أنظار المواطنين تتجه إلى تونس.. عين على الحوار وأخرى على تأثيراته الاقتصادية

244

لطالما كان الوضع الاقتصادي في البلاد أكثر الأمور أهمية وتأثيرًا على غالبية المواطنين طيلة السنوات الماضية، رغم التقلبات السياسة والصراع المسلح الذي شهدته مناطق ومدن مختلفة، آخرها الحرب على العاصمة طرابلس.

وعلى مدى الأربع سنوات الأخيرة، بقيت الأوضاع الاقتصادية ترواح مكانها؛ نتيجة لاستمرار الصراع على السلطة والذي انعكس سلبيا على أكر القطاعات حساسية وهو النفط الذي يعتبر المصدر الأهم لإيرادات الدولة والذي أصبح أيضا ورقة ضغط مهمة سياسيًا، مما جعل التحسن الاقتصادي يزداد صعوبة مع مرور الوقت.

وسمح الاتفاق الأخير على إعادة إنتاج وتصدير النفط بين القيادة العامة في الشرق والمجلس الرئاسي بالغرب إلى الاقتراب أكثر من إيجاد حل شامل للصراع في البلاد والذي ظلت إيرادات النفط أحد أسبابه، عبر إطلاق حوارات سياسية توقفت في السابق بسبب الحرب على طرابلس، إضافة إلى إمكانية عقد حورات اقتصادية تساهم في بلورة المشهد الانتقالي الذي تسعى له الأمم المتحدة الفترة المقبلة.

وينظر الكثير من المواطنين اليوم للنتائج الاقتصادية المترتبة على الحورات في تونس أكثر من النتائج السياسية والتي يعتقدون بأنها صعبة التحقيق في ظل التنافس الكبير بين الأطراف المتسببة في الأزمة، إضافة إلى رغبتهم في الدخول لمرحلة انتقالية أخرى من شأنها أن تُمدد للأجسام السياسية وتطيل مرحلة الصراع.

وأظهرت استطلاع للرأي أجرته بعثة الأمم المتحدة للدعم في البلاد، أن أكثرية من المواطنين يرغبون في الخروج من المرحلة الإنتقالية عبر الاعتماد على دستور الاستقلال المعدل في العام 63 لفترة محدودة تسمح بإجراء استفتاء شعبي على شكل الدولة ونظام الحكم، ولكن رغم ذلك، أظهرت السنوات الماضية أيضا بأن المواطنين يمكنهم التأقلم مع الأوضاع غير المستقرة للبلاد مع وجود تحسن بالاقتصاد الوطني وظروف المعيشة حتى مع الفساد المالي والإداري غير مسبوق.

ورغم وجود تفائل بتوصل المجتمعين في تونس إلى اتفاق سياسي يفتح المجال لإيجاد حلول للوضع الاقتصادي الراهن، يبقى التحدي الأبرز هو تطبيق كل النتائج التي يمكن التوصل إليها في ظل استمرار التدخلات الأجنبية مع مختلف الأطراف وعلى جميع الأصعدة.

نظرة متقاربة

ومع وجود الكثير من الاختلافات بين جميع الأطراف المتصارعة اليوم، إلا أن هناك شبه توافق على أسباب الأزمة الاقتصادية بعيدًا عن الأمور السياسية التي هي السبب الرئيس وراء المعاناة التي يواجهها المواطن طيلة الأعوام الماضية.

وبحسب التسريبات من تونس، يرى المتحاورون بأن انقسام مصرف ليبيا المركزي تسبب في أزمة بالقطاع المصرفي والتي من الممكن أن تؤدي إلى انهيار القطاع في حال استمر الوضع دون تغيير.

إضافة إلى ذلك، فإن تعدد أسعار الصرف يشكل عقبة رئيسية في طريق النمو، حيث يعتبر نظام غير منصف ويخلق تشوهات بالسوق ويعيق عمل القطاع الخاص، مما يجبر المواطنين على استخدام السوق السوداء وتسببه أيضا بأزمة في السيولة النقدية.

