أبوسنينة يكتب: الحاجة إلى استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية

375

كتب محمد أبوسنينة الخبير الاقتصادي مقالاً بعنوان: الحاجة إلى إستراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية ( Social Safety Net )

كأي مجتمع آخر سواءاً في الدول النامية أو في الدول المتقدمة، في المجتمع الليبي فئات هشة ( vulnerable )، في حاجة للأخذ بيدها والعمل على الحيلولة دون وقوعها تحت خط الفقر ، ليس هذا فحسب بل أن هناك مسؤولية أخلاقية واجتماعية تقع على الحكومة بحكم العقد الاجتماعي الذي يربطها برعاياها، يلزمها بتوفير الحماية الاجتماعية لمختلف الفئات التي تحتاجها، وضمان الأمان الاجتماعي للمواطنين، ويندرج ضمن الفئات التي تحتاج للحماية، ذوي الدخل المحدود من بين الذين يتقاضون الحد الادنى للأجور ، والمصنفين عند مستوى خط الفقر ، وأصحاب المعاشات الاساسية المشمولين تحت مظلة التضامن الاجتماعي، والمتقاعدون ممن تحددت معاشاتهم التقاعدية في ظل القانون رقم ( 15) لسنة 1981 والتي تتراوح بين 350 دينار و800 دينار ، والعجزة الذين تعولهم الدولة والعاطلين موقتاً عن العمل ( بطالة موسمية أو بطالة احتكاكية ) من القادرين على العمل والباحثين عنه، والأرامل والمطلقات الذين لا عائل لهم، والمواطنين الغير قادرين على تحمل اعباء التأمين الصحي كاملة وكل من يتبين، بناءً على مسوحات اجتماعية أنه في حاجة للدعم والحماية إمّا نتيجةً للتهجير أو النزوح أو فقدان العائل الوحيد أو العجز عن العمل أو المرض أو البطالة، وعوضاً عن قيام الحكومة بمعالجة أوضاع بعض الفئات ودعمها بطريقة انتقائية، والتخبط والعشوائية في معالجة المرتبات ومعاشات المتقاعدين وأصحاب المعاشات الاساسية، وتوفير التأمين الصحي لبعض الفئات دون غيرها، واستحداث صناديق نوعية لدعم بعض الفئات من وقت لآخر، أو دعم جميع السكان، بغض النظر عن مستويات دخلهم وعن مدى حاجتهم للدعم من عدمه، كما هو الحال في دعم الوقود ودعم السلع التموينية، أو التوزيعات النقدية والمنح لجميع المواطنين.

وما يترتب عليه من هدر للموارد وفساد وعدم كفاءة في المصروفات، تتبع الدول المختلفة سياسات للحماية الاجتماعية تضمن عدم تعرض مواطنيها للعوز أو النزول تحت خط الفقر بسبب العجز والمرض والبطالة، وتأتي هذه السياسات ضمن استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية تتبناها الحكومة ، تأسيساً على نص دستوري وتُطبق بقانون يصدر عن السلطة التشريعية بناءً على عرض من الحكومة.
ومن الاعتبارات الحاكمة لوجب توفير الحماية الاجتماعية للمواطنين ، والتي تضمنتها المواثيق الدولية و الإعلان الدستوري الليبي مايلي :

  • مبادرة الامم المتحدة لأرضيات الحماية الاجتماعية
    ( منظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية 2009 ) والتوصية رقم 202 بشأن الأرضيات الوطنية )
  • الإعلان العالمي لحقوق الانسان ( 1948) وغيره من الصكوك القانونية.
  • العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية : اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966 ودخل حيز التنفيذ عام 1976.
  • الاعلان الدستوري الليبي الصادر عام 2011 وتعديلاته، الاحكام الواردة بالمواد 5 , 7 , 8 من الاعلان الدستوري. وتتضمن الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية أهداف محددة وبرامج تنفيذية وسياسات واضحة ضمن السياسات العامة للدولة، وترصد لها ميزانية محددة ضمن الميزانية العامة للدولة، وتعتبر أحد الوسائل التي تعتمدها الدولة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير الأمان الاجتماعي.
    ومن المهم في سبيل تنفيذ الحماية الاجتماعية الهادفة والشاملة لكل مستحقيها ، وضع منظومة الكترونية توثق كل من هم في حاجة للحماية ونوع الحماية، وأماكن تواجد المستهدفين، وتطور اوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والمخصّص لكل منهم، بحيث يمنح لكل منهم بطاقة تخوله الحصول على الدعم أو الحماية النوعية التي يستحقها، و يتم تحديت هذه المنظومة من وقت لآخر لضمان الوصول لكل من يحتاج لهذه الحماية.

