
| مقالات اقتصادية
اشنيبيش: بين الواقع والطموح والإرادة الحقيقية.. ماذا لو أصبحت ليبيا “سنغافورة شمال إفريقيا”
كتب “أنس اشنيبيش” مقالاً قال خلاله: في عالم يتسارع فيه التقدم التكنولوجي، أصبحت التحولات الرقمية ضرورة وطنية وليست خياراً، تقدم سنغافورة مثالاً يُحتذى به في كيفية توظيف التكنولوجيا لبناء اقتصاد قوي ومجتمع متكامل، رغم محدودية الموارد الطبيعية، ومن هنا، يمكن لليبيا، التي تمر بمرحلة إعادة بناء، أن تستفيد من هذه التجربة لبناء دولة حديثة قائمة على المعرفة والتكنولوجيا.
أولاً: التجربة السنغافورية – من التخطيط إلى التنفيذ
- التخطيط المبكر والطويل المدى
• بدأت سنغافورة في الثمانينات بوضع خطة وطنية شاملة للحوسبة.
• حددت أهدافاً واقعية لبناء بنية تحتية رقمية قوية. - تطوير البنية التحتية الرقمية
• إنشاء شبكات إنترنت عالية السرعة.
• دعم القطاعات الحيوية (الصحة، التعليم، النقل) رقمياً. - التحول إلى الخدمات الحكومية الإلكترونية
• رقمنة الخدمات العامة لتقليل البيروقراطية.
• توفير خدمات ذكية للمواطنين عبر منصات رقمية موحدة. - المبادرات الكبرى مثل Smart Nation
• استخدام الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وتحليل البيانات الضخمة.
• تعزيز الشفافية وتحسين جودة الحياة للمواطن.
ثانياً: كيف يمكن لليبيا الاستفادة من النموذج السنغافوري؟
- وضع رؤية رقمية وطنية
ليبيا بحاجة إلى استراتيجية رقمية واضحة تبدأ من رئاسة الحكومة وتشارك فيها كل المؤسسات، مثل سنغافورة، يمكن أن تطلق ليبيا خطة وطنية للتحول الرقمي، تحدد فيها:
• أهداف قصيرة وطويلة الأجل.
• القطاعات ذات الأولوية (التعليم، الصحة، الأمن، الخدمات).
- الاستثمار في البنية التحتية الرقمية
رغم الظروف الصعبة، يمكن البدء تدريجياً عبر:
• تحسين شبكة الإنترنت.
• دعم التحول الرقمي في المؤسسات الحكومية.
• إنشاء مراكز بيانات وطنية لحماية المعلومات.
- رقمنة الخدمات الحكومية
• تطوير منصة موحدة للمواطن الليبي، على غرار “SingPass”، لتسهيل الوصول إلى الخدمات.
• تطبيق أنظمة دفع رقمي لتقليل الاعتماد على النقد وتعزيز الشفافية. - تمكين الشباب وبناء القدرات
كما فعلت سنغافورة، على ليبيا:
• دعم التعليم التكنولوجي والتدريب المهني.
• تأسيس حاضنات ومراكز ابتكار للشباب.
• تشجيع ريادة الأعمال الرقمية.
- تعزيز الأمن السيبراني
إن إنشاء كيان وطني للأمن الرقمي (مثل CSA في سنغافورة) أصبح ضرورة لحماية البنية التحتية الليبية من التهديدات الإلكترونية.
ثالثا:التحديات التي تواجه ليبيا وحلول مستلهمة من التجربة السنغافورية:
• الانقسام السياسي:
جعل التحول الرقمي مشروعًا وطنيًا محايدًا يتجاوز الخلافات، ليكون عنصر توحيد بدلاً من الانقسام.
• ضعف البنية التحتية:
البدء بمشاريع رقمية صغيرة ذات تأثير مباشر على المواطن، تُمهد لبناء بنية تحتية رقمية أوسع تدريجياً.
• نقص الكفاءات التقنية:
إطلاق برامج تدريب وطني في المهارات الرقمية، بالتعاون مع الجامعات والمؤسسات التعليمية.
• مقاومة البيروقراطية:
تطبيق مبدأ “الحوكمة الذكية” لتبسيط الإجراءات وتعزيز الشفافية والفعالية في تقديم الخدمات.
رابعاً: نظرة مستقبلية لليبيا الرقمية
إذا تبنّت ليبيا خطوات مدروسة ومستمرة نحو التحول الرقمي، فبإمكانها خلال عقد من الزمن:
• تقليل الفساد الإداري عبر الحوكمة الرقمية.
• تحسين الخدمات للمواطن في التعليم والصحة.
• تمكين الاقتصاد الرقمي وخلق فرص عمل للشباب.
ومن هذا المنطلق فإن ليبيا، مثل سنغافورة قبل عقود، تمر بمرحلة مفصلية، وبينما تتعافى من أزماتها، فإن تبني نموذج التحول الرقمي، كما فعلت سنغافورة، يمكن أن يكون طريقاً لبناء دولة عصرية، مرنة، وفعّالة. المهم ليس تقليد سنغافورة بحذافيرها، بل فهم جوهر تجربتها: التخطيط، الإرادة، والشمولية.