أزمة مرتبات القطاع العام .. اعتصامات تقود إلى خيار صعب

591

أظهر تراجع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني عن قراره بزيادة مرتبات بعض القطاعات في الدولة، حجم المخاوف في عملية زيادة الإنفاق على المرتبات في الدولة والتي بلغت 15.8 مليار دينار منذ مطلع يناير الماضي وفق بيانات المصرف المركزي للعام 2019، مع تراجع إيرادات النفط مقارنة بالسنوات الماضية.

في مقابل ذلك، ارتفعت وتيرة الاعتصامات التي أطلقها المعلمون على مستوى البلاد مطالبين بحقوقهم التي تتمثل في زيادة مرتباتهم المنخفضة.

لا تزال تشكل القرارات التي تتخدها الجهات التشريعية في اتجاه زيادة مرتبات القطاع الحكومي خطرًا يهدد الميزانية العامة ويجعلها عاجزة عن توفير مخصصات لمشاريع التنمية في البلاد على المدى القصير والمتوسط.

ولا يختلف الحال كثيرًا في شرق البلاد كما في الغرب، فالطرق التقليدية التي تسلكها الجهات التشريعية والتنفيذية لاحتواء الأزمة وإجراء إصلاحات بطريقة مباشرة وبدون امتلاكها للإمكانيات اللازمة، هي في الحقيقة مساهمة في تعقيد المسألة بدلاً من إيجاد حلول أقل ضررًا.

في ظل الانقسام السياسي الحاصل في مؤسسات الدولة، من الصعب توفير الموارد اللازمة لتغطية القرارات المتعلقة بزيادة مرتبات القطاع الحكومي.

يحاول القطاع الحكومي من خلال الاعتصامات والضغط على الحكومة للاتجاه نحو إصدار قرارات تعمل على زيادة مباشرة في المرتبات بدون النظر في عملية إعادة الهيكلة الخاصة بالمرتبات التي تحتاج وقت أطول؛ نتيجة هشاشة الوضع الاقتصادي وصعوبة إيجاد حلول من قبل الجهات التنفيذية في ظل الانقسام.

منذ العام 2014 اتجهت الأمور نحو الأسوء من خلال ارتفاع سعر الدولار مقابل الدينار، وبينما واصل الوضع الاقتصادي انحداره نحو الأسفل تفاقمت أزمة السيولة في المصارف التجارية.

وعلى الرغم من محاولات إنعاش الاقتصاد وتراجع طفيف في معدلات التضخم على مدى الأشهر الماضية مع حدوث تقارب بين أسعار السوق الموازية والسوق الرسمية، ظلت القدرة الشرائية للمواطنين منخفضة. ومع غياب الحلول كانت المطالبات بزيادة الأجور حل واقعي بالنسبة للموظفين في الدولة.

إن خلق ما يشبه العدالة الاجتماعية داخل جميع القطاعات في الدولة في المرحلة المقبلة، من خلال إعادة تنظيم الأجور وتفعيل علاوة الأسرة هي خطوة مهمة في الطريق نحو إنهاء الأزمة.

يعتقد الخبير الاقتصادي ومؤسس سوق الأوراق المالية سليمان الشحومي، أن المشكلة بدأت عند قيام الحكومة بتعديل مرتبات بعض القطاعات في الدولة وتجاهل قطاعات أخرى مما ولد شعورا بعدم المساواة بين العاملين في الدولة.

وقال الشحومي في حديثه لـ”صدى الاقتصادية”، إن إقرار البرلمان على قانون جديد يسمح بزيادة المرتبات ساهم في تعميق المشكلة؛ نتيجة عدم قدرة الحكومة المتواجدة في شرق البلاد على تنفيذ تلك القرارات.

وأضاف بأن برنامج رفع المرتبات يحتاج إلي توفير الموارد اللازمة لتنفيذه، وهذا غير ممكن في ظل انقسام البلاد.