ومن المتوقع أن يكون هناك اتفاق حول إيجاد صيغة أكثر ملائمة لعملية الانفاق على الرغم من ارتفاع ذلك، فإنه لايزال مركزيًا إلى حد كبير، بينما تتسلم الحكومات المحلية إيرادات غير كافية مما يجعلها بدون فعالية، إضافة إلى ضرورة إيجاد حلول لخفض الانفاق على المرتبات المرتفعة والتي تسيطر على 63% من الميزانية وتقليل الدعم على المحروقات الذي يذهب معضمه عبر التهريب.

ومما لاشك فيه، فإن المشاكل الاقتصادية تبقى أسبابها معروفة إلى حد كبير لدى الجميع مع إمكانية إيجاد حلول عملية لها وفي وقت محدد أيضا، لكن تعقيدات المشهد السياسي تحديدا تشكل تحديًا أمام تطبيق الأفكار والإصلاحات الاقتصادية في حال ظلت الأمور كما هي عليه.

تحدي التطبيق

وقال أحد المدعوين في السابق إلى جلسات المسار الاقتصادي الذي هو جزء من ثلاث مسارات دعت إليهم البعثة الأممية للدعم في البلاد، إنه يتوقع أن تناط اللجنة السياسية المشكلة من 75 شخصية بالأمور الاقتصادية التي كانوا يعملون عليها في لجنة موازية للجنة العسكرية والسياسة واللتين طورتهما البعثة مؤخرا.

وأضاف استاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي عطية الفيتوري في تصريح لصحيفة صدى الاقتصادية، بأن هناك قناعة متزايدة بأن اللجنة السياسة المجتمعة في تونس هذه الأيام سيكون لها دور في الجانب الاقتصادي خاصة مع وجود اتفاق مسبق للقضيا التي كانت تناولتها اجتماعات اللجنة الاقتصادية في السابق والتي من بينها إعادة إنتاج النفط وفتح حساب خاص لإيراداته والذي يمثل قاعدة للحوار بين الأطراف المتصارعة.

وأوضح بأن اتفاق إعادة إنتاج النفط وإعادة توحيد المصرف المركزي بطرابلس من بين القضايا التي ستعرض في تونس أمام لجنة الحوار السياسي والتي يمكن أن تمهد للوصول إلى اتفاق شامل للأمور الاقتصادية على أقل تقدير.

واعترض الفيتوري آلية الاختيار والعدد الذي قامت به البعثة الأممية حيث يعتقد بأن مسألة التطبيق تظل مهمة في حال التوصل لاتفاقات خاصة مع تواجد الكثير من الشخصيات غير المؤثرة على الأرض، بينما يرى الخبير الاقتصادي بأن الاتفاق الأخير على إعادة إنتاج وتصدير النفط بين الأطراف المؤثرة على الأرض جعل الأمر يتحقق بالفعل في حين يأمل بأن تكون مخرجات الحوار في تونس قابلة للتطبيق مستقبلا.

وأشار إلى أن الانتقادات الموجهة للحوار تتمثل بوجود خلل في اللجنة المشكلة وعدم توازنها بالشكل المقبول، حيث أن هناك أشخاص يشكلون الأغلبية فى اللجنة وينتمون إلي أيديولوجية معينة مما يجعل الكثيرون يشككون فى خروج هذه اللجنة بنتائج مقبولة للجميع.

ومع ذلك، يأمل الجميع من الحوار السياسي بتونس والذي يعد أول فرصة حقيقية لإعادة التوازن السياسي، بأن يكون بوابة الخروج من حالات الحرب والانقسام والفساد والتدخل الخارجي والانهيار الاقتصادي، والإنتقال إلى مرحلة أخرى إنتقالية أكثر استقرارًا إلى حيل تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية تؤسس إلى مرحلة دائمة.