الصيرفة الإسلامية في ليبيا تطبيق للشريعة أم كابوس مظلم ؟

1٬144

تعتبر البنوك في العالم بأسره بمثابة الميزان الذي يحدد مدى التقدم الاقتصادي في الدولة من عدمه ، فزيادة إمكانيات وقدرات البنوك يعكس نمو وازدياد قدرة الاقتصاد العام للدولة ، ولأهمية البنوك في الحياة الاقتصادية للدول، تعمل معظمها على مراقبتها والتخطيط لأعمالها تخطيطاً جيداً ووضع منظومة تساهم في النمو الاقتصادي للدولة بصفة عامة .

ولكن طبيعة المجتمعات العربية وخاصة الشعوب الإسلامية تجعلها تتجه لكل ماهو يحمل المسمى التشريعي والإسلامي ، نظراً لحساسية هذه المصطلحات وارتباطها بالأديان التي يعتنقونها ، وأهميتها بالنسبة لهم ، حتى وان حملت هذه المصطلحات في مضمونها سلبيات ومشاكل عدة ، تؤثر على سير الاقتصاد الوطني بشكل عام ، ولكن التمسك بها يظل كبيرا نظراً لتسمياتها الحساسة .

ومنذ نشوء نظام الصيرفة الإسلامية والبدء في إنشاء مصارف إسلامية وخاصة في دول العالم الثالث أصبح التعامل بالمبادئ الشرعية فيها شكلياً فقط ، بل أصبح هذا النظام يتسم بالارتفاع في التكاليف مع سوء في الخدمات والإنتاج ، وضعف في الانسجام بينه وبين بقية الأنظمة المعمول بها في دول العالم المتقدم  .

كما أن المعارضين لهذا النظام لم يعارضوا المبدأ بشكل عام ولكنهم عارضوا تطبيق مثل هذه الأنظمة في بيئة لا تتناسب معها في الإمكانيات والقدرات والأوضاع والمحيط العام ، كليبيا على سبيل المثال .

وقبل أن نبدأ في التعمق في سرد تفاصيل هذا النظام في ليبيا وسلبياته ونشأته يجب علينا أن نذكر ما هو نظام الصيرفة الإسلامية بشكل عام ..

إن نظام الصيرفة الإسلامية يقصد به النظام أو النشاط المصرفي الذي أنشأ ليتوافق مع الشريعة الإسلامية.، من حيث أن الفائدة التي تدفعها المصارف عن الودائع أو التي تأخذها عن القروض تعتبرها هذه المصارف بمثابة الربا ، وقد تم إنشاء أول مصرف إسلامي في دبي أوائل سبعينات القرن الماضي، ثم أنشئ العديد من المصارف الإسلامية بعد ذلك والتي بلغت حوالي 100 مصرف في جميع أنحاء العالم .

ويقوم نظام الصيرفة الإسلامية على مبدأ المشاركة لا الربح ، فيتشارك المصرف والمودع في الأعمال ويتقاسمان الأرباح والخسائر على ضوء ذلك ، وهناك العديد من الدول العربية التي تتعامل بالنظامين التقليدي والإسلامي وتترك الحرية في الاختيار للزبون أو المودع ، في اختيار ما يناسبه ، ولكن المشكلة في ليبيا تكمن في أن المجلس الانتقالي أصدر عام 2012 القانون رقم 46 والذي خصص فيه فصلا خاصا بالمصارف الإسلامية ، أما المؤتمر الوطني العام فقد أصدر هو الأخر قراراً قبل قرابة الخمس سنوات بمنع الربا في المصارف ابتداء من الأول من يناير 2015 ، وبناء على هذين القرارين أصدر المركزي تعديلاً في قانون المصارف لسنة 2005 .

إن الاعتماد على النظام المصرفي الإسلامي كنظام وحيد للصيرفة الإسلامية لا تحمل تاريخاً ومواقف جيدة على مر الزمان فهناك دول اتخدت نظاماً مشابهاً لنظام ليبيا ولم توفق من خلاله كالسودان على سبيل المثال ، وفي الواقع إن المشائخ أيضا على اخلتلافهم لا يحرمون جميعهم نظام التعامل التقليدي في المصارف التقليدية ولكن تحريم بعضهم هو من خلق هذا الجدل في هذه المسألة .

وعلى الرغم من نجاح بعض الدول في هذا النظام كماليزيا على سبيل المثال ، ولكن تبقى البيئة تختلف وكذلك ألية تطبيق هذا القرار أو هذا النظام تختلف ، حيث من وصلوا فيه إلى درجات متقدمة واستفادات عديدة درسوا ألية تطبيقه بدون خسائر أو سلبيات ولكن القرار في ليبيا كان فجائيا بدون دراسات مسبقة أو حتى توقعات لتفادي الخسائر المترتبة .

وللأسف أكد العديد من الخبراء أن نظام الصيرفة الإسلامية من الصعب أن يربح لوحده وخاصة في دولة كدولة ليبيا ، وذلك لأن القطاع بشكل عام يعاني من العديد من العوائق والصعوبات التي فرضها الوضع الاقتصادي السيء ، فالقطاع المصرفي يحتاج إلى خطط كبيرة للنهوض به وتطويره على النطاق الواسع .

ويواجه هذا النظام في ليبيا اليوم تحديات كبيرة أولها في انفراده في المعاملات منذ عام 2015 وإلغاء النظام الصيرفي الاعتيادي أو التقليدي أو الربوي  ، وأعتقد أن مثل هذه التجربة حكم عليها التاريخ بالفشل والتجارب واضحة للعيان أولها كما ذكرنا السودان وثانيهما ستكون ليبيا .

أما تاني هذه التحدياث هو فجائية تطبيق هذا القرار والوقت الضيق الذي وضع القطاع المصرفي بشكل عام في موقع حرج .

فمن الناحية العملية والواقعية يجب إتاحة فترة لا تقل عن عشر سنوات لتطبيق قرار يحمل تغييراً جدرياً كهذا القرار ، لأنه يحتاج رؤية واستراتيجية وتخطيطاً طويل الأمد ، ويحتاج تدريباً جيداً للمصرفيين وتوفيرا الكوادر الجيدة .

وقد ذكر الخبير الاقتصادي سليمان الشحومي في لقاء سابق مع صحيفة صدى الاقتصادية :

في الحقيقة نجاحات نظام الصيرفة خجولة جدا في ليبيا ، و لا تعتبر نجاحات حقيقية بالرغم من المساندة البنكية الكبيرة التي عملت و التي كانت تعتبر خطر كبير مهدد ،  بقصر التعاملات فقط على الصيرفة الإسلامية وإلغاء نظام الصيرفة التقليدية بالرغم من عدم جاهزية البنى التحتية لهذا ..

وعلى الرغم من كل هذه السلبيات والتحديات التي يفرضها الواقع إلا أن التعامل مع مثل هذا النظام أصبح أمراً واقعاً يجب أن نتعامل معه ونواجهه ، ويبقى الواجب على المصرفيين والمسؤولين إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بنى الاقتصاد الوطني وتصحيح ما يمكن تصحيحه .