إن خلق ما يشبه العدالة الاجتماعية داخل جميع القطاعات في الدولة في المرحلة المقبلة، من خلال إعادة تنظيم الأجور وتفعيل علاوة الأسرة هي خطوة مهمة في الطريق نحو إنهاء الأزمة، يقول الشحومي.

أصبح التباين الكبير في المرتبات بين قطاعات الدولة أمرًا مرفوضًا بالنسبة للموظفين الحكوميين وخاصة المعلمين.

يصر أعضاء هيئة التعليم العالي ومن خلفهم المعلمين على سلوك طريق يرونه هو السبيل الوحيد للحصول على بعض من مطالبهم على أقل تقدير في حال فشلت الزيادة، وهو إعادة هيكلة مرتبات القطاع الحكومي أو العودة إلى القانون رقم (5) الخاص بالمرتبات في عهد النظام السابق قبل العام 2011 والذي يبدو خيارًا صعبًا في هذا الوقت.

وقال نقيب موظفي التعليم العالي عصام عويدان، إن التباين الكبير في المرتبات بين قطاعات الدولة أصبح أمرًا مرفوضًا تمامًا بالنسبة للموظفين الحكوميين وخاصة المعلمين.

وتحدث عويدان لـ”صدى الاقتصادية” عن أن المطلب الرئيسي للاعتصامات هي العدالة في توزيع المرتبات، حيث يرى بأن قطاع التعليم من بين أكثر القطاعات التي تعرضت للظلم من قبل الدولة.

وعلى الرغم من إصدار البرلمان في طبرق للقانون رقم 2 لسنة 2018 والذي يتضمن تعديلات مالية وإدارية، إضافة إلى القانون رقم 4 الخاصة بالمعلمين؛ إلا أن موارد الدولة لا تكفي لتنفيذ تلك القرارات، وفق نقيب موظفي التعليم العالي.

زيادة الرواتب تأتي نتيجة حالة التضخم التي يعيشها الاقتصاد المحلي منذ أربع سنوات تقريبًا، والذي أدى إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطن.

من جانبه، يرى الأكاديمي الاقتصادي عطية الفيتوري إن إعادة هيكلة المرتبات في القطاع الحكومي ضرورة حتمية قبل زيادة أي قطاع على حساب الأخر، رغم صعوبة المرحلة التي تمر بها البلاد.

الفيتوري يعتقد بأنه وعلى الرغم من حالة الانقسام السياسي والمؤسساتي في الدولة إلا أن حكومة الوفاق المتواجدة في طرابلس يقع عليها إيجاد حلول للمشكلة نتيجة تحكمها بجمع موارد الدولة.

وتأتي هذه المطالب نتيجة حالة التضخم التي يعيشها الاقتصاد المحلي منذ أربع سنوات تقريبًا، والذي أدى إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطن.

تبقى علاوة الحصة التي تمنحها وزارة التعليم مع نهاية الفصل الدراسي من كل عام تساهم في زيادة الدخل لدى الموظفين في القطاع، لكن مع تأخر الحصول عليها فقدت الكثير من قيمتها. يمكن أن تصبح المكافئات حلاً مؤقتا على المدى المتوسط في حالة إضافة بعض التعديلات على القرارات الخاصة بها.

ومع ذلك، فإن العمل على تخفيض سعر الصرف الخاص بالعملة الأجنبية أمر مهم للغاية، فالدولة تستورد على الأقل 85% من احتياجاتها من الخارج، ومع استمرار بقاء قيمة الدينار منخفضة فسيكون الاتجاه نحو زيادات المراتبات هو المطلب الرئيسي.

على حكومة الوفاق الوطني المتواجدة في طرابلس، الاستفادة بشكل جيد من إيرادات النقد الأجنبي عبر إدخال إصلاحات بزيادة المكافئات للموظفين في الدولة قبل إجراء تعديلات على القوانين، إلى حين تجاوز الوضع الصعب التي تمر به البلاد منذ سنوات.