفي جميع الأحوال إذا لم تؤدي الحروب الى الافلاس فإنها على الأقل تؤدي إلى ضياع الفرصة البديلة والتي كان من الممكن الاستفادة منها في بناء الانسان و التنمية.