الشحاتي يكتب مقالاً يوضح فيه الحقيقة النقدية والمالية للبنوك في ليبيا

247

كتب الخبير الاقتصادي “محمد الشحاتي” مقالاً على جدار صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” حول الحقيقة النقدية والمالية لحركة البنوك في ليبيا.

قال فيه : أحد أعمدة النشاط الاقتصادي هي البنوك ولا يمكن لأي دولة أن تحقق أي خطوة تنموية ألا بوجود نظام مصرفي أمين وفاعل. البنوك هي بمثابة السلطة القضائية في عالم المال والاقتصاد فبقدر نزاهة القضاء في النظام السياسي بقدر ما يمكن أن يحقق فيه الاستقرار والأمان كذلك فبقدر ما تكون البنوك نزيهة فأن النظام الاقتصادي يمكن أن يحقق النمو والازدهار للمجتمع.
شفافية البنوك هي أهم بكثير من شفافية الكيانات الاقتصادية الأخرى حيث يجب أن تكون المستودع الآمن لأموال المودعين سواء كانوا أفرادا أم مؤسسات كما أنها مقياس المخاطرة في الاحتفاظ بالعملة الورقية المحلية مقابل البدائل الأخرى.

أثر موجة الاستقلال عن الدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية والتي استمرت إلى الربع الأخير من القرن العشرين حدث شرخ بين الحركة المصرفية العالمية والأهداف الاقتصادية والتنموية للدول الحاصلة على الاستقلال. كانت الحركة المصرفية العالمية رافدا سياسيا لحركة الاستعمار الأوربي وقد بنيت الثقافة المصرفية حول هذا المفهوم الايدلوجي، حيث كانت مصممة كقنوات لنقل الفائض النقدي من الدول الخاضعة للاستعمار إلى الدول الأوربية مقر تلك البنوك. لم يكن هدف التنمية المحلية الشاملة واردا في أي من استراتيجيات هذه البنوك حيث كان التركيز على إعادة تدوير الحركة النقدية لخدمة التبعية الاقتصادية.

كانت مصر من أوائل الدول العربية التي شهدت انفصالا للحركة المصرفية عن المؤسسات البنكية القائدة في العالم حيث قام الاقتصادي المصري “طلعت حرب” بتأسيس “بنك مصر” برسالة هي استثمار المدخرات القومية وتوجيهها لتسريع النمو الاقتصادي والاجتماعي. وبغض النظر عن الجدل الدائر حول مدى نجاح وفشل البنوك الوطنية ألا أن البنوك الوطنية اليوم سواء تلك التي تكون مملوكة ملكية كاملة للدولة وتدار كقطاع عام أو تلك التي يملكها القطاع الخاص وأحيانا لديها شريك أجنبي هي محور العملية النقدية المحلية في الدول حول العالم.

صحيح أن الكثير من البنوك العالمية طورت من خدماتها وتخلت عن الثقافة القديمة التي تربطها بأيدولوجيات سياسية ألا أن البنوك المحلية لا تزال تملك الكثير من المزايا التنافسية على المستوى المحلي التي يصعب على البنوك العالمية الحصول عليها ألا بشريك محلي.

وقد حققت الكثير من الدول العربية تجارب بنكية ناجحة في مصر ودول الخليج العربي ودول المغرب العربي وأصبحت بعضها مراكز نقدية إقليمية لا تستجذب النقود من داخل أوطانها فقط، بل امتدت دائرة نشاطاتها إلى الإقليم العربي خصوصا مع تطور آليات الاعلام والوسائل الالكترونية. بالطبع هذا التقدم تحقق بفضل اتباع هذه البنوك لأعلى معايير الدقة والشفافية مع تسهيل الإجراءات للزبائن والمنفعة المجزية من استخدام خدماتهم سواء من ناحية الوقت أو الفائدة المادية.

هنا أود أن أثير مشكلة تعثر الحركة المصرفية في ليبيا كأحد أهم المشاكل التي لا تواجه الاقتصاد الليبي فقط، بل تمتد إلى تهديد النظام الليبي برمته، لا يمكن لنا أن نبرر هذا التخلف في الخدمات المصرفية الليبية مثلا بالخسائر المادية أو بعدم وجود القدرات العلمية. تمتلك البنوك الليبية أفضل المباني في المدن الرئيسية في أهم الشوارع التجارية الكثير منها ورثتها نتيجة عملية التأميم التي حدثت في بداية السبعينات.

قامت الدولة على مستوى الإدارة بدعم البنوك الأساسية ووفرت لها العديد من الإمكانيات وعلى سبيل المثال وضعية الاحتكار التي تمتعت بها لسنوات عديدة تجاه القطاع الخاص المحلي والاجنبي على السواء.

طلبت مني شركة عالمية بعض المعلومات عن البنوك الليبية فأعطيتها صفحات هذه البنوك على شبكة أنترنت العالمية لتستمدها مباشرة من المصدر. رجعت الشركة مستغربة حيث إن أهم مادة للمستثمر هي التقارير السنوية. بالرغم من إعلان البنوك الثلاثة الرئيسية عن وجود قسم خاص بالتقارير السنوية فهي أما قديمة جدا (أحدثها مصرف الصحاري لسنة 2014) أو أنها غير متوفرة للتحميل (مصرف الجمهورية) بالرغم من وجود إيقونة التحميل أو أنها قديمة جدا (الصرف التجاري الوطني سنة 2010).
تملكتني الحيرة، صحيح توجد مشاكل نقدية على المستوى الكلي تتمثل في السيولة وسعر الصرف وهي مشاكل يجب أن يتم تناولها على مستوى المصرف المركزي، ولكن لم أستطيع تفسير عدم وجود تقارير سنوية للمصارف الرائدة في ليبيا.

هل هناك ما تخبئه هذه المصارف على الجمهور، نحن هنا لا نطالب عن الكشف عن العمليات الشخصية أو التفصيلية التي قد تعتبر سرية بحكم العمل المصرفي كما أنه لو افترضنا وجود عمليات فساد معينة فأن المطلب هنا أظن هو الكشف عن صحة وضع المصرف ماليا وليس تتبع عملية الفساد. التقارير السنوية تعرض بصفة اجمالية حركة النقود والميزانيات ونسب الربح أو الخسارة.

الفساد المصرفي عبر العالم معروف والكثير منه يمر بطريق احتيالية سواء على مستوى المصرف نفسه أو من بعض العاملين فيه، مثلا خذوا ما حدث في 2008 والازمة المالية التي اعقبته والتي كانت البنوك المحور الأساسي فيها، ولكن ذلك لا يوقف عملية الإفصاح المنتظم عن الحركة المالية لأنه وببساطة المصرف لا يمتلك الأموال التي تعبر خلاله، بل هو ينظمها فقط ليحقق لحملة الأسهم مستوى معين من المردود المالي.

أظن أننا نحتاج أن نفتح هذا الملف للنقاش والسؤال الأساسي فيه لماذا حركة المصارف الليبية متعثرة بالرغم من قوة دعم الدولة لها على أكثر من 50 عاما؟