مع الـ32 مليون دينار شهريًا .. أزمة القمامة ليست مالية

256

لا تزال أزمة القمامة في البلاد تمثل مشكلة حقيقية أمام الجهات المسؤولة وعلى رأسهم شركة الخدمات العامة التي تقود مهمة إدراة النفايات في مدن وبلدات ليبيا.

ومع إغلاق مكب سيدي السائح جنوب العاصمة طرابلس نتيجة الحرب، تفاقمت الأزمة وانتشرت القمامة على أرصفة الشوارع داخل العاصمة. لكن لم تكن الحرب هي وحدها السبب وراء الأزمة التي تشهدها مدن أخرى أكثر استقرارًا.

غياب المرونة بقرارات وزارة الحكم المحلي جعل شركة الخدمات العامة عاجزة عن استثمار الأموال بطريقة تساهم في التخلص من النفايات بطريقة أكثر ديمومة مع وقوعها في أخطاء كان من الممكن تفاديها.

ومثل غياب استراتيجية واضحة لوزارة الحكم المحلي من خلال توزيع عادل للموارد المالية وتوظيف جيد لعمال المؤسسة أكبر تحدي واجه شركة الخدمات العامة مع قرب انتقال البلديات إلى الإدارة المحلية الكاملة.

دينار لكل مواطن

في السابق وحاليًا تقوم الشركة العامة للخدمات ومقرها طرابلس بتوزيع ملايين الدنانير المخصصة لنظافة المدن والبلديات لـ23 شركة على مستوى البلاد شهريًأ وبدون انتظام تقريبًا، لكن بدون مراعاة عدة ظروف أخرى أيضًا.

وقال عميد بلدية سوق الجمعة هشام بن يوسف إن غياب آلية عادلة في توزيع الأموال على البلديات بحسب المساحة والتعداد السكاني أدى إلى ضياع مبالغ مالية طائلة كانت يمكن الاستفادة منها في أوقات الأزمة والظروف الطارئة التي تحدث في مناطق مختلفة.

وأضاف بن يوسف في حديث لـ”صدى الاقتصادية” بأن بلديته تتحصل على 350 ألف دينار شهريًا، مما يُعادل دينار لكل مواطن مقابل جمع القمامة طيلة ثلاثين يومًا.

هناك سوء إدارة في عملية تخصيص الأموال لشركات النظافة في مختلف المناطق والبلديات، حيث تعطى بعض البلدات قيمة مرتفعة مقارنة بتعداد سكانها المنخفض.

يقول بن يوسف إن بلدية طرابلس وحدها تحتاج إلى 30% – 35% من مخصصات الشركة العامة للخدمات نتيجة ما سماه الانفجار السكاني، لكنها تتحصل في حقيقة الأمر على 17% فقط وهذا لا يكفي.

يعتقد عميد بلدية سوق الجمعة أن زيادة المخصصات المالية لإنهاء مشاكل النظافة من قبل الدولة أمر غير مجدي في ظل وجود سياسية غير واضحة وتكلف الدولة الملايين، بينما يطالبون بالإسراع في فتح حسابات مالية للبلديات حتى يتمكنوا من إنشاء مشاريع خاصه بهم عبر التعاقد مع الشركات المحلية والدولية عن طريق الاستثمار الذي يرونه الحل الأمثل لذلك.

وعلى الرغم من إصدار وزارة الحكم المحلي قرارًا يقضي بنقل جميع الاختصاصات للبلديات، لاتزال أهم خطوة وهي سماح وزارة المالية للبلديات بفتح حسابات خاصة بهم غير متاح ويجعل القرار حتى الآن بدون فاعلية.

خطة جديدة

من مكتبه بمنطقة سوق الجمعة، يقول عدنان محمد المسؤول عن أحد فروع شركة الخدمات العامة في طرابلس، إنهم متوقفون عن العمل منذ سبتمبر الماضي؛ نتيجة قرار وزارة الحكم المحلي بتسليم مخصصات الشركة من أموال النظافة إلى البلديات مباشرة.

وفي تصريح لـ”صدى الاقتصادية” أشار عدنان إلى أن شركة الخدمات العامة في مختلف المناطق داخل العاصمة لم تستلم الأموال المخصصة للنظافة والتي ذهبت مباشرة للبلديات في محاولة لإدارة علميات جمع ونقل القمامة بعيدًا عن الشركة.

تُخصص وزارة الحكم المحلي لشركة الخدمات العامة في طرابلس بمختلف فروعها ما يقرب من 7 مليون دينار في الشهر تذهب 4.2 مليون دينار لمرتبات العاملين.

ويرى المسؤول عن فرع شركة الخدمات بسوق الجمعة، بأن وزارة الحكم المحلي تتبع خطة جديدة لحل المشكلة عبر البلديات، لكنهم في الوقت نفسه لا يعلمون مدى إمكانية نجاحها في التخلص من المشكلة المستمرة.

نطاق واسع

عندما أغلق مكب سيدي السائح جنوب العاصمة طرابلس، بدأت أزمة القمامة في الظهور على السطح والتي أخذت بعدًا كبيرًا نتيجة عدم قدرة الشركة والحكومة على وضع حلول لها مع استمرار الحرب التي خلفت أيضا أزمات أخرى.

ولكن ليس في طرابلس وحدها تنتشر القمامة على طرقاتها وتتطاير في سمائها، امتدت الأزمة إلى مدن مجاورة أكثر استقرارًا مثل مدينة زليتن التي تبعد عن العاصمة 180 كم تقريبًا.

ورغم مساحة المدينة الكبيرة مقارنة بعدد سكانها، لكن اعتمادها على تمويل الحكومة عبر شركة الخدمات العامة في جمع ونقل القمامة والتي غالبا ما تواجه صعوبات، جعل أزمة القمامة تعود مجددًا للبلدية.

يقول رئيس ديوان بلدية زليتن عمر البربار، إن استمرار تمسك وزارة الحكم المحلي عبر ترأسها لشركة الخدمات العامة يجعل من الصعوبة بما كان إيجاد حلول طويلة المدى.

ويشير البربار في حديثه لـ”صدى الاقتصادية”، إلى أن احتكار الوزارة للأموال من خلال الشركة وغياب سياسات واضحة لإدارة القمامة في الدولة يمنعنا من الاتجاه نحو نهاية لهذا الطريق الطويل من الأزمة المتكررة.

وأضاف بأنهم ليست لديهم الامكانيات لإنشاء شركات خاصة بهم أو جلب تعاقدات خارجية؛ نتيجة لعدم وجود حسابات مصرفية خاصة بالبلدية إضافة إلى تأخر تنفيذ قرار الانتقال للإدارة المحلية بعيدًا عن الوزارة التي يجب التخلص منها.

إن الاعتماد على شركة الخدمات العامة والتي تتحكم بها وزارة الحكم المحلي لن تستطيع إيجاد حلول دائمة في ظل استمرار البيروقراطية ونزيف الأموال، يقول رئيس ديوان البلدية.