والحماية الاجتماعية التي نقصدها هنا، هي التي يستفيد منها المحتاجين لها دون اشتراط قيامهم بالمساهمة في تغطية تكاليفها، أو ما يعرف بالحماية غير المساهمة ( non contributing ) اي التي تتحمل تكاليفها الدولة ، مثل هذا النوع من الحماية يضمن وصول الحماية والدعم لمستحقيه، واستقرار الاوضاع الاجتماعية، والحد من الفقر والعوز، وتحقيق وفر في مصروفات الدعم والرعاية الاجتماعية المتبعة حاليا والرفع من كفاءتها، فضلاً عن تحقيق العدالة الاجتماعية.


ومن المعروف أن هناك العديد من المؤسسات الاجتماعية العامة التي تتولى تقديم نوع او آخر من الدعم والرعاية والخدمات لمختلف الفئات بالمجتمع في ليبيا مثل صندوق الضمان الاجتماعي، وصندوق التقاعد، ودور الرعاية، ووزارة العمل، ووزارة الشؤون الاجتماعية، و وزارة الصحة ، وغيرها من الموسسات الأخرى، هذه الموسسات تقدم الدعم والحماية والمساعدة كل حسب أهدافها واختصاصاتها وقوانين إنشاءها ، غير أن هذه المؤسسات تمارس مهامها بمعزل عن بعضها ولا تجمعها استراتيجية موحدة لتقديم الحماية لمختلف الفئات التي تحتاجها، الأمر الذي يستوجب ضرورة تطوير استراتيجية وطنية متكاملة للحماية الاجتماعية منظوراً إليها كحق من الحقوق التي يكفلها الدستور للمواطنين، و لتحقيق العدالة الاجتماعية.

وإدراكاً منا لأهمية هذا الموضوع، فقد تقدمت خلال عام 2017 بمقترح لمنتدى الخبراء الليبيين للتعاون الإنمائي ( منظمة مجتمع مدني ) وإطار عام لتنفيذ دراسة تستهدف تطوير وبناء استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية في ليبيا، بالنظر لتفاقم الأوضاع المعيشية و زيادة من هم في حاجة للحماية والدعم بحكم الاوضاع الاستثنائية التي مرت بها البلاد، وقد تبنى المنتدى فكرة الدراسة والإطار العام المقترح لتنفيذها، والذى يعتبر حالياً صاحب الملكية الفكرية للمشروع، وتم عرض مشروع الدراسة في الاجتماعات التي عقدها المنتدى بتونس برعاية بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا.

غير أن هذا المشروع رغم قبول فكرته من قبل الجهات المختصة مثل وزارة التخطيط، وتأييده من قبل بعض المؤسسات الدولية التي عرض عليها، مثل البنك الدولى وصندوق النقد الدولي وبرنامج الامم المتحدة للتنمية، إلا أنه لم يُنفذ، رغم الحاجة الماسة له، نظرا لما يحتاج إليه هذا المشروع من امكانيات بشرية ومادية، ونتيجة للظروف الأمنية التي مرت بها البلاد ، حيت يتطلب تنفيذ المشروع إجراء مسوحات اجتماعية موسعة لتحديد الفئات التي يجب حمايتها في مختلف أرجاء البلاد و حصر من هم عند حد الفقر، والمستهدفين بالحماية، وتكوين قاعدة بيانات متكاملة وتطوير منظومة الكترونية لتوثيق ومتابعة المشمولين، كما يتطلب وضع الاستراتيجية والبرامج والسياسات المنفذة لها، إجراء تقييم للاوضاع المالية لمختلف المؤسسات التي تقوم بتقديم نوع او اخر من الحماية والرعاية الاجتماعية، سواء كانت تحويلات نقدية أو خدمات نوعية، والوقوف على مدى توفر الاستدامة المالية بهذه المؤسسات ونجاعتها، وأن تنظر الحكومة للحماية الاجتماعية كأحد أدوات تنفيذ التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق أهدافها وكوسيلة لتوفير الأمان الاجتماعي.

كما يتطلب تطوير الاستراتيجية الوطنية دعم مجتمعي لفكرة الحماية الاجتماعية وتبنيها من قبل منظمات المجتمع المدني والدعوة لها والتعريف بأهميتها، واجراء حوارات مجتمعية حولها، وتبنيها من قبل الحكومة، علاوة على تشكيل فريق من الخبراء والمختصين لتنفيذ الدراسة ووضع الاستراتيجية وعرضها والتعريف بها، وقد يتطلب الأمر الاستعانة بالمساعدة الفنية التي تقدمها المؤسسات الدولية المختصة التي ساهمت في تطوير استراتيجيات مماثلة لدى الدول الأُخرى.